دولي

أين يقع مفاعل ديمونا ومتى تم إنشاؤه؟

اخترقت جماعة متخصصة كمبيوترات وخوادم مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي.

ونقلت صحيفة هآرتس الخبر عن منشورات لمجموعة "أنونيموس" المتخصصة في القرصنة والإختراق عبر شبكة الإنترنت، مشيرةً إلى أن أعضاء في المجموعة "اخترقوا كمبيوترات وخوادم في مفاعل ديمونة النووي".

أين يقع مفاعل ديمونا ومتى تم إنشاؤه؟

تخفي إسرائيل مشروعًا نوويًا منذ أكثر من 65 عامًا، يتمثل بمفاعل ديمونا، وروجته خلال السنوات الأولى باعتباره مصنع نسيج، ثم اعترفت بأنه مشروع بحثي "لأغراض سلمية".

كما رفضت من أجله إسرائيل، توقيع معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وخدعت عشرات المراقبين الدوليين.

لكن فضحية مدوية أزاحت الستار عن هذا السر الذي أخفته إسرائيل لعقود، والذي تبين أنه أضخم مشروع نووي في الشرق الأوسط.

ما قصة مفاعل ديمونا السري؟

خلال مقابلة تلفزيونية مع شبكة الـ"سي إن إن" في أيار/ مايو 2018، طرح المذيع على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سؤالًا واضحًا وهو: "هل تملك إسرائيل قدرات وأسلحة نووية؟ نعم أم لا؟".

حينها، رد نتنياهو قائلًا: "لطالما قلنا إننا لن نكون أول من يقدم النووي في الشرق الأوسط، لذلك نحن لسنا من قدمناه إلى المنطقة. هذه أفضل إجابة ستحصل عليها".

بهذا الغموض المتواصل، ظلت إسرائيل تحتفظ بسر ترسانتها النووية لأكثر من 6 عقود وهي سياسة انتهجها كل من حكمها على مر العقود، وتندرج تحت المصطلح العبري "عموميت" أو "الغموض المتعمد" لسياسة الملف النووي.

فبعد سنوات قليلة من احتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية عام 1948، أسست هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية عام 1952.

ومنذ ذلك الوقت تعمل الهيئة النووية بشكل متسارع في استخراج اليورانيوم من صحراء النقب، إذ تمكنت من تطوير طريقة لإنتاج الماء الثقيل الذي وفر لإسرائيل قدرتها الخاصة على إنتاج أحد العناصر المهمة في المجال النووي.

إنشاء المفاعل النووي الإسرائيلي

وبعد نحو 5 سنوات من المفاوضات مع فرنسا، وقّعت إسرائيل في أواخر أيلول/ سبتمبر عام 1957 اتفاقية مع باريس تقضي بإنشاء مفاعل نووي في "ديمونا"، من خلال الاستعانة بالعلماء الفرنسيين لأغراض قالت إسرائيل حينها أنها سلمية.

وتقع المنطقة التي أرادت تل أبيب إنشاء المفاعل عليها، على بعد نحو 90 كيلومترًا من القدس ونحو 35 كيلومترًا من حدود الأردن، وأبعد بقليل عن حدود مصر بنحو 65 كيلومترًا.

وكان أمر هذه المحطة أشد سرية من المفاعل النووي نفسه، فهي تعد الدليل الحقيقي على أن البرنامج النووي الإسرائيلي كان يهدف إلى إنتاج الأسلحة وليس لأغراض سلمية كما تقول تل أبيب.

وبحلول نهاية الخمسينيات، بدت ديمونا وكأنها مدينة فرنسية إذ كان 2500 مواطن فرنسي يعيشون فيها، وافتتحت لهم المدارس والثانويات الفرنسية وامتلأت شوارع المدينة بسيارات رينو الفرنسية.

إلا أن العمال في المدينة كانوا قد منعوا من الكتابة مباشرة إلى أقاربهم وأصدقائهم في فرنسا أو أي مكان آخر، حسب ما نقله الصحفي الاستقصائي الأميركي سيمور هيرش في كتابه "خيار شمشون".

في المقابل لم تكن أعين الولايات المتحدة مغمضة عن التطورات في ديمونا، إذ أصرت واشنطن في عهد الرئيس جون كينيدي على إرسال مفتشين أميركيين للتأكد من صحة المزاعم الإسرائيلية بأنه مفاعل لأغراض سلمية فقط بهدف توفير المياه للأراضي الزراعية في صحراء النقب، كما كان يؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك ديفيد بن غوريون.

زيارات تفتيشية أميركية

وفي الحقيقة، حاولت إسرائيل إخفاء المشروع عن الولايات المتحدة، بل إنها ادعت لسنوات أنه مشروع معمل نسيج.

