رابحة امرأة مغربية، قصتها تشبه نساء كثيرات ظلمهن المجتمع والقانون، ظلمن فقط لأنهن نساء. فعشن مستسلمات ومقهورات منكسرات ومستكينات لخطاب المظلومية…إلا رابحة لم تستسلم، ورفضت أن تخضع لهذا الواقع، فاحتجت وتمردت وآمنت بأن الحقوق تنتزع ولا تمنح. فخاضت لوحدها معركة شرسة، في مواجهة الزواج التقليدي والزواج المبكر. واستطاعت أن تلفت انتباه العالم، خلال هذا الأسبوع، بعد فوزها بالجائزة الدولية للمرأة الشجاعة لعام 2024، نظير صبرها وإصرارها على إثبات نسب ابنتها، التي كانت ثمرة لزواج التقاليد.
لم يسبق لرابحة أن ولجت المدرسة، فقد حرمت من الدراسة، واغتصبت طفولتها وزوجوها وهي قاصر. رسمت رابحة الحيمر معالم الشجاعة والتفاني بألوان الصمود والعزيمة في مواجهة الزواج التقليدي في المغرب، حيث سلطت الضوء على المشاكل التي قد تعيشها المغربيات بسبب صعوبة إثبات نسب أطفالهن، ضحايا هذا الزواج .
وتوجت رابحة الحيمر بهذه الجائزة بفضل نضالها من أجل الحصول على حقوقها المتمثلة في ثبوت النسب، وهو النضال الذي عكسه شريط وثائقي تم عرضه على القناة الثانية في 2 ماي سنة 2014، ضمن برنامج "قصص إنسانية " (HH)، بعنوان "أولاد حرام".
سلطت الحيمر عبر ذلك الشريط الضوء على معاناة المغربيات مع زواج القاصرات والمشاكل التي يمكن أن تطفو على السطح بسبب تهرب الزوج من الاعتراف بأن الأطفال نتيجة لهذا الزواج.
عن ظروف مشاركتها في هذه الجائزة وكيف استطاعت أن تحوّل معاناتها إلى دروس حياة تبعث الأمل والتحفيز بالنسبة للطفلات ضحايا الزواج المبكر. تروي رابحة (37 سنة) وهي اليوم أم لشابة تبلغ من العمر 19 سنة، تفاصيل مسيرتها التي قطعتها ونضالها طيلة سنوات من أجل إثبات نسب ابنتها، حيث كانت ضحية زواج "الفاتحة" في عام 2001، وهي طفلة لا يتجاوز عمرها 14 سنة، وهو ما جعلها تعاني كثيرا.
تقول: "تم زواجي بقرار من والديّ. وكانت تلك مرحلة صعبة جدا، لأنني كنت طفلة صغيرة، ونحن نعلم صعوبة الزواج التقليدي في مجتمعنا". وتضيف: "آمل ألا تعيش أي طفلة مغربية تجربة مشابهة لتجربتي".
وتتحدث رابحة الحيمر عن الفيلم الوثائقي، الذي سردت من خلاله قصتها، معتبرة بأنه كان بمثابة رسالة توضح للعائلات المغربية التي تؤمن بالزواج المبكر، المشاكل التي عاشتها. وتضيف: "عائلتي لم تكن تدرك حجم المشاكل التي سأواجهها، وكانت نيتها حسنة، ولكن نتائج هذا الزواج كانت وخيمة".
ولم يعترف زوج الحيمر بنسب ابنتها، إلا بعد سنوات من المعاناة، مما جعل صغيرتها تعاني لتحصل على حقوقها التي من أبرزها التمدرس مثل أي طفل في سنها، غير أنه بفضل كفاح الأم تمكنت الطفلة من الحصول على جميع حقوقها وواجباتها وهي الآن تتابع دراستها بطنجة وتتحدث ثلاث لغات أجنبية.
وتعتبر رابحة الحيمر أن هذه الجائزة تكريم لجميع النساء المكافحات اللواتي يسعين لثبوت النسب ومواجهة زواج القاصرات، معبرة عن امتنانها لجلالة الملك محمد السادس، الذي تعتبر بأن الإصلاحات التي أطلقها من أجل تمكين النساء من حقوقهن، من خلال مدونة الأسرة 2004، كانت مرحلة فاصلة في مسار حقوق المرأة في المغرب.