أصبحت التحذيرات الدولية الموجهة إلى المسؤولين اللبنانيين متنوعة. ولم تعد تقتصر فقط على تطورات الوضع في الجنوب. ولا شك أن أي تصاعد لمسارات الحرب في الجنوب سيكون له انعكاساته السياسية الداخلية، على وقع الانقسام القائم، بين من يرفض هذه المواجهة أو جعل لبنان جبهة مساندة وينتقدها، ويرفع سقفه السياسي اعتراضاً عليها، وبين من يؤيدها ويتمسك بها وفق ما ورد في "المدن".
حتماً، في حال تصاعدت وتيرة العمليات في الجنوب فإن وتيرة الانقسام الداخلي ستتزايد. وإلى جانب هذا التخوف الذي يبقى قائماً، برزت اختراقات أمنية متتالية ومتعددة للساحة الداخلية، كان آخرها خطف منسق القوات في جبيل باسكال سليمان وقتله، وخطف الصرّاف محمد سرور وقتله أيضاً.
رسائل التحذير
تتداخل الوقائع الأمنية الداخلية بالوقائع العسكرية الحدودية، على وقع انقسام كبير ينذر بمخاطر كثيرة، عبّر عنها أيضاً رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، في كلمته خلال تأبين باسكال سليمان، مؤكداً رداً على التساؤلات حول المرحلة المقبلة أنه "وقت الخطر قوات"، في إشارة واضحة لرفض الرضوخ أو التراجع والاستمرار بالمواجهة السياسية.. وصولاً إلى إشارته الواضحة حول الإصرار على الخروج من حال السيطرة على الدولة بوهج السلاح غير الشرعي. وهو كلام له الكثير من التداعيات إن استمرت الصراعات من دون القدرة على الوصول إلى تسوية تعيد الحفاظ على ما تبقى من هيكل الدولة.
في ظل هذا التضارب في الرؤى والتوجهات، تتجدد رسائل التحذير من بعض الدول لمواطنيها من السفر إلى الشرق الأوسط، ولا سيما إسرائيل ولبنان. وهذه التحذيرات صدرت عن الخارجيتين الروسية والفرنسية، مع ما يحمله ذلك من احتمالات تصعيدية قد يقبل عليها لبنان، ربطاً بالردّ الإيراني على الاستهداف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق، أو ربما قد تتجاوز المواجهات في لبنان مسألة الردّ الإيراني، وتبقى مستمرة على وتيرتها التصاعدية في ظل التهديدات الإسرائيلية المستمرة، والتي تشير إلى تحضيرات لتوسيع نطاق العمليات العسكرية أو الأمنية، والانتقال إلى مرحلة جديدة من الضربات أو المناطق المستهدفة.
الانكشاف الأمني
في هذا السياق، لا يمكن إغفال حالة الانكشاف الأمني التي يعيشها لبنان، خصوصاً بعد اغتيال الصراف محمد سرور بتهمة تعامله مع حركة حماس وحزب الله والحرس الثوري الإيراني. وهذا يفتح باباً جديداً أمام النشاط الاستخباري الإسرائيلي في لبنان. لا سيما أن سرور قد خضع لتحقيق عنيف للحصول منه على آلية عمله والأشخاص الذين يتعامل معهم داخل لبنان وخارج لبنان. وهذا يعني ضرب إسرائيلي لخطوط الإمداد المالي لحركة حماس أو من يقدم أي خدمة أو مساعدة للحركة. هذا الأمر يمكن أن يتكرر في المراحل المقبلة، طالما أن لبنان غير قادر على تحصين نفسه لا أمنياً ولا عسكرياً ولا سياسياً.
لا يزال لبنان غارقاً في هذه الدوامة، لا قدرة لديه بحكم الأمر الواقع إلا انتظار مآلات الحرب على غزة، ولحظة توقفها، لمعاودة استئناف النشاط الديبلوماسي، للبحث عن حلّ سياسي للأزمة المتفجرة على الحدود الجنوبية.
التسابق الفرنسي الأميركي
في هذا السياق، لا يزال التسابق الفرنسي الأميركي قائماً، إلى جانب استمرار التواصل والتنسيق في الوقت نفسه، من خلال اللقاء بين المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين، والمبعوث الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان. الفرنسيون يعتبرون أن الأميركيين يجمدون كل عملهم بانتظار وقف الحرب في غزة. وهذا ينطوي على مخاطر كبيرة قد تؤدي إلى تصعيد كبير في لبنان.
يسعى الفرنسيون إلى اقناع اللبنانيين بتبني خيار ورقتهم التي جرى تقديمها، لا سيما أن باريس تؤكد تبلغها موقفاً إيجابياً لبنانياً حيال النقاط التي عرضتها، ولكنها لا تزال تضع هذا الجواب في خانة الرد الديبلوماسي من دون أي فعالية أو تطبيق فعلي، طالما أن المواجهات مستمرة.
هنا، تشير مصادر متابعة إلى أن لا أحد يريد تسليف الفرنسيين هذا الدور، لا في لبنان ولا في أميركا وفق "المدن".