يُتداول في إيران، نص عقد يشير الى امكانية الحصول على تعويضات من العراق لضحايا الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت 8 سنوات؛ وهو عقد ليس بين الشعب والمؤسسات الرسمية في الدولة، بل لدى شركة يقال إنها أهلية.
وقد أثارت هذه العملية التساؤل في مواقع التواصل الاجتماعي وبين الأوساط الشعبية حول إمكانية إيران فعلاً الحصول على التعويض، وعندما يتعلق الأمر بتعويضات الحرب، فما هو الرقم الذي يتحدثون عنه؟
جردة حساب حربية
و"خلال 2888 يوماً من الحرب المفروضة من قبل النظام العراقي بقيادة صدام حسين ضد إيران، فإن قرابة 200 ألف شخص إيراني قتلوا الهجمات الجوية والصاروخية للجيش العراقي على إيران، ثلاثة أرباعهم من الشباب دون 25 عاماً من العمر والذين كانوا يعدون الجيل المنتج للنسل في إيران، بالإضافة الى ذلك فإن قرابة 320 الف ايراني أغلبهم من القوات المسلحة أو الناس العاديين اصبحوا من المحاربين القدامى المعاقين من بينهم قرابة 130 ألفا من الذين تعرضوا للسلاح الكيمياوي". هذه الأرقام أوردتها شبكة "تابناك" الإيرانية.
هذه الحرب دفعت بالبلدين إلى وقوع إصابات وإعاقات لعدد كبير من المقاتلين والناس العاديين في ساحات القتال أو نتيجة الهجمات، كل هذا ليس سوى جزء صغير من الأبعاد الإنسانية لثماني سنوات من الحرب بين الجارين.
وفي تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة حول حالة إعادة إعمار الحرب في إيران عام 1991، والذي تم تقديمه إلى مجلس الأمن الدولي في مناسبتين، قيل إن العراق قام بتدمير واسع النطاق على الأراضي الإيرانية وبلغت الأضرار غير المباشرة 97 مليار دولار، بحسب تقديرات الحكومة الإيرانية.
وفي جردة حساب لخبراء فإنه حتى لو تم دفع مبلغ 97 مليار دولار فقط الذي ورد في تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، فإنه الآن وبعد 36 عاماً، يجب دفع تعويضات تصل إلى 242 مليار دولار لإيران، "واذا فرضنا صدور قرار أو تصويت لصالح إيران، ووافق العراق أيضاً على دفع التعويضات وبدأ هذه العملية؛ في هذه الحالة، ما هو الرقم الذي نتحدث عنه"؟
تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 18 (1991) إلى مجلس الأمن، رغم أن الفقرة 6 من القرار 598 كان لصالح طهران، كما قال كمال خرازي وزير خارجية إيران الأسبق: ". .. مجلس الأمن لم يكن لديه أي رد فعل تجاه تقرير الأمين العام وكان من الطبيعي في الجو السياسي في ذلك الوقت أنهم لا يريدون أن يفعلوا أي شيء ضد العراق ولصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ ولم يتخذ مجلس الأمن أي إجراء بشأن هذه القضية.
ملف التعويضات ومجلس الأمن
وقال سفير إيران السابق لدى الأمم المتحدة، آنذاك ورئيس طاقم قبول القرار 598، علي خرم عن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك: "لقد تم تسجيل هذا التقرير في مجلس الأمن، ومجلس الأمن لم يكن له موقف حاسم بالقبول او الرفض" وكان بإمكانه أن يتحرك ويصدر قراراً، لكن ذلك كان يتطلب علاقة جيدة بين إيران والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
في هذا الصدد، ناقش محمد جواد ظريف، وزير خارجية الحكومتين الحادية عشرة والثانية عشرة لإيران، القرار 598 في محادثة عبر تطبيق "كلوب هاوس" وقال: إن إدانة العراق لبدء الحرب كانت إنجازا للجمهورية الإسلامية في القرار 598. لقد تمكنت الكويت من الحصول على تعويض من العراق، لكن لم يكن هناك بند في القرار 598 يتعلق بتعويضنا من العراق.
من جهة أخرى، قال إيرج همتي، الكاتب والباحث في مجال الحرب، حول تلقي تعويضات من العراق: إن "المسؤولين السياسيين والدبلوماسيين في البلاد، من الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني إلى وزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي، وكذلك وزير الخارجية ايضا كمال خرازي، سفير إيران لدى الأمم المتحدة آنذاك، وخليفته محمد جواد ظريف، لم يصرحوا بأي شيء عن أي نص مكتوب أو خطاب أو محادثة تظهر أنهم يأملون في تطبيق الفقرة 6 من القرار ذات صلة بمسألة التعويضات. ومن بين هؤلاء، قال خرازي بوضوح في مقابلة أجريت معه إنه بموجب القرار 598، لا يمكن الحصول على تعويضات من العراق.