لكن تقارير الاستخبارات الأميركية في ذلك الوقت كشفت الأمر وتوصلت إلى مدى جاهزية المشروع، إذ ذكر تقرير كتب في كانون الثاني/ يناير عام 1963 ورفعت عنه السرية عام 2017 إلى أن مفاعل ديمونا "كان يعمل بأقصى طاقته".

وأكّد التقرير أن المفاعل الإسرائيلي يمكنه بذلك أن ينتج ما يكفي من البلوتونيوم لصنع سلاح أو سلاحين نوويين سنويًا.

هذه المعلومات، زادت من إصرار الإدارة الأميركية وقتها على ضرورة إرسال بعثة لزيارة المفاعل النووي، فكانت الزيارة عقب تنصيب ليفي أشكول رئيسًا للوزراء في حزيران/ يونيو عام 1963 الذي وافق على السماح لعملاء أميركيين بإجراء زيارات منتظمة إلى مفاعل "ديمونا" النووي.

أما تلك الزيارات، فجاءت بعد رفض إسرائيلي لطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة مفتشين للمفاعل النووي وعوّضت ذلك بفيزيائيين أميركيين دون السماح لهم باستخدام معداتهم الخاصة أو جمع العينات.

بل وصل الأمر حتى، إلى منعهم من استكشاف أماكن سرية داخل مجمع المفاعل النووي من خلال بناء جدران زائفة حول صف المصاعد، التي تنزل ستة مستويات إلى مصنع إعادة المعالجة تحت الأرض والذي عرف لاحقا بالموقع "ماشون- 2".

وبالتزامن مع هذه الزيارات التفتيشية، رفضت إسرائيل توقيع معاهدة حظر الانتشار النووي التي أبرمت عام 1968.

رعاية أميركية متعاقبة

ومنذ ذلك الوقت، بدأت الرواية الأميركية تأخذ منحى موازيًا للرواية الإسرائيلية بشأن امتلاك دولة اسرائيل أسلحة نووية، إذ تعهدت تل ابيب للولايات المتحدة بأن لا تكون الدولة الأولى التي تملك سلاحًا نوويًا في الشرق الأوسط.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 1963، مثلت حادثة اغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي نقطة تحول هامة في موقف واشنطن تجاه المشروع النووي الإسرائيلي.

فمع تنصيب ليندون جونسون رئيسًا للولايات المتحدة قرر البيت الأبيض عدم قول أي شيء عن برنامج إسرائيل النووي وعدم الضغط على تل أبيب للتوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي.

وبعد سنوات من هذا الاتفاق الأميركي الإسرائيلي وتحديدًا في أيلول/ سبتمبر 1979، اكتشف قمر صناعي أميركي وميضًا مزدوجًا لاختبار سلاح نووي قبالة سواحل جنوب إفريقيا.

وبعد التحقيق في الحادثة اكتشف أنها تجربة إسرائيلية نووية، من بين ثلاث تجارب أخرى أجرتها إسرائيل بالتعاون مع جنوب إفريقيا.

في حين تكتمت الولايات المتحدة كعادتها على هذه التجربة النووية، في إطار الاتفاق مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

قصة فعنونو

ومضت إسرائيل في بناء ترسانتها النووية في ظل صمت ورعاية أميركية متعاقبة مع كل رئيس جديد، إلى أن وقعت الفضيحة الكبيرة عام 1986 بعد أن كشف موردخاي فعنونو الذي كان يعمل فنيا في مجمع "ديمونا" النووي، عن سر إسرائيل الذي تخفيه عن العالم أجمع.

وكشف الفني السابق في مقابلة صحفية أنه يريد "إبلاغ العالم عن الأسرار النووية الإسرائيلية، لأنه لا أحد يتحدث ولا أحد يبلغ بالضبط عما يجري هناك (في مفاعل ديمونا)".

فعنونو الذي فقد عمله في مفاعل ديمونا عام 1985 لم يرحل بيدين فارغتين، بل أخذ معه أسرار المجمع الذي تخفيه إسرائيل تحت الأرض.

وكان ظهوره الأول بعد عام من خروجه بمنزلة الصدمة، إذ كشف خلال لقاء مع صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية عن امتلاك إسرائيل ترسانة نووية وعرض لقطات من فيلمين مصنفين تحت بند "سري للغاية"، يشرحان جانبًا من الأعمال التي تجري في مفاعل "ديمونا"، والمعدات التي تستخدم في استخراج المواد الإشعاعية المخصصة للإنتاج العسكري ونماذج معملية للأجهزة النووية الحرارية.

تلك التسريبات كشفت أن المفاعل الإسرائيلي تبلغ طاقته 26 ميغاوات، ومن المحتمل أن إسرائيل طورت قدراته ليعمل بنحو 150 ميغاوات.

وتبلغ معدلات إنتاج البلوتونيوم فيه، نحو 40 كيلوغرامًا سنويًا وهو ما يكفي لصنع 10 قنابل.

