دولي

كيف يحقّق الجيش الإسرائيلي مع نفسه عند ارتكاب مخالفات؟

كيف يحقّق الجيش الإسرائيلي مع نفسه عند ارتكاب مخالفات؟

سلّط تقرير أعدته الإذاعة الأميركية العامة "إن بي آر" الضوء ‏على الطريقة التي يجري بها الجيش الإسرائيلي التحقيقات ‏المتعلقة بارتكاب جنوده أي مخالفات محتملة ضد المدنيين.‏

وضرب التقرير مثالا على حادثة وقعت في 14 نيسان ‏‏(أبريل) الماضي، عندما بدأ آلاف الفلسطينيين، معظمهم من ‏النساء والأطفال، السير من جنوب غزة إلى الجزء الشمالي ‏من القطاع بعد انتشار شائعة مفادها أن الجيش الإسرائيلي ‏سيسمح للنساء والأطفال وكبار السن بالمرور الآمن. ‏

يقول التقرير إن جنودا إسرائيليين أطلقوا في حينه النار على ‏الحشود عندما اقتربوا من نقطة تفتيش، مما أسفر عن مقتل ‏خمسة أشخاص وإصابة ما يقرب من عشرين آخرين، وفقا ‏لموظف طوارئ وصحفيين كانوا هناك. ‏

وبعد ذلك أعلن الجيش الإسرائيلي إن الحادث "قيد المراجعة".‏

ماذا يعني هذا؟

تقول زيف ستال، المديرة التنفيذية لمنظمة "يش دين"، وهي ‏منظمة إسرائيلية تقدم الحماية القانونية للفلسطينيين، إنه "بشكل ‏عام، لا يتم التحقيق في كل حادثة ولا كل شكوى بطريقة ‏جنائية، بل بطريقة عملياتية". ‏

وتضيف ستال: "عندما يُتهم الجيش الإسرائيلي بانتهاك ‏القوانين الدولية أو قواعد السلوك الخاصة به، تشرف وكالة ‏داخلية تُعرف باسم المدعي العام العسكري على العملية".‏

‏"تبدأ الوكالة بإجراء مقابلة عبر محاميها مع الجنود ‏المتورطين في الحادث وتكون سرية ولا يقصد منها في البداية ‏إجراء تحقيقات جنائية"، وفقا لستال.‏

وتشرح قائلة إن "الجيش يمنح الجنود امتيازات ويعدهم بأن ‏المقابلات لن تكون مادة تستخدم للتحقيق الجنائي، حتى يتمكن ‏الجنود من التحدث بحرية عما حدث".‏

وتتابع ستال أنه "لا يوجد جمع للأدلة في هذه المرحلة فيما ‏يتعلق بالجريمة الجنائية، في حال كانت هناك واحدة.. لذا فإن ‏التوجه يكون عمليا في بعض الأحيان أكثر من كونه جنائيا".‏

ويشعر المسؤولون الإسرائيليون بالقلق إزاء احتمال قيام ‏المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق مع قادة الحكومة بشأن ‏احتمال وقوع جرائم حرب إسرائيلية في غزة. ‏

ويسلّط احتمال صدور أوامر اعتقال محتملة بحق القادة ‏الإسرائيليين الضوء على كيفية قيام الجيش الإسرائيلي ‏بالتحقيق مع الأفراد المتهمين بانتهاك معايير الجيش الخاصة ‏بالسلوك في زمن الحرب.‏

في كل عام، يتلقى جيش الدفاع الإسرائيلي مئات الشكاوى ‏حول ارتكاب مخالفات، حيث كانت هذه الأمور تركز في ‏الماضي عادة على جنودها المنتشرين في الضفة الغربية ‏المحتلة. ‏

ولكن منذ بداية الحرب مع حماس في أكتوبر الماضي، ‏تراوحت الشكاوى بين قيام الجنود بإطلاق النار على اللاجئين ‏الفلسطينيين العزل أو حادث استهداف قافلة تابعة لمنظمة ‏‏"المطبخ المركزي العالمي" الإغاثية وتسبب بمقتل سبعة من ‏موظفيها مطلع الشعهر الماضي.‏

ووفقا لخبراء حقوق الإنسان في إسرائيل، فقد أظهر الجيش ‏الإسرائيلي افتقارا للشفافية والإرادة للتحقيق مع جنوده. ‏

وتؤكد ستال أن بعض أكبر المشاكل تأتي خلال المرحلة ‏الأولى من التحقيقات الداخلية داخل الجيش الإسرائيلي.‏

أحد المخاوف الأكثر إلحاحا لمنظمتها هو المدة التي يمكن أن ‏تستغرقها عملية التحقيق، وغالبا ما تكون أكثر من عام، ‏وأحيانا أطول من ذلك بكثير، مما قد يؤدي لعدم توفر الأدلة ‏نتيجة طول الفترة، بحسب ستال.‏

