بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على اندلاع المواجهات بين "حزب الله" وإسرائيل، يبدو الحزب عاجزاً عن اكتشاف نقاط ضعفه التي تستغلها تل أبيب لاغتيال قادته في مقارهم ومنازلهم وسياراتهم، إذ كان لافتاً منذ بداية تلك الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 اعتماد إسرائيل على الحرب الأمنية والاستخباراتية على عكس مجريات حرب تموز 2006 التي اعتمدت على أسلوب القوة الساحقة، وارتكزت على التدمير الشامل للبنى التحتية العسكرية والمدنية على حد سواء.
كيف يمكن تفسير الاستهداف المتكرر لقيادات من "حزب الله"؟
تطرح تلك الاستهدافات علامات استفهام في شأن الوسائل التي تمكن إسرائيل من ضرب أهدافها، وما إن كان ذلك مرتبطاً بقدراتها التقنية، أم بثغرات أمنية في صفوف "حزب الله" أدت إلى انكشاف هيكليته التنظيمية، وهي تعد سرية ولا يعرفها سوى دائرة صغيرة في قيادة الحزب.
وشملت عمليات الاغتيال أيضاً قادة ميدانيين من الفصائل الفلسطينية استهدفوا بطائرات مسيرة أثناء توجههم إلى مناطق حدودية لشن هجمات ضد إسرائيل، مما زاد الشكوك حول وجود عملاء واختراقات إسرائيلية لتلك التنظيمات.
وفي هذا السياق أعلنت فصائل فلسطينية أنها ألقت القبض على عملاء بعد عملية اغتيال عضو "كتائب القسام" هادي مصطفى بعد أن قامت بمتابعة ميدانية حثيثة وعملية رصد مستمرة، إذ تبين لها ضلوع شابين لا تتجاوز أعمارهما 16 أو 17 سنة عبر وضع جهاز تعقب في السيارة المستهدفة، وقالت إنهما اعترفا أن شخصاً طلب منهما وضع الجهاز، ويقوم بتشغيلهما من منطقة قريبة من صور، وجرى تسليمهم جميعاً إلى الأجهزة اللبنانية، إلا أنه بعد التوسع بالتحقيق تبين أنهما بريئين من التهم التي وجهت إليهما.
لماذا فشل الحزب في اكتشاف نقاط ضعفه استخباراتياً؟
ومنذ اندلاع النزاع اتهم "حزب الله" بالعمالة العمال والنازحين السوريين الذين لم يغادروا الجنوب وعمل لاحقاً على إبعاد عدد كبير منهم، خوفاً من أن يكون بعضهم تم تجنيده من قبل إسرائيل لتحديد مواقع وإعطاء إحداثيات، علماً أن معظم السوريين كانوا يبررون بقاءهم حينها بأنهم يعيشون من عملهم في قطاع الزراعة وقطاف مواسم الزيتون.
ووفق مصدر أمني لبناني فإن من الصعب معرفة إذا كان سبب نجاح إسرائيل بتعقب القادة الميدانيين لـ"حزب الله" والفصائل الفلسطينية ناتج من اختراقات تقنية أو عملاء في محيطهم أو ربما في صفوفهم، إلا أنه استبعد فرضية تأثير عملاء غير منظمين في صفوفهم، إذ في رأيه المعلومات التي تسهل الاغتيال هي في غاية السرية والدقة ولا يستطيع معرفتها إلا قلة قليلة وهي في دائرة القرار. وأشار إلى أن المستهدفين يتخذون إجراءات حماية من التعقب ولا يحملون هواتفهم أثناء التنقلات، وأنه على الأرجح، يموهون في تنقلاتهم، وعلى رغم ذلك يتم استهدافهم، وهو أمر لا يمكن تفسيره سوى بوجود عملاء لإسرائيل على مستوى قيادي أو الاختراق، والتعقب يتم عبر تكنولوجيا لا تزال غامضة ولا تزال قيد الاختبار والتجربة على نطاق ضيق.
تحقيق داخلي وتكنولوجيا معقدة
وبحسب المعلومات فإنه منذ أشهر يجري "حزب الله" تحقيقات داخلية وغير معلنة للتأكد من عدم وجود اختراقات لصفوفه، لا سيما أن هذه المعطيات أربكت الحزب داخلياً وجعلت عناصره يتخوفون من بعضهم بعضاً، إلا أن بعض المقربين من الحزب ينفي نفياً قاطعاً هذه المعلومات مستندين إلى الحرب الأمنية الإقليمية التي طاولت أيضاً قيادات من الحرس الثوري الإيراني في سوريا.
