أكثر من عام مضى على حرب السودان، تغير خلالها الكثير لاسيما في الحياة اليومية للمواطن السوداني الذي بات يواجه أوضاعا معيشية صعبة ويكافح لكسب قوته اليومي، إلا أن السودان الغني بالثروات الطبيعية يمتلك مادة أصبحت عاملاً مهماً في يوميات الحرب ومصدراً لتمويل طرفي الصراع والمزارعين على حد سواء.
والمادة هي الصمغ العربي وهو مكون غير معروف يدخل في صناعة الشوكولاتة والصودا والعلكة والحلويات والعديد من السلع الاستهلاكية الأخرى، وهو عبارة عن عصارة مجففة عديمة الطعم والرائحة تستخدم كمثبت أو عامل سماكة أو مستحلب للعديد من الأطعمة والمشروبات ومستحضرات التجميل والأدوية أيضاً.
فيما يتم حصاد حوالي 80٪ منه في العالم من أشجار السنط السودانية، التي تنمو في الحزام الصحراوي الذي يمتد من حدود السودان الغربية مع تشاد إلى حدودها الشرقية مع إثيوبيا، ويغطي مساحة تبلغ حوالي 200 ألف ميل مربع.
ولتصدير هذه المادة على التجار السودانيين المرور بمدنية الأبيض التي يسيطر عليها الجيش السوداني وتفرض عليها قوات الدعم السريع حصاراً منذ 2023، حيث تعد الممر الرئيسي في البلاد لتصدير الصمغ العربي والذي يذهب إلى تشاد ومصر بورتسودان على البحر الأحمر.
وأصبحت هذه المادة مصدراً لتمويل طرفي الصراع في البلاد، حيث يقوم التجار بالتوجه نحو مدينة الأبيض في قوافل ويدفعون أموالا عند نقاط تفتيش لقوات الدعم السريع تقدر بحوالي 330 دولار، للعبور وعدم تعرض بضاعتهم للنهب.
بالإضافة إلى تلك المدفوعات يسلم تجار الصمغ العربي أيضاً ما بين 60 إلى 100 دولار لمقاتلي قوات الدعم السريع الذين يرافقون قوافل التجار في شاحنات صغيرة.
فيما كشف أحد التجار أن الأشخاص الذين يرفضون الدفع يخاطرون بخسارة بضائعهم ومركباتهم لصالح الميليشيات، بحسب تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال".
بالإضافة إلى قيام قوات الدعم السريع بجمع الأموال من خلال سيطرتها على معظم الطرق الزراعية الرئيسية، يفرض الجيش السوداني الذي يدير حكومة الأمر الواقع في البلاد الضرائب والرسوم الجمركية الأخرى على تجارة الصمغ العربي.
وفي هذا الشأن قال ربيع عبد العاطي، الأكاديمي السوداني الذي أجرى أبحاثًا في صناعة الصمغ العربي إن "عائدات صادرات الصمغ العربي تمول هذا القتال بشكل مباشر".
وعلى رغم هذه المخاوف، لم يتخذ سوى عدد قليل من الشركات خطوات للتأكد من تجنب الصمغ العربي السوداني، استنادا إلى مقابلات مع المصنعين والموردين والمستخدمين النهائيين.
بدوره أوضح أسامة إدريس، المدير العام لشركة مروج للسلع في المملكة المتحدة، وهي شركة مستوردة ومصنعة للعلكة الخام ومقرها في ويستون سوبر مير في إنكلترا: "لا نريد أن ينفد العملاء من مادة الصمغ العربي".
وأضاف أن أياً من عملائه، بما في ذلك شركات الحلويات والمشروبات والنكهات، لم يعربوا عن مخاوفهم بشأن الحصول على الصمغ العربي من السودان.
من جانبها قالت شركة "نستله"، التي تضيف الصمغ العربي إلى الشوكولاتة والحلوى الصمغية، إنه وفقا لمورديها، فإن الكميات الصغيرة التي تستخدمها تأتي في المقام الأول من تشاد والنيجر ومالي.
في حين أفاد متحدث باسم شركة "هيرشي" لصناعة الشوكلاتة بأن الشركة تتوقع من جميع مورديها الالتزام بجميع القوانين في البلدان التي يعملون فيها.
وقالت متحدثة باسم "فيريرو" إن شركة صناعة الشوكولاتة لديها إجراءات صارمة للعناية الواجبة يجب على جميع مورديها الالتزام بها، بما في ذلك التقييمات وعمليات التدقيق الميدانية.
فيما ذكرت بعض الشركات أن وقف شراء الصمغ العربي السوداني سيضر بمئات الآلاف من السودانيين الذين يعتمدون على الصمغ العربي في معيشتهم، وكثير منهم مزارعون أو أفراد المجتمعات البدوية، في وقت تحذر فيه وكالات الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة.