يحمل الحديث الذي أدلى به المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي خلال استقباله الرئيس السوري، بشار الأسد "رسائل وتوجيهات"، ويرسم حسبما يرى خبراء ومراقبون صورة واضحة عن شكل العلاقة الآنية والمستقبلية التي تجمع "الحليفين".
ورغم أن الأسد هو "الحليف الأبرز" لإيران في المنطقة كان آخر من التحق بركب المعزين بمقتل الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في حادث تحطم مروحيته يوم 19 أيار/مايو، مع 7 أشخاص آخرين، بينهم وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان.
ولم تنشر وسائل إعلامه الرسمية فحوى اللقاء الذي جمعه مع خامنئي على نحو دقيق، على عكس ما أورده الموقع الرسمي للمرشد الإيراني الأعلى، وما انتشر لاحقا في سلسلة تغريدات لافتة على حساباته الرسمية في موقع التواصل "إكس".
في إحدى تغريداته اتهم خامنئي "الغرب وأتباعه في المنطقة بالسعي لإسقاط النظام السياسي في سوريا وإخراجه من معادلات المنطقة عبر إشعال الحرب"، وبعدما استدرك بالقول إنهم "لم ينجحوا" في السابق عاد ليرسم ذات المشهد من جديد في الوقت الحالي.
وأضاف: "الآن أيضا يرومون إلى إخراج سوريا من المعادلات الإقليمية بأساليب أخرى، بما في ذلك الوعود التي لن يوفوا بها أبدا".
وبينما لم يوضح حديث المرشد الأعلى الإيراني ماهية "الدور الإقليمي" الذي تلعبه سوريا وكذلك "الوعود"، أكد في سلسلة تغريدات لاحقة على "هوية المقاومة التي تتميز بها سوريا"، وأنه "ينبغي الحفاظ عليها".
بين حرب وتطبيع
وتعود آخر زيارة قام بها الأسد لإيران إلى أيار/ مايو 2022، وزارها قبل ذلك في 2019.
بعد 2022 طرأت الكثير من التغيّرات في المنطقة، بينها إعادة دول عربية علاقاتها مع نظام الأسد، في تحوّل كبير لما كانت عليه سياستها عندما تحول الحراك السلمي إلى مسلح في البلاد.
كما اندلعت حرب إسرائيل في غزة ردا على هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وتبعها اشتعال عدة جبهات، لم تكن من بينها سوريا رغم أنها تحسب كطرف أساسي ضمن "محور المقاومة".
وكان النظام في سوريا اتبع سياسة "النأي بالنفس" حيال الحرب المتواصلة في غزة حتى الآن، وبدا سلوكه منذ يوم السابع من أكتوبر وكأنه "غير معني بالانخراط"، حسبما يوضح مراقبون.
وفي مقابل ذلك أبدى مرونة ولعب على الكثير من التفاصيل حيال مسار التطبيع العربي، الذي يذهب الآن باتجاهين، معلن: يقوم على مقاربة "الخطوة مقابل خطوة"، وغير معلن ويتعلق بماهية العلاقة بين دمشق وطهران ومدى القدرة على تحقيق أي خرق على صعيد "التوأمة المترسخة".
وأراد خامنئي تذكير الأسد بأن "لدى إيران تجربة مشابهة مع التفاوض مع الأميركيين، ولكنهم نقضوا العهد والتوافقات بسرعة"، في إشارة إلى الاتفاق النووي مع إيران الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
ويضيف أن "تأكيد المرشد الإيراني الأعلى على هوية سوريا المقاومة بحسب وصفه حاول من خلالها تذكير الأسد بأن الاصطفاف السوري تاريخيا كان ضمن ما يسمى محور المقاومة".
نهج صقوري متشدد
وخلال اللقاء الذي جمعه مع خامنئي الخميس وجه الأسد للمرشد الأعلى الإيراني كلمة جاء فيها بحسب الموقع الرسمي للأخير: "إن العلاقات الإيرانية السورية استراتيجية وتتقدم وتسير بتوجيهات فخامتكم وسيادتكم".
