على وقع ألحان وأنغام أغنية "عوّدت عيني على رؤياك" الكلثومية، جال الموفد الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، على القوى السياسية اللبنانية، آملا في إحداث خرق ما ولو طفيف، في جدار الأزمة الرئاسية المفتوحة والمستمرة منذ نهاية ولاية العماد ميشال عون.
الدبلوماسي الفرنسي، كان يفضل أن يحمل معه بعض النتائج إلى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والذي يأمل بدوره في النجاح بتأمين قناعة دولية إقليمية، حول خطة أو فكرة أو تسوية ما، قد تولد في الاجتماع السنوي في السادس من حزيران المقبل في النورماندي، لمناسبة الذكرى 80 لإنزال الحلفاء الشهير، الذي حسم نهاية الحرب العلمية الثانية في مواجهة ألمانيا النازية.
بطبيعة الحال، وحسب الأنباء المتداولة، فإن اجتماع النورماندي سيتبع بقمة في باريس، تخصص لنقاش المجتمعين، حول الملفات المشتركة وسبل مواجهتها، وأبرزها حرب أوكرانيا مع روسيا وحرب غزة، بعد أن دُعمت إسرائيل في إبادة الشعب الفلسطيني، إضافة إلى نقاش قضايا أخرى في المنطقة. فيما يأمل الرئيس الفرنسي أن يكون للبنان حصة من البحث. ولهذه الأسباب أجرى اتصاله في 22 الحالي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لبحث الأوضاع في المنطقة، ومنها بطبيعة الحال لبنان.
لا يزال الرئيس الفرنسي يأمل أن يكون لبلاده دور أساسي وجوهري، في إيجاد حلول للأزمة اللبنانية. وهو قد حاول أكثر من مرة منذ انفجار مرفأ بيروت، ولم ينجح. والجميع يذكر المبادرة الفرنسية وزياراته بعدها، التي تمت يومها ولم تتكلل بالنجاح.
لهذه الأسباب، ولاعتقاد ماكرون ووجود قناعة فرنسية عميقة لأسباب سياسية ومصلحية تاريخية، يستمر الرئيس الفرنسي في مسعاه ولن يتراجع، معتقداً أن ما قدمته فرنسا وبذلته من أجل لبنان، يجب أن لا يُترك الآن. بل يجب أن يُتابع حتى تجني منه فرنسا، ولو القليل من الوجود والنفوذ.
الجدير ذكره، أن اجتماع النورماندي قبل نحو 20 سنة بين جاك شيراك وجورج بوش الإبن، تم في ظل أجواء صدور القرار الدولي 1559 وما تلاه من حراك دولي وأحداث لبنانية، كان أبرزها وأشدها التمديد الشهير والكارثي للعماد إميل لحود، وما تبعه من جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما تولد بعدها من أحداث كبرى وجسام.
هذه السنة، تنعقد قمة النورماندي من دون مؤشرات كبيرة لأحداث كبرى وجسام حتى الآن. لكنها، قد تكون محطة مهمة تؤسس أو تتدخل في المستقبل اللبناني.
هي قمة لمعالجة أحداث كبرى من أوكرانيا- روسيا إلى حرب غزة وجريمة إبادة الشعب الفلسطيني المستمرة، إلى باقي قضايا المنطقة. وما من أمر يمنع أن تتطرق إلى لبنان.
لكن ما يجعل التوقعات ضئيلة، هي أن الرئيس الأميركي الحالي هو رئيس آفل ومتجه إلى نهاية عهده، من دون مؤشرات قوية وحاسمة إلى عودته إلى البيت الأبيض.
جان إيف لودريان، كرر أمام من التقاهم من قوى سياسية لبنانية، ما كان قاله في وقت سابق، محذراً من زوال لبنان الذي نعرفه.
وهو في هذا التحذير، لا يثير أمراً مبالغا فيه، أو مستحيل التحقق، بالرغم من قوله الأمور بكلمات مختلفة عن السابق. وهو قال في زيارته هذه، إن لبنان السياسي الذي نعرفه قد يزول ويبقى لبنان الجغرافي.
بطبيعة الحال، جبال لبنان لن تذوب، لأنها ليست جبال ملح أو سكر، بل إن الذي قد يتفكك ويندثر هو لبنان الدولة والصيغة السياسية، التي قامت منذ 1920 ومن ثم في 1943، وفي ما بعد جددت في 1990، عبر اتفاق الطائف. خصوصاً في ظل الابداع اللبناني المتنامي والمتفاقم والمتعاظم في نقاش جنس الملائكة وهل هي ملائكة قادرة على الإنجاب نتيجة الحوار، أم التشاور. وأي زواج؟ المتعة، أو العرفي، أم الشرعي؟
لكن جان إيف لودريان، الدبلوماسي المحترف، يعود إلى سيده خالي الوفاض. وعندما يسأله رئيسه عن النتيجة، لا بد أنه سيخبره أن المياه التي رميت عليه كانت آسنة وبرائحة كريهة!
والواقع، أن الجواب الذي يحمله لودريان معه إلى باريس، كان قد قاله المرشح إلى الرئاسة الأولى سليمان فرنجية، في حديثه الأخير مع التلفزيون الجديد، إذ قال بوضوح: "إن حزب الله يريد رئيس جمهورية اليوم قبل الغد، ولكنه لن يتنازل عن مواصفات معينة، وأنا لن أنسحب. وإذا أراد فريقنا هذا الأمر، عليه أن يأتي ويبرّر مطلبه. ولكن أنا أستبعد أن يقوم بهذا الأمر"، مؤكداً أن "فريقنا لن يطلب مني الانسحاب. وعندما نصل إلى تسوية معينة يبنى على الشيء مقتضاه".
أضاف : "التوازنات لم تتبدّل بعد، بانتظار التسوية المقبلة".
والتسوية المقبلة، برأي فرنجية، هي تسوية ما بعد حرب غزة التي يبدو أنها ستطول إلى أمد ليس من المتيسر تحديده.
وبعد حديث فرنجية استُكملت عناصر الصورة من قبل أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله بقوله: "إن المجازر الإسرائيلية يجب أن تكون عبرة لنا ولمن يراهن على المجتمع الدولي والقوانين الدولية من أجل حماية لبنان".
بمعنى آخر، فإن كلام السيد نصرالله، يلاقي كلام فرنجية، بأن الحل لن يكون عن طريق انتظار المجتمع الغربي ووعوده.
وبتفسير أدق، فإن السيد نصرالله يعتبر أن من يراهن على ما قد يأتي من قمة النورمندي، وما يشابهها، فهو يكرر الأخطاء والرهانات السابقة، ولن يصل إلى نتيجة.
فهل هناك مجال لنجاح، فكرة "التشاور على الواقف" في مجلس النواب، لتتبع بجلسات متتالية مفتوحة، بعد فشل وسقوط فكرة الحوار على القاعد وحول الطاولة برئاسة برّي؟
المدن