باستثناء الزيارة الرسمية القبرصية إلى لبنان المرتبطة حصراً بقضية النزوح السوري، لا جولات مرتقبة لمسؤولين دوليين في وقت قريب للبحث في ملف الجنوب ولا في الشأن الرئاسي والاستحقاقات المعلقة.
وما بات محسوماً هو أن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين لن يعود إلى لبنان حالياً في ظل التصعيد القائم واحتمالات الرد الإيراني على ضربة القنصلية في دمشق وتوجه الأنظار إلى جبهة الجنوب كساحة أساسية للمعركة، خصوصاً مع انسداد الأفق حول التفاوض الذي لم يصل إلى نتائج في السابق، ولا تزال ظروف نضجه مرتبطة بوقف إطلاق النار في غزة وفق ما ورد في "النهار".
وفي الوقت عينه تُطرح تساؤلات عما إذا كانت اللجنة الخماسية ستواصل جولاتها بعد عيد الفطر، وسط تشكيك في إمكان استئناف الموفد الفرنسي جان - إيف لودريان مهمته في بيروت.
وعلى رغم أن لا جولات مرتقبة في وقت قريب، تلقّى لبنان رسائل من جهات دولية عدة خصوصاً من الفرنسيين، تحذر من انخراط "حزب الله" في اي رد إيراني محتمل، مخافة توسع دائرة المواجهة التي ستزيد من الاستنزاف وتؤدي إلى نتائج كارثية على البلد كله.
جاءت الرسائل الدولية قبل الخطاب السيد حسن نصرالله في يوم القدس، والذي أكد فيه ان الرد الإيراني آتٍ لا محالة، وأن "الحماقة التي ارتكبها بنيامين نتنياهو في القنصلية الإيرانية ستفتح باباً للفرج ولحسم المعركة".
يرفع كلام نصرالله منسوب المخاوف من توريط لبنان أكثر تزامناً مع أي رد إيراني على إسرائيل، ووفق التصورات الدولية أن أي تصعيد ناتج عن رد إيراني من جبهة الجنوب أو من أي منطقة، بمعزل عن حجمه ومداه وأفقه، سيكون لبنان في قلب المواجهة، خصوصاً أن نصرالله رفع سقف التحدي مؤكداً أن "السلاح الأساسي لم نستخدمه بعد"، ومشدداً على "أن هذه المعركة سنصل فيها إلى النصر التاريخي"، فيما إسرائيل توسّع الحرب ضد الحزب.
أينما يأتي الرد الإيراني سيكون لبنان في دائرة الاستهداف وفق ديبلوماسي متابع، فإذا كانت طهران سترد على إسرائيل مباشرة، فليس هناك غير "حزب الله" على تماس معها، وإن كان ما تتحدث عنه أنه سيكون رداً مزلزلاً، فإن نصرالله أبدى استعداده حين أكد أن "المقاومين على الحدود والجبهة الأمامية جاهزون لأي رد فعل". وبمعزل عما ستقرره إيران، بات واضحاً أن إسرائيل توسع نطاق عملياتها العسكرية في العمق اللبناني، وهدفها إعادة سكان المستوطنات الشمالية إلى منازلهم، إذ ينقل المصدر الديبلوماسي عن أوساط أميركية أن تل أبيب أبلغت واشنطن بأن عدم التوصل إلى حل خلال شهر ستنتقل إلى عمليات مكثفة وضرب نقاط أبعد بكثير وتوسيع نطاق العمليات لترتيب الوضع على الحدود وإبعاد "حزب الله" عن المنطقة.
لكن الحل الديبلوماسي بات مستبعداً مع التطورات الاخيرة والتصعيد بعد الضربة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، وفي ظل أجواء باتت تُقرع فيها طبول الحرب. فبينما يصعّد "حزب الله" معركته لمساندة غزة ويستمر معه الاستنزاف اللبناني في غياب أي أفق لاستئناف الوساطات الدولية للتفاوض، بدأت تترسخ قناعة محلية ودولية بأن المعركة على جبهة الجنوب ستطول، وقد تتطور مع الرد الإيراني المحتمل. فمصلحة حكومة الحرب الإسرائيلية بقيادة نتنياهو هي في إبقاء حالة الصراع قائمة والاستمرار في الحرب. وفي هذا الصدد يقول المصدر الديبلوماسي إن الأجواء في الأوساط الأميركية تشير إلى أنه إذا أخفق نتنياهو في إقناع الإدارة الاميركية بمعركة رفح، فقد يستعيض عنها بتوسيع إطار المعركة ضد "حزب الله" وطهران عبر ضرب أهداف جديدة في سوريا بصرف النظر عن الرد الإيراني.