ولم تتطرق وسائل إعلام النظام السوري إلى تلك العبارة.
واقتصرت التصريحات التي نشرتها وكالة "سانا" على تقديم التعازي والتأكيد على "ضرورة المضي في تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، لاسيما الاقتصادية منها".
ورغم أن الجانب السوري حرّك مؤخرا فكرة "السلام العربي" من منطلق أنها "طريق للوصول إلى حل دولي"، لم يقدم أو يتخذ أي خطوات عملية واتضح ذلك لاحقا أيضا من مواقف بعض الدول العربية، حسب السبايلة.
ضمن الدائرة الإيرانية
وتعتبر طهران من أبرز حلفاء النظام السوري إلى جانب روسيا، وخلال السنوات الماضية قدمت له دعما عسكريا وسياسيا واقتصاديا.
وحتى الآن لا تعرف ماهية العلاقة التي ستكون بينهما في ضوء التطبيع العربي الحاصل، والذي تمثلت آخر محطاته بتعيين السعودية سفيرا لها في دمشق، وإعلان استعدادها تسيير 3 رحلات جوية مباشرة مع حكومة النظام السوري.
الثمن سيكون غاليا
ومثّل اندلاع الحرب السورية في 2011، فرصة لإيران لزيادة نفوذها في سوريا.
وكان هذا مدفوعا بأهمية البلاد الاستراتيجية وموقعها، ودورها في ضمان استمرارية الممر البري من طهران إلى بيروت، ووصولها إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وفق ما تشير إليه عدة تقارير لوسائل إعلام ومراكز أبحاث غربية.
ونادرا ما تنشر إحصائيات توضح ما تكلفت به إيران في سوريا.
ومع ذلك قال النائب، حشمت الله فلاحت بيشه، من لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في تصريح لافت عام 2020 إن بلاده أنفقت ما بين 20 و30 مليار دولار في سوريا لدعم بشار الأسد.
ويعتبر الباحث البازي أن "الأسد يدرك أن المبادرات الغربية والعربية على أهميتها لها مقابل غال جدا وهو التنازل عن بعض الصلاحيات السيادية".
ولذلك فإن "العلاقة المتجذرة تاريخيا مع إيران لها أهمية كبرى بالنسبة له".
ويتابع الباحث أن "إيران لا تفرض على الأسد أي تغييرات سياسية أو تحولات جذرية لا يرغب بها.. ولهذا ليس من السهل التخلي عنها من جانبه وبهذه السهولة، خصوصا بأن العلاقة بينهما تندرج ضمن التحالف الاستراتيجي".
ويقوم هذا التحالف "على التاريخ والتهديد المشترك والمنافع المشتركة وجميع هذه العوامل لم تتغير خلال هذه الفترة"، حسب الباحث.
وبالإضافة إلى ما سبق يوضح أن "إيران تمارس نفوذا ذو أبعاد متعددة لا تقتصر على الطابع الرسمي في سوريا.. فهي تمارس نفوذ بين العشائر في شرق سورية ونفوذا في مناطق حلب عبر تقديم الخدمات ونفوذ أيضا في منطقة الساحل السوري".
وليس بالأمر السهل أن يبتعد الأسد عن إيران، وفق حديث الباحث الأردني، عامر السبايلة، ولذلك وبناء على التجذر الحاصل في البلاد "هو مضطر أن يطمئن طهران من جانب ويسير بالمسار العربي من جانب آخر".
ويضيف السبايلة أن نظام الأسد "يعلم أن إيران لا يمكن أن تُخرج سوريا من العزلة"، وأنها "أزمة مستمرة بحد ذاتها"، ما يضطره "لإيجاد حالة من التوازن الدبلوماسي في الوقت الحالي".