لتكشف التسريبات الأولى من نوعها الستار عن مشروع خفي لا يعلم عنه العالم أي شيء، فمفاعل "ديمونا" النووي بحسب الفني الإسرائيلي طوّر أكثر من مرة لزيادة قدرته الإنتاجية من مادة البلوتونيوم.

فقد كان المفاعل يستطيع في عام 1985 إنتاج 1.2 كيلوغرام من البلوتونيوم أسبوعيًا، وهو ما يكفي لإنتاج 12 رأسًا نوويًا سنويًا.

الترسانة النووية الإسرائيلية

وتشير تقديرات حديثة إلى أن إسرائيل تمتلك بالحد الأدنى 80 رأسًا حربيًا نوويًا، وقد يصل الرقم في أقصاه إلى 200 رأس حربي نووي، في الوقت الذي لا تزال تعمل فيه تل أبيب على تطوير منشأة "ديمونا".

فوفق صور أقمار صناعية حديثة، ظهرت أعمال حفر قرب المفاعل القديم بحجم ملعب كرة قدم ومن المحتمل أن يكون عمقها عدة طوابق تحت الأرض.

كما عملت إسرائيل على تحصين ترسانتها النووية، من خلال قدرتها على توجيه الضربة النووية الثانية في حال تعرضها لهجوم نووي عبر بناء مركز قيادة محصّن في جوف جبل في القدس الغربية.

هذا المركز يقع تحديدًا بالقرب من مقر رئيس الحكومة الإسرائيلية، ويحمل اسم "المركز القومي لإدارة الأزمات" وتستطيع من خلاله قيادة العمليات في حالات الطوارئ الناجمة عن حرب نووية أو بيولوجية تستهدف إسرائيل.

إضافة إلى ذلك، تعاقدت إسرائيل لشراء غواصات نووية من ألمانيا تحمل اسم "الدولفين"، وهي غواصات قادرة على حمل صواريخ مزودة برؤوس نووية وباستطاعتها البقاء في عرض البحر لعدة أيام.

وقد حصلت إسرائيل على 3 غواصات في تسعينيات القرن الماضي، وتسلمت الغواصة الرابعة في أيار/ مايو2012، ومن المفترض أنها تسلمت الغواصة الخامسة عام 2014.

وبحسب اتفاقية بين وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك ونظيره الألماني وقتها، كان من المقرر أن تتحصل إسرائيل على غواصة ألمانية متطورة عن سابقاتها عام 2018.

وستمكن هذه الغواصة إسرائيل، من إطلاق صواريخها المحملة برؤوس نووية من نوع "بوباي"، بمدى يصل إلى 1500 كيلومتر.

كما كشفت تقارير غربية عن تطوير إسرائيل ترسانة صواريخها النووية ليصبح صاروخها "أريحا ثلاثة"، عابرًا للقارات بمدى يصل إلى 5000 كيلومتر.

سيناريو "كارثة ديمونا"

وعاد موضوع النووي الإسرائيلي إلى البروز مرة أخرى، بعد توالي التهديدات من شخصيات إسرائيلية بإمكانية استخدام هذه الأسلحة في قطاع غزة، أو على مستوى أوسع تزامنًا مع العملية العسكرية التي تشنها إسرائيل على القطاع منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وكشفت التهديدات التي صدرت عن مسؤولين إسرائيليين ومطلّعين، عن إمكانية استخدام الترسانة النووية لردع أي تحركات إقليمية في المنطقة وهو ما ينذر بكارثة إنسانية في عدة مدن وبلدان.

ويأتي ذلك، فيما تتوالى التهديدات التي أصبحت تصل إلى "ديمونا" عبر الطائرات المسيرة، الأمر الذي حذّر منه الكاتب الإسرائيلي جون جابريل الذي شبّه استهداف مفاعل "ديمونا" بكارثة تشيرنوبيل التي حدثت في أوكرانيا عام 1986.

فقد أجرى الكاتب الإسرائيلي في هذا السياق، بحثًا طويلًا تحدث فيه عن الضرر الذي سيلحق بالمنطقة بأكملها في حال وقوع كارثة في المفاعل الذي تجاوز عمره الافتراضي بـ 40 عامًا.

وهو ما دعا علماء إسرائيليين شاركوا في بناء المفاعل، للمطالبة بإيقافه عن العمل باعتباره أحد أقدم المفاعلات النووية في العالم.

وفي آب /أغسطس 2012، صرّح أستاذ الكيمياء في جامعة تل أبيب عوزي إيفين والذي شارك في إنشاء المفاعل بأن "مفاعل ديمونا يجب أن يغلق عاجلًا أو آجلًا، فهو بالفعل أحد أقدم المفاعلات النووية في العالم، ولأنه على وشك الحدوث على أي حال، ولا أرى أي خسارة إذا بدأنا التفاوض الآن بشأن إغلاق النشاط النووي هناك، ووضعه تحت الإشراف الدولي".

يقرأون الآن