تحت عنوان "رجل دين عراقي يثير ضجة.. "نرفض الولاء للخارج"!"، نشر موقع العربية خبرًا لفت فيه إلى أن ضجة كبيرة أثارها رجل الدين العراقي السيد حميد الياسري، بعد أن انتشرت مقاطع مصورة لإحدى محاضراته بمناسبة موسم "عاشوراء" هذا العام، عن مفهوم "الوطنية"، والعلاقة مع الأطراف الخارجية.
فقد قال خلال كلمة له بأحد المجالس قبل أيام: "أن يأتينا الصوت والتوجيه والإرشاد من خلف الحدود، فهذه ليست عقيدة الإمام الحسين، نحن نرفض هذه الانتماءات ونرفض هذه الولاءات، ونعلن ذلك بأعلى أصواتنا، فلا خوف ولا تردد ولا أي شيء يمنعنا، إن من يوالي غير هذا الوطن فهو خائن ومحروم من حب هذا الوطن".
إلا أن الرد على الياسري الذي كان يغمزُ من قناة الميليشيات المسلحة الموالية لإيران، رغم أنه لم يُسمها، جاء سريعاً من الأمين العام لـ"عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، الذي نشر عبر حسابه في تويتر، ملصقاً، جاء فيه "من العجب أن تصدر أمثال هذه التفاهات من شخص معمم وعلى منبر الإمام الحسين وفي مدينة الرميثة المعروف أهلها بالوعي والثقافة".
مدينة الأشداء
يشار إلى أن "الرميثة"، المدينة التي تقع جنوب العراق، تشتهر بالشعراء وشيوخ العشائر، ودورها التاريخي، حيث شاركت في "انتفاضة العشرين" ضد الاستعمار الإنجليزي 1920، وأيضاً في "الانتفاضة الشعبانية" 1991، ضد نظام الرئيس السابق صدام حسين.
كما سارع عدد كبير من أبنائها إلى التطوع للقتال ضد عناصر تنظيم "داعش" 2014، تلبية لدعوة المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني.
إلى ذلك، تشتهر "الرميثة" بعلاقتها القديمة مع المرجعية الدينية في النجف.
ففي تسعينات القرن الماضي، عندما تعرض حينها المرجع الأعلى للمسلمين الشيعة آية الله أبو القاسم الخوئي للمضايقات من عناصر الأمن التابعة لحكومة صدام حسين، بقيت مجموعة من أهالي "الرميثة" إلى جانب الخوئي، تحمي منزله وتعاضده، لما عرف عنهم من شجاعة.
لواء أنصار المرجعية
أما الياسري، فهو شخصية تحظى باحترام واسع في "الرميثة"، الأمر الذي جعله قادراً على جمع آلاف المقاتلين الذين تطوعوا للقتال ضد "داعش".
وقد أسس "لواء أنصار المرجعية"، الذي كان بداية ضمن "الحشد الشعبي"، إلا أنه تعرض لكثير من التهميش والمضايقات، والشح في التمويل وتوفير العتاد، والإقصاء من المناصب الإدارية والقيادية المهمة داخل "الحشد"، بسبب عدم انسجام توجهاته السياسية مع "الفصائل الولائية" التي توالي إيران، وهو تهميش عانت منه التشكيلات التي تعرف بـ"حشد المرجعية"، والتي رفضت القتال خارج الأراضي العراقية، أو الانصياع لأوامر قادة "الحرس الثوري" الإيراني.
يذكر أن التنظيمات المسلحة التي تدين بالولاء للسيستاتي، هي: لواء أنصار المرجعية، وفرقة العباس القتالية، وفرقة الإمام علي القتالية، ولواء علي الأكبر.
وقد وضعت نفسها عام 2020 تحت إمرة "القائد الأعلى للقوات المسلحة العراقية"، لتنفصل إدارياً عن "الحشد الشعبي"، لرغبتها أولاً في أن يكون قرارها عراقياً صرفاً لا علاقة له بالتموضع ضمن محور إقليمي محدد، وثانياً تنفيذاً لـ"فتوى" السيستاني، حيث صرح في ديسمبر 2020، آمر "لواء علي الأكبر"، اللواء علي الحمداني، أن "الجميع لبى فتوى السيستاني، لكن لم يكن الجميع ملتزمًا بها"، مضيفاً "نحن حاضنة الفتوى ومن التزم بها وطبّقها، فهناك من سعى إلى مكاسب حزبية وسياسية وما شابه ذلك".
انتقادات الياسري
ولا شك أن هذه الخلفية التاريخية السابقة، مهمة لفهم السبب الذي دفع الياسري إلى الحديث الناقد ضد الفصائل الموالية لإيران.
فهو يعي تماماً عواقب ما تحدث به، وقد أراد إيصال رسالة "قاسية جداً وواضحة" إلى قادة الأحزاب والفصائل "الولائية"، أنه رغم ما تعرض له "حشد المرجعية" من تهميش وتضييق فإنه لن يغير موقفه، ولن تكون لـ"الحرس الثوري" سلطة عليه، وسيكون قراره عراقياً.
من هنا، وصف الخزعلي الياسري بأنه من "القوميين المعممين الذين يريدون الاستئثار بالوطنية لتمرير مشاريعهم".
إذ التمايز واضح بين مشروعين: عراقي يؤمن بأن المصلحة الوطنية مقدمة على الشعارات الأممية، وآخر ثوريٌ لا يؤمن بالحدود ويعتقد أنه يجب العمل على تشكيل محور مقاومٍ مترابط الأوصال!
هذا التباين، ليس بالتفصيل الصغير، بل من عمق رؤية فقهية مختلفة بين المرشد الإيراني علي خامنئي والسيستاني، فلكل واحد منهما رؤية فقهية وثقافية وسياسية مختلفة.
الحملة المضادة
يشار إلى أنه ما إن تحدث الياسري حتى توالت الردود عليه من أنصار الميليشيات المسلحة الموالية لإيران. حتى إن البعض روج بأنه تم سحب اعتماديته، وهو أمرٌ نفته مصادرُ عراقية لـ"العربية.نت"، مؤكدة أن "الياسري يحظى باحترام وتقدير للتضحيات التي قدمها".
كما قالت المصادرُ ذاتها إن "هنالك نقاشا داخل الشارع النجفي حول تصريحات الياسري، التي هي وإن جاءت تعبيراتها قاسية في بعضها إلا أن مضمون حديثه ينسجم مع توجهات مرجعية النجف التي تؤمن بأن ولاء العراقيين يجب أن يكون للعراق وحسب".
أما عن موقف مكتب السيستاني، فأكدت المصادر "أن مرجعية السيستاني لا تتدخل في هكذا مواضيع، ولا تكون طرفاً في خصومات؛ وهي بالتأكيد تختلف في لغتها التي تستخدمها عن اللغة التي تحدث بها الياسري، إلا أنها تؤمن بمضمون خطابه فيما يتعلق بأهمية الولاء للوطن، وترفض أن تكون هنالك أوامر من خارج العراق يأتمر بها السياسيون أو المقاتلون في الحشد الشعبي".
يبقى أن غضب قيس الخزعلي وقادة الفصائل المسلحة من حديث حميد الياسري، واجهه قبول لدى شريحة واسعة من العراقيين، خصوصاً "الشارع المدني" وشباب "تشرين"، وأيضاً شريحة وازنة من علماء الدين الكلاسيكيين الذين لا يؤمنون بـ"ولاية الفقيه".
العربية