تبدو المقارنة بين صنع القرار في حركة "حماس"، والحكومة الإسرائيلية من واقع ما يجري من مفاوضات بشأن الحرب في غزة غاية في الصعوبة، فالحكومة الإسرائيلية تتعامل وفق منظومة معقدة بين مراكز صنع القرار السياسي، والاستراتيجي والأمني برغم تشكيل مجلس للحرب لقيادة المشهد الاستراتيجي، إلا أن مواقفه وتوجهاته تتداخل مع مجلس الحكومة "الكابينت المصغر" إضافة للحكومة الرئيسة بكل رموزها السياسية والحزبية ما يؤكد أن توحيد الرؤى أمر في غاية الصعوبة. ولهذا يناور رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ويتحرك في دوائر متقاطعة، ومساحات متشابكة مانحاً لفريق المفاوضين في ملف التفاوض صلاحيات قد تتجاوز التفاوض الأمني، والاستراتيجي بل والمناورة لتحقيق أهداف سياسية خاصة أن آليات التصويت في مجلس الحرب تختلف عن اتخاذ القرار في الحكومة ككل، وتخضع لتقييمات حقيقية من العمل السياسي والأمني، وفي ظل تداخل أدوار قيادات أجهزة المعلومات، وعلي رأسهم رئيس الشيين بيت والموساد من جانب وهيئة الاستخبارات العسكرية "أمان" من جانب آخر، ما يؤكد على تعقد اتخاذ القرار السياسي، وتأخر صدوره للعلن فيما تتداخل مراكز أخرى لاتخاذ القرار، ومنها قيادات أمنية عليا سابقة في هيئة الأركان يتم اتخاذ رأيهم فيما يجري من تصورات، وكذلك بعض قيادات المؤسسة الدينية وقوى المستوطنين والمتدنيين يلعبون أيضاً دوراً في هذا الاطار خاصة مع تداخل السياسات، وتعدد الرؤى الأمنية والسياسية والاتجاه إلى تبني سياسات تتعلق بمصير الدولة وقراراتها المصيرية...
وفي المقابل فإن صناعة القرار في حركة "حماس" تحكمها ضوابط صعبة مع تركز القرار في المكتب السياسي داخلياً وخارجياً، إلا أن مركزية مجموعة الداخل قد تكون هي المؤثرة خاصة مجموعة (السنوار – ضيف - مروان عيسى)، إضافة للجناح العسكري الذي يبني سياساته وفق مصالح محددة منضبطة في ظل وجود شريك الخارج ممثلاً في المكتب السياسي لحركة "حماس" ولمجموعة العمل في الدوحة مقابل المجموعات في الخارج، والأقاليم وخاصة لبنان، ما يعطي دلالات على أن القرار السياسي، أو الاستراتيجي في "حماس" مرتبط بمواقف وتوجهات وأشخاص، وشخصيات كبيرة وازنة في المشهد السياسي، والتي تتعامل انطلاقاً من أن القرار يجب أن يتم وفق منظومة محددة، وهو ما يؤكد على صعوبات ما يجري في ملف التهدئة والاتجاه إلى هدنة مؤقتة برغم تصميم حركة "حماس" على أن تكون جزءاً كبيراً من منظومة العمل الوطني الفلسطيني، وسواء التحقت بمنظمة التحرير، أو لم تلتحق، فإن القرار بالاستمرار في إدارة المشهد السياسي، أو العسكري تحكمه معايير عديدة وتحولات تجري في مؤسسات وأجهزة حركة "حماس" التي تواجه خيارات صعبة ومواقف متعددة يحكمها القرار الأخير للحركة في المديين القصير والمتوسط، وهو ما تناور به الحركة في مستوياتها المختلفة، لكن في النهاية فإن قرار حركة "حماس" يأتي توافقياً.. ومن خلال معايير منضبطة، وتوجهات صارمة تعطي الأولويات الرئيسة لمراكز القوة في الحركة على حساب أي معيار آخر في التعامل، ومن خلال مقاربات متعددة.
المؤكد أن قرار "حماس" مرتبط بمراكز التأثير الحقيقية، والموجودة في قلب مؤسسات الحركة بالداخل، كما أن المستوى السياسي للحركة في الخارج، والأقاليم مرتبط بتأثير بعض الأطراف الإقليمية، والتي لها توازناتها الصعبة والتي تعمل على توجيه مسار القرار داخل حركة "حماس" ومحاولة تطويعه، وهو ما يدفع حركة "حماس" للتأكيد بأنها "حركة وطنية" لا تقبل بأن يتم التدخل في قرارها، وهو أمر غير صحيح.يمكن التأكيد إذن على أن صنع القرار في الحكومة الإسرائيلية، وحركة "حماس" يمضي في سياق من الاعتبارات المتنوعة ما بين متطلبات الداخل، ومقتضيات المصالح الكبرى التي يتحرك فيها الجانبان خاصة في ظل ظروف استثنائية حقيقية ربما يكون تركيزها في تحقيق ما تستهدفه، فالحكومة الإسرائيلية ورئيسها نتنياهو يتحركان في دوائر عدة حفاظاً على بقاء مكونات ائتلافها، وعدم التصادم مع الواقع السياسي والأمني الراهن.
ولهذا تمت شيطنة المعارضة، ورمزها من نوعية عضو مجلس الحرب بيني جانتس برغم تاريخه العسكري، وكذلك يائير لابيد وغيرهم وجوه للمعارضة السياسية الضعيفة التي لا تملك أي مرجعيات حقيقية، أو ثقل شعبي لغلق الباب نهائياً للذين يدعون إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة، أو تشكيل حكومة وطنية شاملة الأمر الذي يؤكد منهج التعامل الراهن داخل الحكومة فيما تتجه قيادات "حماس" للعب على منظومة متعددة من المصالح العليا، وتضييق الخيارات أمام استصدار قرار موحد تتداخل فيه كثير من الأولويات السياسية والأمنية، وهو ما يجري في التوقيت الراهن، ومن خلال محاولة الالتفاف على النهج العسكري إلى النهج السياسي. ويبقى التشابه قائماً في الحالتين سواء في حكومة إسرائيل وحركة "حماس" من خلال مركزية ما قد يصدر ووجود مدخلات عدة داخل الإطار الرسمي من الجانبين إضافة لوجود مراكز للتأثير، والضغط تمارس دوراً عند الضرورة، وقد يكون دورها في توقيتات معينة هو الأهم في ظل وجود شخصيات مهمة تحرك، وتوجه في مساحات محددة تحقيقياً لأهدافها من خلال التأكيد على نهجها في الدفاع عن أمن وحدود الدولة بالنسبة لإسرائيل، ومن خلال الحفاظ على تماسك الحركة، وقوة وجودها برغم خسائرها السياسية والاستراتيجية الكبيرة بالنسبة لحركة "حماس".