بعد عدة تقارير إعلامية ومعلومات أفادت بأن طهران متخوفة من وجود اختراقات في أجهزة الأمن السورية ساعدت إسرائيل على اغتيال نخبة جنرالات الحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك الغارة على مبنى ملحق بالسفارة الإيرانية في دمشق والتي أودت بحياة قائد الحرس الثوري في سوريا ولبنان اللواء محمد رضا زاهدي ومعاونيه، كشف مصدر في "فيلق القدس"، أن أجهزة أمنية سورية سلّمت أخيراً لطهران معلومات تفيد بأن التسريبات التي ساعدت على اغتيال زاهدي جاءت من عناصر إيرانية داخل سفارة طهران في دمشق.
وأفاد المصدر، الذي كان مقرباً جداً من زاهدي، لـ"الجريدة"، بإن "هدف زيارة الأخير لسوريا، كان أن يتسلّم شخصياً، ملفاً سرياً للغاية، من عناصر كان قد اختارهم بنفسه للتحقيق في عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني بغارة أميركية في عام 2020، والاغتيالات التي استهدفت قادة آخرين في الحرس الثوري في المنطقة".
وأضاف المصدر أنه كان من الممكن أن يؤدي الكشف عن هذا الملف إلى إسقاط العديد من كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين في إيران، لدرجة أن زاهدي قرر مخالفة أوامر الأطباء بعدم السفر بسبب وضعه الصحي، لتسلّم الملف بيديه، وتسليمه عند عودته للمرشد علي خامنئي. وذكر أن زاهدي طلب من القنصل الإيراني في دمشق والدبلوماسيين في السفارة إخلاء المبنى، كي لا يتم الكشف عن العناصر المتعاونة معه أو المعلومات التي حصلوا عليها نظراً لسريتها وخطورتها، حتى أنه طلب من السفير الإيراني لدى دمشق ألا يحضر إلى محل إقامته في الطابق العلوي للمبنى، قبل انتهاء الاجتماع".
وتابع أنه "علاوة عن ذلك، طلب زاهدي من بعض عناصر الحرس الموثوقين والموالين له، حراسة ومراقبة المبنى لمنع دخول أي أشخاص خلال الاجتماع، لافتاً إلى أن أحد هؤلاء العناصر الذي نجا من الهجوم الإسرائيلي نقل إليه الكثير من هذه التفاصيل. وأشار إلى أنه منذ اليوم الأول لاغتيال قاسم سليماني كان هناك شكوك في تورط أطراف داخلية نافذة فيها، خصوصاً أن شعبية سليماني كانت وصلت إلى ذروتها وغطت على كبار قادة الحرس، وكان هناك احتمال كبير أن يترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وهذا ما كان من شأنه أن يخلط الأوراق بالنسبة لبعض السياسيين والعسكريين الأساسيين في نظام الجمهورية الإسلامية".
وأوضح المصدر، أن "جهاز أمن "فيلق القدس" كان قد حصل على تسريبات صوتية تؤكد أن وزير الخارجية الوسطي السابق محمد جواد ظريف بالنيابة عن الرئيس الوسطي السابق حسن روحاني، والسفير الإيراني السابق في فرنسا صادق خرازي، شقيق زوجة خامنئي، والمحسوب على الإصلاحيين بالنيابة عن الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، كانا قد اجتمعا مع سليماني قبل بضعة أيام من اغتياله في منزل خرازي، وطرحا عليه الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية، ووعدوه بأنه سيحصل على دعم واسع من الإصلاحيين والوسطيين في الانتخابات، وأن خاتمي وروحاني على استعداد أن يقفا خلفه".