ما هي طرق الحصول على التعويض؟
ومن مطالب إيران التي أدت إلى إطالة أمد وقف إطلاق النار كان دفع تعويضات الحرب من قبل نظام صدام حسين، لكن الأخير لم يمتثل لهذا الطلب. وأخيرا، في القرار 598 المفروض، لم يؤخذ في الاعتبار النص المتعلق بدفع تعويضات الحرب من قبل العراق، واكتفى في الفقرة 6 من هذا القرار بتعيين الجهة المسؤولة عن الصراع من قبل الأمين العام وإحالته الى مجلس الامن. وقد تم رفع النتيجة إلى مجلس الأمن الدولي، وفي الفقرة السابعة تم التأكيد على جسامة الأضرار والحاجة إلى إعادة الإعمار دون الإشارة إلى دور العراق في توفير تكاليف إعادة الإعمار ودفع الأضرار.
وبموجب هذا القرار، اقر تقرير للأمم المتحدة باعتبار العراق البادئ بالحرب ومنتهكاً لحقوق الإنسان، ووضعت مسؤولية الحرب على العراق؛ لكن كما هو واضح، لا يوجد أي ذكر لتعويضات الحرب.
في مقابل هذا، ورد في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 687، الذي صدر في 26 آذار /مارس1991، بعد هجوم جيش العراقي السابق على الكويت، مسألة التعويضات. وفي مقابلة خاصة مع إذاعة صوت أمريكا، يقول خبير القانون الدولي والأستاذ الجامعي سعيد محمودي، إنه للحصول على التعويض "يجب تحديد المعتدي رسميا". وفي حالة الحرب العراقية الإيرانية، فإن مجلس الأمن لم يفعل ذلك.
وفي السنوات الأخيرة، كلما لوحظ موقف معين للحكومة العراقية، ذكر بعض المسؤولين الإيرانيين ضرورة الحصول على تعويضات؛ لكن هذا الأمر سرعان ما يتم نسيانه، وليس من الواضح ما إذا كانت هذه الفكرة هي شعارات دعائية لهذه الشخصيات أم أنها قضية جدية.
رأي حكومي
وتعليقاً على ما تقدم، يقول دبلوماسيون عراقيون سابقون وحاليون: "يجب أن نرى إذا كان هناك مثل هذا الاستنتاج السياسي بشكل أساسي داخل الدولة الإيرانية، لأن السعي وراء مثل هذا المطلب يمكن أن يؤجج الحساسيات القومية في العراق، كما أن حلفاء إيران في العراق سيكونون تحت ضغط كبير لدرجة أن المناهضين لإيران سوف يصعّدون المد القومي، حيث يمكن لمتطرف أن يسيطر على شؤون العراق السياسية، بل ويشهد جولة جديدة من السلوك العدائي من دولة تربطها الآن علاقات ودية مع إيران. لذلك، وبالنظر إلى أنه من المستبعد جداً أن توافق الحكومة العراقية طوعاً على دفع تعويضات عن الحرب المفروضة، فإن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو محكمة العدل الدولية الشهيرة في لاهاي. وهو طريق معقد وطويل سيستغرق سنوات عديدة حتى لو أتى بثماره".
وبهذا الشأن يرى خبراء قانونيون تعقيباً على الملف، إن "التعقيدات القانونية لمثل هذه القضية، مثل تحديد مسألة "هل الأضرار خلال الفترة التي تلت دخول إيران إلى العراق تشمل أيضا فترة التعويض؟" وستكون هذه واحدة من القضايا التي ستؤخر هذه القضية لفترة طويلة. إضافة إلى ذلك، فحتى إصدار قرار لصالح إيران في الجهات الدولية وتحديد مبلغ التعويضات ليس نهاية الطريق، لأنه إذا لم تمتلك الحكومة العراقية الإرادة السياسية لتنفيذ القرار فلن يتم تنفيذه".
علاوة على ذلك، يقول القانونيون: فإن العديد من القرارات الصادرة عن لاهاي لم يتم تنفيذها وبقيت حبراً على الورق لعقود من الزمن بسبب غياب الإرادة السياسية لدى الطرف المُدان".
ويضيفون: "بالنظر إلى الأجواء الحالية التي تعيشها الساحة الدولية، فإن مسار تبني مجلس الأمن قرارا بتعويض هذه الأضرار ليس سلسا، استنادا إلى تقرير فريق الخبراء التابع للأمين العام السابق للأمم المتحدة فإن صدور قرار يلزم العراق بـ دفع أضرار الهجوم على إيران، أمر مستبعد للغاية على الأقل في هذه المرحلة، او حتى في المستقبل القريب".