إن اعتقد "حزب الله" أنّ أكثرية اللبنانيين تنتظر بفرح واعتزاز "عيد المقاومة والتحرير" فسيكون مشتبهاً أو غير مقدّر ما آلت إليه الذكرى بعد 24 عاماً من الحدث التاريخي السعيد.
وإذ لا ينكر مواطنٌ سويٌ تضحيات "الحزب"، وقبله "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" (جمول)، في كسر شوكة الاحتلال وصولاً الى فرض انسحابه من الجنوب والبقاع الغربي، فإنّ ما يجب على "الحزب" الاعتراف به هو أنه أساء استثمار الإنجاز، وقوّض معانيه، وجعله مختصاً بفريق ومذهب بدل أن يتحول مُلكاً وتراثاً لكل اللبنانيين ولبنة بناء لمستقبل زاهر.
ولا يخفى على أحد أنّ الذكرى فقدت معناها النبيل على مرّ الأعوام، وتحديداً منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاه من أحداث استعمل فيها سلاح "حزب الله" أو وهجه، وصارت جزءاً من الانقسام، لأنّ "الحزب" احتكرها أصلاً، ولأنّه بدل أن يبني عليها للانخراط في مشروع الدولة حوّلها متراس تخوين واستكبار على سائر اللبنانيين. وبدل أن يتمثل بنموذج المقاومة الفرنسية التي وضعت نفسها وسلاحها في عهدة الجمهورية بعد انتصارها على الاحتلال النازي، استدخل الجمهورية في مشروعه السياسي الايديولوجي، والذي كانت آخر مظاهره اجتماع ميليشيات المحور الايراني على هامش تشييع رئيسي وعبداللهيان في طهران.
لا داعي لشرح أحداث عقدين من الزمن تحكَّم الحزب خلالهما بالدولة لعلمه بصعوبة أن يحكمها. اتّبع سياسة القضم والهضم. توسَّع وضمرت، لكنه في طريقه نحو قوة جعلته رقماً إقليمياً صعباً، بدا كالفيل في معرض زجاج. والنتيجة ساطعة كالشمس. نعيش في بقايا دولة مستباحة. حدودها سائبة ومؤسساتها معطّلة. وفيما يهاجر أبناؤها طمعاً بعيش كريم بعدما ضاقت بهم السبل في وطنهم المنهوب والمخلّع الأبواب، يجتاحهم نزوح أخوي ما كان ليصل الى مرحلة التهديد الوجودي لولا سياسات التعطيل واستتباع الحكومات الذيلية والذليلة. ناهيك عن تنفيذ أجندة محور لا يعتبر لبنان سوى ساحة في مشروع توسعي لم ينجز حتى الآن سوى زعزعة الاستقرار في العواصم التي هيمن عليها وتخريب نسيج الدول التي طالتها يده.
لم يكن ينقص لبنان لتكتمل مأساته وليدرك أنّ إنجاز التحرير تحوّل ورقة توت لتغطية التفرد في القرار سوى "حرب المُشاغلة". وسواء أكانت خطوة يحيى السنوار مغامرة مكلفة أم تضحيات واجبة على طريق التحرر الفلسطيني من ربقة الاحتلال، فإنّ تورّط لبنان كان عبثياً وكارثياً بامتياز، ويشكل طعنة إضافية في أي أمل بقيام دولة لكل مواطنيها تريد العيش بكرامة وسلام.
يبدو "عيد المقاومة والتحرير" عاماً بعد عام خطوة إكراهية توقظ حساسيات النزاعات الداخلية وتدخل في حساب التجاوزات التي تمارَس على الدولة ومواطنيها. ومؤسف أن اليوم الذي أردناه مدعاة فخر وعزة وطنية صار عبئاً على أكثرية الشعب، لأنّه بدل أن يقوّي عصب الدولة شدَّد عصبية من يريد تهميشها، وكأنه صار يوماً من تواريخ "الحرب الأهلية" بمفعول رجعي.
لن تأخذ ذكرى التحرير معناها الأصيل إلا حين تعود دولة المواطنية والحريات والمؤسسات، والى أن يتحقق هذا الحلم فمن الأجدى تعليق العيد.
نداء الوطن