خلال يومين فقط، تمكنت ألمانيا من القبض على أربعة أشخاص متهمين بالتجسس لصالح جمهورية الصين الشعبية. وبينما نفت بكين هذه التهم ورفضت وضع سفارتها ببرلين بدائرة الاتهام، تحدثت السلطات الألمانية عن قيام هؤلاء الجواسيس بنقل معلومات حول تكنولوجيا عسكرية بحرية والتجسس على معارضين صينيين وأعمال البرلمان الأوروبي.
وتعيد هذه القضية للأذهان واحدة من أشهر وأغرب عمليات التجسس التي قادتها الصين بالسابق ضد فرنسا. فاعتمادا على رجل متنكر بزي امرأة، تمكنت بكين بالقرن الماضي من الحصول على معلومات حساسة عبر دبلوماسي فرنسي عمل بسفارة بلاده بالصين الشعبية.
يعد شي بي بو (Shi Pei Pu)، المولود يوم 21 كانون الأول/ديسمبر 1938 بإقليم شاندونغ (Shandong) الصيني، واحدا من أغرب الجواسيس على مر التاريخ. فخلال مسيرته التجسسية، تظاهر الأخير بكونه امرأة عملت كمنشدة بأوبرا بكين. وبفضل إلمامه بالأدب وإتقانه للغة الفرنسية، عمل الأخير، وهو متنكر بزي امرأة، كمدرس لأبناء القائم بأعمال السفارة الفرنسية ببكين.
وعام 1964، التقى شي بي بو بالدبلوماسي الفرنسي برنارد بوريسكو (Bernard Boursicot)، البالغ من العمر 20 سنة، الذي عمل كمحاسب لصالح السفارة الفرنسية ببكين. وخلال هذا اللقاء، أوهم شي بي بو الدبلوماسي الفرنسي بكونه امرأة وارتبط معه بعلاقة عاطفية. وخلال تلك الفترة، تواجد جهاز المخابرات العسكرية الصينية كينغباو (Qingbao) على الخط حيث راقب أفراده عن كثب الدبلوماسي الفرنسي باحثين عن ثغرة لإجباره على تقديم معلومات ووثائق حساسة حول الأنشطة الفرنسية.
وعقب نقل الدبلوماسي ضمن تحويرات في وزارة الخارجية الفرنسية، اتصل شي بي بو بالدبلوماسي الفرنسي برنارد بوريسكو ليخبره بولادة طفل من علاقتهما. إلى ذلك، كان هذا الطفل، المدعو شي دودو (Shi Dudu) طفلا يتيما حصل عليه شي بي بو، بمساعدة جهاز المخابرات العسكرية، لمواصلة تنفيذ خطته.
وأملا في الحفاظ على علاقته بشي بي بو، الذي أوهمه بكونه امرأة، وابنه المزعوم، اتجه برنارد بوريسكو لتزويد المسؤول بالمخابرات الصينية كانغ تشينغ (Kang Sheng) بوثائق حساسة حول أنشطة السفارة الفرنسية ببكين.
مع عودته لباريس للاستقرار بها رفقة شي بي بو وابنه المزعوم، اعتقل برنارد بوريسكو، رفقة شي بو بي، يوم 30 حزيران/يونيو 1983 من قبل أفراد المخابرات الفرنسية الذين كشفوا حقيقة ما يحصل. وأثناء التحقيقات، تبين أن شي بي بو قد أجرى جميع علاقاته الجنسية مع برنارد بوريسكو بالظلام ليتمكن بذلك من إخفاء حقيقة جنسه. ومع سماعه بالأمر، حاول برنارد بوريسكو وضع حد لحياته داخل زنزانته.
وفي الأثناء، جاءت هذه القضية لتثير فضيحة دبلوماسية هزت أركان وزارة الخارجية الفرنسية حيث تناقلت وسائل الإعلام العالمية وقائع هذه الفضيحة.
بحلول شهر أيار/مايو 1986، أصدرت المحكمة الفرنسية، عقب نهاية التحقيقات، قرارها بسجن كل من برنارد بوريسكو، المتهم بالخيانة وتسريب معلومات لدولة أجنبية، وشي بي بو لمدة 6 سنوات. إلى ذلك، أصدر الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران (François Mitterrand) عفوا عن شي بي بو بحلول العام 1987 ليظل الأخير بذلك بباريس، تحت رقابة مشددة، لحين وفاته عام 2009.