وذكر أنه "حسب هذه التسريبات الصوتية، فإن خرازي وظريف، وهما من أصدقاء سليماني الوثيقين، أكدا لقائد فيلق القدس الراحل أن الأصوليين المتطرفين يسعون إلى الاستئثار بالسلطة بعد انتهاء ولاية روحاني، وأن مجلس صيانة الدستور سيقصي جميع المرشحين الأقوياء في التيار الإصلاحي والوسطي، وبناء على ذلك فإن ترشح سليماني، الذي لا يتجرأ أحد على إقصائه، يمكن أن ينقذ البلد مما هو مقبل عليه، ويحافظ على التوازن داخل تركيبة النظام".
وأضاف المصدر أنه "حسب التسريبات نفسها، فقد رفض سليماني الترشح وشدد على أن دوره الميداني أهم بكثير لخدمة النظام وأن يتولى إدارة ملفات لا يمكن لأحد أن يتابعها، لكن ظريف وخرازي جادلاه بأن الخطر الداخلي أقوى بكثير من الخطر الخارجي، وأن سيطرة المتطرفين على الحكم، لن تؤدي فقط إلى إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، بل يمكن أن تؤدي إلى انهيار البلاد بشكل كامل وتفككها وإدخالها في حرب داخلية، وهو ما يعني أن كل جهود سليماني الخارجية ستذهب هباء".
وقال إنه "بعد ذلك أبدى سليماني بعض المرونة وأبلغ ظريف وخرازي أنه ذاهب إلى العراق لبحث موضوع يتعلق بخفض التوتر بين أنصار إيران والولايات المتحدة بناءً على طلب رئيس الوزراء العراقي، وسيفكر أكثر في الموضوع، وبعد عودته يبلغهما قراره، لكنه لم يعد من هذه الرحلة، إذ جرى اغتياله في مطار بغداد بمسيّرة أميركية".
وبيّن المصدر، أن "أجهزة الأمن الإيرانية كانت قد اعتقلت شاباً إيرانياً يدعى سيد محمود موسوي مجد، وكان مقيماً في سورية ويعمل لمصلحة الحرس الثوري، وكان يتمتع بموثوقية عالية لدى سليماني ويلازمه في كل أسفاره وينسق جميع رحلاته، وذلك بتهمة تسريب المعلومات للأميركيين عن تحركات سليماني. وذكر أن موسوي مجد أكد خلال التحقيقات معه أنه نسق المعلومات الضرورية عن تحركات سليماني فقط مع بعض مسؤولي الحرس الثوري وكبار المسؤولين الدبلوماسيين والأمنيين داخل سورية ولبنان والعراق لأسباب أمنية"، لافتاً إلى أنه "قد تم اغتيال جميع الذين كشف موسوي مجد عن أسمائهم في عمليات في سورية ولبنان والعراق واليمن، وأن موسوي مجد نفسه أُعدم في إيران بتهمة التجسس لمصلحة إسرائيل والولايات المتحدة".
وأوضح أنه "على الرغم من أن أجهزة فيلق القدس" كانت مصرّة على متابعة التحقيقات، فإن السلطة القضائية التي كان يرأسها إبراهيم رئيسي أمرت بإغلاق ملف التحقيقات الأمنية عن وجود تسريبات داخلية بحجة أن هذه التحقيقات ستحرف الجميع عن المتهم الرئيسي وهو الولايات المتحدة التي نفذت العملية".
وأشار المصدر، إلى أنه "في حينها تم تسليم الملف إلى مساعد رئيسي للشؤون الخارجية في السلطة القضائية علي باقري كني، وهو حالياً كبير المفاوضين النوويين ومساعد وزير الخارجية، لمتابعتها، وصدرت أوامر للجهاز القضائي العسكري بأن كل التحقيقات يجب أن تكون تحت إشراف باقري كني، وتم منع جميع الأجهزة الأمنية العسكرية من متابعة أي ملف دون التنسيق معه. وقال المصدر إن وزير الأمن السابق محمود علوي، بإيعاز من روحاني الذي كان رئيساً للجمهورية، أمر بفتح ملف سري للتحقيق في هذا الموضوع داخل وزارة الأمن، وكان ذلك أحد أسباب إقصائه من انتخابات مجلس خبراء القيادة".
الجريدة الكويتية