بالإضافة إلى ذلك، غالبا لا تتم مقابلة الضحايا المزعومين في ‏هذه التحقيقات إلا في وقت متأخر من العملية، كما تقول ‏الخبيرة القانونية الإسرائيلية سمدار بن ناتان.‏

وتضيف بن ناتان إن "شهادة الضحية، في كثير من الأحيان، ‏هي أول شيء نفكر فيه كفتح تحقيق، لكن العكس تماما يحصل ‏فهم (الجيش الإسرائيلي) عادة ما يستمعون أولا لما يقوله ‏الجنود، وبعد ذلك يحصلون على شهادات بعض الضحايا ‏فقط".‏

وتتابع بن ناتان إنه "من منظور قانوني، عندما تجمع كل هذه ‏العناصر وفقا للطريقة التي يجري بها الجيش الإسرائيلي ‏التحقيقات، فمن الصعب التوصل لنتائج عادلة".‏

وفي رده على هذه المعطيات قال الجيش الإسرائيلي في بيان ‏إن قواته "تعمل وفقا للقانون، وبالتالي هو ملزم بإجراء فحص ‏شامل لأي ادعاء بانتهاك القانون، وكذلك يتم فحص كل شكوى ‏على أساس موضوعها، بما في ذلك من خلال تحقيق جنائي إذا ‏لزم الأمر".‏

لكن البيانات الواردة من الجيش الإسرائيلي في نهاية عام ‏‏2022 والتي استعرضتها "إن بي آر" تظهر أن الشكاوى ‏المقدمة إلى الجيش نادرا ما تؤدي إلى أي شيء.‏

فمن بين 1260 شكوى تتعلق بإلحاق جنود إسرائيليين الضرر ‏بالفلسطينيين وممتلكاتهم بين عامي 2017 و2021، أسفرت ‏‏11 شكوى فقط عن لوائح اتهام، وهي نسبة تمثل أقل من 1 ‏في المئة من جميع الشكاوى.‏

وتعد منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم" واحدة من ‏العديد من المنظمات التي عملت مع الجيش الإسرائيلي لجمع ‏الأدلة في تحقيقاتها.‏

تقول المتحدثة باسم المنظمة ساريت ميخائيلي: "كنا نتواصل ‏مع الشهود ونحيلهم للشرطة العسكرية". ‏

وتضيف: "كان زملائي يقضون ساعات في تنسيق ‏الاجتماعات بين الشهود والشرطة العسكرية من أجل أخذ ‏شهادتهم، وفي بعض الأحيان كنا نأخذ الأدلة ونحيلها".‏

وبعد سنوات من جمع الأدلة لمساعدة الجيش الإسرائيلي في ‏تحقيقاته، تقول ميخائيلي إن المنظمة نادرا ما شهدت أيا من ‏قضاياها تتجاوز مرحلة التحقيق الأولية.‏

وتتابع ميخائيلي: "لقد فعلنا ذلك لسنوات عديدة وتوصلنا في ‏النهاية إلى نتيجة مفادها أنه لا جدوى من ذلك، بغض النظر ‏عما فعلناه، كانت النتيجة نفسها دائما: عدم المساءلة".‏

وتشير ميخائيلي إلى أن المنظمة توقفت عن إحالة القضايا إلى ‏الجيش الإسرائيلي تماما منذ عام 2016.‏

وتشدد ميخائيلي: "لقد توصلنا إلى نتيجة مفادها أن الاستمرار ‏في إحالة القضايا إلى هيئات التحقيق الإسرائيلية لا يؤدي إلى ‏نتائج عكسية من خلال عدم المساءلة فحسب، ولكنه يعطي ‏أيضا انطباعا زائفا عن وجود نظام فعال" للعدالة. ‏

وتبين ميخايلي إن منظمة "بتسيلم" تواصل حاليا جمع الأدلة ‏عندما يقتل الجنود الإسرائيليون أو يصيبون فلسطينيين، ولكن ‏بدلا من إحالتها للجيش، تقوم المجموعة الآن بنشرها على ‏وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال الصحافة الحرة.‏

ومطلع الشهر الجاري، قال مسؤولون اسرائيليون لصحيفة ‏‏"نيويورك تايمز" إنهم يتوقعون ان تصدر المحكمة الجنائية ‏الدولية مذكرات توقيف ضد أعضاء في الحكومة الاسرائيلية ‏وربما رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، في ما يتصل بادارة ‏العمليات العسكرية المدمرة التي شنتها اسرائيل في قطاع ‏غزة.‏

بحسب الصحيفة الأميركية فان المحكمة الجنائية الدولية تدرس ‏أيضا توجيه التهم الى قادة من حركة حماس.‏

يقرأون الآن