قد لا يعلم الكثير منكم أن همدان غرب إيران هي واحدة من أقدم المدن التاريخية في البلاد. فبمجرد زيارتكم إليها سترحب بكم أعداد لا حصر لها من المباني التاريخية والمزارات والأضرحة القديمة، ولعلّ أهم ما سيلفت أنظاركم هو مقام “أستير ومردخاي" الذي يقع في مركز مدينة همدان، ويستضيف يومياً اليهود من جميع أنحاء العالم وعلى وجه الخصوص يهود إيران، الذين يزورونه للتبرّك وتأدية فرائضهم الدينية.
سياحيا، جعلت هذه المباني أو إن صح القول هذا المقام من همدان قبلة سياحية ليهود العالم أو لمن يحبون أن يغوصوا في التاريخ وأحداثه، فهمدان اليوم تحظى بشعبية كبيرة ويزورها الآلاف من السياح سنويا، لكن المثير في الأمر أن “أستير ومُردخاي" ولعقود يستحوذ على النسبة الأكبر من هؤلاء الزوار.
أما سياسيا، ونظرا لأهمية هذا الجانب، أي السياسة، في الحياة اليومية للمواطن الإيراني وملازمته المفرطة له على شتى الأصعدة، في العمل والمنزل والسفر والمناسبات والطقوس الدينية والعادات الاجتماعية، فإن نزرا يسيرا من الإيرانيين المتشددين يعدون مقام أستير ومردخاي مكان يمثل إسرائيل أو بالأحرى قنصلية لها في إيران. إذ يشهد في غالبية الأحيان تجمعات احتجاجية تنديدا بعدوان الكيان الصهيوني على غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة. وخلال هذه التجمعات، عادة ما يحرق المتجمعون أعلامَ إسرائيل ويهتفون بشعارات ضدّها.
وغداة القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق في الثاني من نيسان/ أبريل الجاري، تعدّت أساليب احتجاج هؤلاء المحتجين حرق العلم والهتافات إلى إلقاء مواد حارقة في ساحة المقبرة، مما استدعى تدخل السلطات الأمنية في هذه المدينة، وقد وعدت بملاحقة كل من شارك في محاولة إحراق هذا المكان وإلحاق الضرر به، والقبض عليه.
وفي عام 2020، وقبل أيام من يوم القدس العالمي الذي يصادف في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان كلّ عام، انشغلت وسائل الإعلام الإيرانية والأجنبية حينها، بقضية تعرّض هذا الضريح اليهودي للحرق على أيدي مجهولين، إلا أن مدير دائرة التراث الثقافي في محافظة همدان وفي أول رد فعل رسمي من قبل السلطات الإيرانية من الحدث، قال إن “المبنى الخارجي لـ أستير ومردخاي تعرّض للحرق، لكن المقبرة لم تتضرر".
عن مقام أستير ومردخاي
يعتبر قبر “أسْتر"، وهي زوجة الملك الفارسي خَشايار شاه الأوّل، الملك الرابع في سلالة الأخمينيين، والذي حكم بين 485 و465 قبل الميلاد، برفقة ابن عمّها “مردخاي"، الموقع الأكثر أهمية لليهود في إيران. و"أستر" و"مردخاي" يعتبران من الشخصيات التاريخية المهمة في الذاكرة اليهودية، وتُعتبر مقبرتهما من أهم المزارات الدينية اليهودية في إيران والعالم. ويُقال بأن أستر هي من أقنعت الملك خشايار شاه، بالسّماح لليهود بالعيش بحرية في إيران في ذلك الوقت، أي نحو 500 عام قبل الميلاد.
لم يدعم سائر اليهود الروايات التاريخية حول مدفن أستير ومردخاي، إذ لا يظهر في أي من التلمودَين “البابلي" أو “المقدسي"، كما أن المصدر اليهودي الأول الذي أشار إلى هذا المقام، هو كتاب الرابي بنيامين التطيلي، الذي زار مدينة هَمدان عام 1067، وحسب ما يقول فقد عاش 50 ألف يهودي في همدان، حيث دُفنت أستير إلى جانب مردخاي أمام كنيس المدينة.
والمقام اليهودي هذا مصنوع من الحجر والطوب، والطراز المعماري المستخدَم في بنائه هو الطراز المعماري الإسلامي الذي يعود إلى القرن الهجري السابع، وقد بناه أرغون خان المغولي، ويوجد عند مدخل الباب الرئيسي لهذا الضريح باب صغير مصنوع من الحجر يُفتح ويُغلَق بواسطة مزلاج قديم.
يهود إيران
تشير التقديرات إلى أن عدد اليهود في إيران كان يبلغ ما يزيد عن 100 ألف شخص قبيل الإطاحة بشاه إيران محمد رضا بهلوي عام 1979 وحدوث الثورة الإسلامية في إيران. لكن مع اندلاع الثورة الإسلامية انخفض عدد اليهود إلى حوالى 15 ألف شخص بسبب الهجرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة والولايات المتحدة ودول أوروبية خلال السنوات الأخيرة.