وكان الكاتب السياسي قاسم قصير قد كشف سابقاً عن إعادة تقييم شاملة يجريها الحزب حول مجريات المعارك وضمنها تفاعل المواطنين تجاهها، ولا سيما البيئة الشيعية، إضافة إلى نقاط الضعف التي تواجهه، ومنها الاغتيالات التي يتعرض لها قادته، علماً أن الأمين العام للحزب حسن نصرالله نفى في إحدى إطلالاته وجود اختراقات إسرائيلية للهيكلية العسكرية، معتبراً أن إسرائيل تلاحق عناصر حزبه عبر اختراق هواتفهم، داعياً إلى تجنب استخدامها.
اغتيال القادة في محور المقاومة
وأشار المتخصص في الشؤون العسكرية الاستراتيجية العميد المتقاعد خليل الحلو إلى أن اغتيال القادة العسكريين هو هدف دائم للمتحاربين، معتبراً أن إسرائيل تستهدف القادة الميدانيين لإضعاف القدرات العسكرية للحزب "وفي المقابل لو سنحت الفرصة لـ(حزب الله) لكان أيضاً استهدف قادة إسرائيليين"، وفي رأيه "تمكنت إسرائيل من تحديد مكان المستهدفين عبر مراقبتهم منذ مدة، وليس ضرورياً أن يكون ذلك نتيجة خرق داخلي لصفوف الحزب"، مضيفاً أن "الإمكانات الأمنية الإسرائيلية متقدمة جداً، وتشمل الوسائل الإلكترونية المتطورة والطائرات المسيرة والطيران الاستطلاعي والأقمار الاصطناعية وأجهزة الرصد"، ومشيراً إلى أن إسرائيل تبيع تلك التقنيات إلى دول عدة، كالهند وألمانيا، من دون أن ينفي ذلك وجود مخبرين لها على الأرض.
إختراق "حزب الله" والفصائل
في المقابل اعتبر رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة العميد المتقاعد هشام جابر أن "لجوء إسرائيل إلى عمليات الاغتيال كان متوقعاً نتيجة فشلها في حرب غزة"، مشيراً إلى أن عملية الاغتيال تبدأ بمراقبة الشخص المستهدف بواسطة أجهزة متطورة وعملاء على الأرض، مؤكداً أن "اختراق (حزب الله) من قبل العملاء ليس كبيراً، بل ضمن الحدود الطبيعية"، وفي رأيه "بكل تأكيد هناك عملاء، لكن في الوقت ذاته، بات تحديد مكان أي شخص متاحاً للجميع، من خلال الهواتف وشرائح خاصة، وأن تحديد الهدف واستهدافه لا يستغرق سوى نصف ساعة"، موضحاً أنه في تسعينيات القرن الماضي اغتيل الأمين العام السابق لـ"حزب الله" عباس الموسوي بواسطة طائرة حربية، لكن اليوم تلعب الطائرات المسيرة هذا الدور، إذ تعد أسهل وسيلة لإنجاز هذه المهمة.
الفقر والبطالة ساهما في توظيف العملاء
من جانبه، أشار الرئيس التنفيذي لـ"مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري والأمني" رياض قهوجي إلى أنه في الحروب تحاول الجيوش تقوية قدراتها الاستخباراتية في صفوف الطرف المستهدف، لافتاً إلى أن النجاحات المتكررة باستهداف قياديين من "حزب الله" أو "حماس" ومعرفة طريقة وأوقات تنقلهم وتحديد مواقع تخزين أسلحة، تحتاج إلى عمل استخباراتي متطور من خلال عملاء موجودين على الأرض. وفي رأيه "الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان وانتشار الفقر والبطالة حول بعض المواطنين إلى بيئة عملاء بسبب الفقر والبطالة والعوز، وحيث يوجد أشخاص يكونون خارج منظومة الحياة اليومية ويشعرون بنقص واضطهاد وتمييز، لذلك يتلقفون أي فرصة لجني الأموال".
اندبندنت عربية