يعيد هذا الوضع المتوتر والمفتوح على كل الاحتمالات، الجدل حول ربط جبهة لبنان بالحرب على غزة، وما إذا كان من الممكن إعادة التموضع لبنانياً عبر إعادة النظر بإدارة المعركة من قِبل "حزب الله" تحديداً، وهو الطرف الذي يخوض معركةً باتت لها حسابات إقليمية مرتبطة بإيران، وهو ما أكده نصرالله بوضوح لجهة مقاربته الرد الإيراني وانخراط لبنان معه. وهذا يعني أن حرب المساندة لغزة لا تنطلق من حسابات لبنانية محض، وهو الأمر الذي كان جلياً برفض "حزب الله" التفاوض قبل وقف اطلاق النار في غزة، حين طرح الأميركيون عبر مبعوثهم هوكشتاين، وأيضاً ما ورد في الرسائل الدولية، عدم انتظار نتائج الحرب على غزة والعمل على فصل جبهة الجنوب عن القطاع لأن الاستمرار بالربط ستكون له آثار كارثية على الوضع اللبناني عموما.
تزامناً مع الحرب على غزة، والمواجهة في الجنوب تركّز إسرائيل على ضرب الاهداف الإيرانية ومواقع "حزب الله" في سوريا، وهي تريد وفق المصدر الديبلوماسي جرّ الجميع إلى معركتها. ويلفت إلى أن جبهة الجولان المحتل باتت وكأنها معزولة عن وحدة الجبهات، إذ إن النظام السوري اتخذ قراراً يشبه الحياد، حتى مع استباحة الطائرات الإسرائيلية الأجواء السورية. وهذا يعني وفق المصدر أن المواجهة اليوم هي بين إسرائيل وإيران و"حزب الله" في سوريا ولبنان. ولذا يستبعد أي رد إيراني من الجولان، إذ تحكمه معادلات مختلفة فضلاً عن عدم القدرة الميدانية على المواجهة، فالنظام السوري ليس في وارد فتح جبهته ولا يملك الإمكانات لذلك، إضافة إلى أن التفاهمات الدولية التي يضمنها الروس تمنع إشعال جبهة الجولان المحتل بحسب "النهار".
وتزداد المخاوف من أن يكون لبنان ساحة الرد الإيراني المحتمل، وهو يطرح أسئلة عديدة، منها: هل تقرر الجمهورية الإسلامية تغيير استراتيجيتها بتوسيع دائرة الحرب؟ وإذا كانت الجبهة المحتملة هي لبنان، هل تدفع "حزب الله" إلى المغامرة بإشعالها في ظل الاستعدادات الإسرائيلية لحرب واسعة تهدف إلى إبعاد الحزب عن المنطقة الحدودية؟ الأهم من ذلك، تدرك إيران أن أميركا ستكون إلى جانب إسرائيل في اي حرب في المنطقة، ومعركة غزة حاضرة كشاهد مع استمرار الولايات المتحدة بمنح إسرائيل السلاح والذخائر رغم الخلافات، فإذا توسعت الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" لن تكون واشنطن على الحياد بل ستدعم إسرائيل، وهذه الأخيرة تسعى إلى استدراج الجميع إلى الحرب عبر الضربات الكبيرة والموجهة والضغط المستمر وهدفها جرّ الولايات المتحدة إلى مواجهة إقليمية لا تريدها لكنها ستكون مضطرة إذا نشبت لدعم تل أبيب.
الخطر يبقى على لبنان من اشتعال حرب واسعة، والمعادلة القائمة اليوم تجعله الأضعف وسط الانقسام الذي يعصف بمكوّناته، وفي انتظار ما ستؤول إليه التطورات، بردّ إيراني كبير أو محدود، تبقى جبهة الجنوب مشتعلة، في وقت تأخذ المواجهة بين "حزب الله" وإسرائيل أشكالاً مختلفة من التصعيد وخرق قواعد الاشتباك، وهي تشير إلى احتمال توسعها، إنْ لتحقق إسرائيل اهدافاً تقول انها أساسية لطمأنة مستوطنيها في الشمال بإبعاد الخطر عنهم، أو أن يقول "حزب الله" إن معركته هي لحماية لبنان وللاستمرار في دعم غزة. وفي الحصيلة ستكون النتائج كارثية على البلد.