هناك مؤشرات كثيرة على أن الدبلوماسية الأميركية عبرت إلى مرحلة جديدة من العمل لمواجهة إيران أو احتوائها، فالهجوم الإيراني الشهر الماضي على إسرائيل كان باباً واسعاً للأميركيين يعبرون منه إلى العمل مع الأوروبيين ومجموعة الدول الصناعية عامة.
"الخطر المتصاعد"
ويعرف الأميركيون القدرات الإيرانية، وهم تابعوا منذ أكثر من عقد تطوير إيران لقدراتها النووية والصاروخية، وعمل الأميركيون في مرحلة أولى على تنسيق عملهم مع الأوروبيين وروسيا والصين لمواجهة "الخطر المتصاعد"، ونجحوا في الملف النووي، لكن الأميركيين فشلوا في مراحل لاحقة في إقناع الأطراف الدوليين بضرورة متابعة الضغط على إيران، فإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قررت الانسحاب من الاتفاق النووي، ولم تتمكّن الولايات المتحدة في مراحل لاحقة، من تنظيم تعاون دولي لمواجهة البرنامج الصاروخي الإيراني، أو لجعل الأوروبيين يقبلون بالربط المباشر بين إيران والحرس الثوري والميليشيات الموالية لإيران والمنتشرة من العراق إلى سوريا إلى لبنان وفي اليمن.
نص بيان وزراء خارجية الدول الصناعية السبع منذ أسبوعين سيكون، ولأشهر طويلة وربما لسنوات، منعطفاً في هذا الموقف الدولي، فالمجموعة الأكبر اقتصادياً في العالم تطلب من إيران وقف مساعدتها لحركة حماس، وأن تتوقف عن اتخاذ خطوات تزعزع الاستقرار في المنطقة، بما في ذلك وقف دعم حزب الله وتنظيمات أخرى، أو إرسال أسلحة إلى الحوثيين، كما تتوعّد مجموعة الدول السبع إيران بفرض عقوبات وخطوات أخرى ردّاً على ما يزعزع الاستقرار.
وخلال الأشهر الماضية، عمدت الولايات المتحدة إلى مخاطبة إيران مباشرة وعبر الوسطاء، ودعت طهران إلى عدم التصعيد، كما طلبت واشنطن من طهران أن تسيطر على تصرفات الميليشيات التابعة لها، أكان حزب الله في لبنان، أو الميليشيات في سوريا والعراق التي كانت تهاجم الجنود الأميركيين، كما طلبت من طهران أن تقول للحوثيين في اليمن إن عليهم عدم مهاجمة السفن التجارية أو القوات العسكرية المبحرة في المياه الدولية.
ولم يستمع الإيرانيون إلى طلبات الأميركيين، وربما واجه الأميركيون الوقت الأصعب عندما طلبوا من الإيرانيين عدم شنّ الهجوم الصاروخي على إسرائيل، لكن إيران أصرّت على شنّ هذا الهجوم وكان من الممكن أن يكون كارثياً، ويفتح الباب أمام صراع مفتوح في منطقة الشرق الأوسط، في حين لا تريد إدارة بايدن أي حرب جديدة، ولا أي تصعيد، بل تسعى إلى استقرار وحوار مع الأطراف خصوصاً إيران.
ليست هناك معلومات محددة حول ما يريد الأميركيون من دول مجموعة السبع، لكن المتخصصين في شؤون إيران يعتبرون أن هناك سلسلة من العقوبات يجب فرضها ويقول بهنام بن طالب لو من معهد الدفاع عن الديمقراطية "إن الهدف الأقرب للاتحاد الأوروبي وبريطانيا هو فرض عقوبات على كامل الحرس الثوري الإيراني تحت بند مكافحة الإرهاب وأن تفرض عقوبات على خامنئي ورئيسي شخصياً تحت بند قوانين حقوق الإنسان أو ما هو معروف لدى الأميركيين بقانون ماغنتسكي".
ويدعو الخبير في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية ايضاً الى ان تعمل اوروبا مع واشنطن وتقلّص الهوة "وان تفرض عقوبات على كل منتجي الصواريخ والمسيرات ومشتريها، وكل من يساعد برنامج الهجوم الايراني البعيد المدى" ويشير بهنام بن طالب لو الى ان عليهم فرض عقوبات على أي مؤسسة او فرع مؤسسة او مؤسسة شقيقة تساعد ايران في مشروعها الصاروخي.
هذا الجزء المحدد من العقوبات، أي استهداف المصنّعين الذين يساعدون الايرانيين وكل من يرتبط بهم، سيكون ضخماً ومؤثّراً على برنامج التسلح الايراني، وربما يطال الاقتصاد الايراني ويكون له تأثيرات في الداخل بما يجبر الحكومة الايرانية على تغيير تصرفاتها.
خلال الاعداد لهذا التقرير، أكد وزير الخارجية البريطاني اللورد دايفيد كاميرون امام لجنة استماع لجنة الشؤون الخارجية في مجلس اللوردات البريطاني ان بريطانيا فرضت عقوبات على الحرس الثوري الايراني لكن كاميرون قاوم فكرة تصنيف الحرس الثوري ارهابياً وقال "عندما نسأل قوى تطبيق القانون والشرطة والاستخبارات وغيرهم هل ان الخطوة الاضافية ضرورية" فإن الجواب سلبي، حسب ما أورد كاميرون.
مديرا مكتب العربية والحدث في لندن، ريما مكتبي، وفي باريس حسين قنيبر يؤكدان بحسب مصادرهما ان الخطوات ستكون اوروبية، ويقول قنيبر من باريس إن الإتجاه حالياً هو "لفرض عقوبات أوروبية على إيران في مجالَيْ المُسيّرات والصواريخ، وهناك اتجاه لدى بعض الأوروبيين لتوسيع دائرة العقوبات في هذين المجالين لتشمل روسيا ودولاً متحالفة مع طهران ومعادية لإسرائيل في المنطقة".
الصعوبة الأكبر تبقى هي الصين التي ساعدت ايران خلال السنوات الماضية على التفلت من العقوبات الاميركية، ولا يبدو ان وزير الخارجية الاميركي نجح خلال زيارته الاخيرة الى هناك في جعل بكين تتخذ خطوات ملموسة للضغط على طهران بل انها استمعت أكثر لمطلب عدم التصعيد فهو من مصلحتها ايضاً، فيما تتابع بكين استيراد النفط الايراني بمعدّل مليون واربع مئة الف برميل يومياً.