يبدو أن فريق المحامين الخاص بدونالد ترامب قد ارتكب أخطاء كارثية أدت إلى خسارة الرئيس الأميركي السابق في محاكمة تاريخية، بعد أن دانته هيئة محلفين في نيويورك بـ 34 تهمة جنائية تتعلق بتزوير سجلات تجارية من الدرجة الأولى، وهي تهم كان يمكن تفاديها، من وجهة نظر قانونية.
ويكشف خبراء عن خطأين فادحين وقع فيهما ترامب وفريقه القانوني رفيع المستوى، في إشارة إلى أن استراتيجيته "إنكار كل شيء، ومهاجمة الجميع" تأتي بنتائج عكسية في النهاية.
وصرح خبراء قانونيون أن دونالد ترامب أهدر "قضية يمكن كسبها" حيث كان بإمكانه الحصول على هيئة محلفين معلقة أو الهروب بجنحة فقط.
وفي القضية التي أطلق عليها محاكمة "المال الصامت" في نيويورك، اتهم ترامب بتغطية 130 ألف دولار من المدفوعات للنجمة الإباحية ستورمي دانييلز لإخفاء علاقاته خارج نطاق الزواج ويواجه الآن احتمالاً غير متوقع بالسجن، فيما يقول المحامون المخضرمون: إن القضية بها نقاط ضعف، على الرغم من وجود 200 دليل وأسابيع من شهادة الشهود، لكن محاميي ترامب فشلوا في استغلالها، ما أدى إلى إرباك هيئة المحلفين من خلال محاربة كل جانب من جوانب لائحة الاتهام ورفض تقديم خيار تهمة أقل، وفق صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.
ويشير المدعي العام الفيدرالي السابق، ريناتو ماريوتي في تحليل لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى خطأين فادحين: الأول كان استخدام دفاع يرقى إلى مستوى "نشاز" عشوائي من الإنكار والهجمات الشخصية بدلاً من السرد المحكم، إذ استخدم ترامب هذا الأسلوب لإنكار كل شيء، ومهاجمة استراتيجية الجميع على شاشات التلفزيون، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وتجمعاته الانتخابية، لكن هذا الأمر غير مناسب لقاعة المحكمة ونسف فرصه في الفوز، أو على الأقل خوض القضية بالتعادل الذي يمكن أن يعتبره انتصاراً.
وأوضح ماريوتي أن قضية الادعاء تتوقف على شهادة مايكل كوهين، محامي ترامب السابق و"الوسيط" الذي كان الدليل الوحيد على أن ترامب كان على علم بمؤامرة تزوير السجلات.
وكان ترامب في البيت الأبيض في الوقت الذي تم فيه إنشاء السجلات المزيفة وكان من الممكن أن يناقش كوهين والمدير المالي لمؤسسة ترامب ألين ويسلبيرج، بأنهما قاما بتحضير المخطط بمفردهما بينما كان مشغولاً بمنصب الرئيس، خصوصاً أنه تم تقويض مصداقية كوهين، ومن المعروف أنه يكره ترامب، وقد أقر بأنه مذنب بالكذب على الكونجرس وتهم الاحتيال المصرفي والتهرب الضريبي وانتهاك تمويل الحملات الانتخابية.
وكتب ماريوتي: "لست بحاجة إلى أن تكون محامياً لترى كيف يمكن أن يكون هذا دفاعاً قانونياً قوياً".
ويشير ماريوتي إلى أن رغم محاولة فريق الدفاع فعل ذلك، فإن تود بلانش، الذي قدم المرافعة الختامية للدفاع أمام هيئة المحلفين على مدار ثلاث ساعات،"ركز على الكثير من النقاط الأخرى، وحارب الكثير من الأشياء، لدرجة أنه فشل في تركيز هيئة المحلفين على نقاط الضعف في قضية الادعاء وحاول بدلاً من ذلك محاربة كل شيء وكل شخص، حتى عندما لم يكسب سوى القليل من خلال القيام بذلك".
ويؤكد ماريوتي أنه "يحتاج الدفاع إلى قصته الخاصة، ومن خلال تجربتي، عادةً ما يفوز الجانب الذي يروي القصة الأبسط في المحاكمة"، ويؤكد "لو كنت أدير الدفاع لدفعت ترامب إلى الاعتراف بعلاقته مع دانيلز"، وبدلاً من ذلك، زاد الادعاء من تعقيد المحاكمة من خلال السعي لإثبات حدوث هذه القضية، وتعاطف المحلفون مع شهادة دانيلز.
كما فشل دفاع ترامب مرة أخرى في مبدأ "أبقِ الأمر بسيطًا" عندما استجوب كوهين على المنصة لعدة أيام بشأن كل نقطة صغيرة، ورداً على ذلك، قدم المدعون العشرات من الوثائق التي دعمت شهادة كوهين وجعلته يبدو أكثر مصداقية والقضية أقوى.
وأضاف: "الأمر لا يتعلق بما إذا كنت تحب مايكل كوهين أم لا. الأمر يتعلق بما إذا كان لديه معلومات مفيدة وموثوقة ليقدمها لك حول ما حدث في هذه القضية، والحقيقة هي أنه كان في أفضل وضع لمعرفة ذلك".
وأشار إلى أن "كل ما كان على الدفاع فعله هو مهاجمة الأجزاء من شهادته التي لم تدعمها النصوص والوثائق والتسجيلات الصوتية العديدة وتصويره كشاهد غير موثوق به".
ويستطرد المدعي العام السابق: "ربما كان الحكم بالبراءة دائماً أمراً بعيد المنال. لكن لو كان الدفاع أكثر فعالية، لكان من الممكن أن يصوت أحد المحامين في هيئة المحلفين لصالح البراءة، وهذا المطلوب لهيئة محلفين معلقة".
الخطأ الثاني
وأوضح ماريوتي أن الخطأ القاتل الثاني الذي ارتكبه فريق ترامب، كان اعتماد نهج "الكل أو لا شيء" الذي يتطلب النصر الكامل دون إمكانية الهروب بجنحة، ولو أنهم سمحوا للقاضي بإرشاد هيئة المحلفين بأنهم يمكن أن يجدوه مذنباً بتهمة أقل، فربما كانوا قد تنازلوا عن ذلك بدلاً من الجنايات.
وتابع: "كان فريق ترامب انعكاساً لموكله، فهو يهاجم دائماً ولا يتراجع أبداً. لقد نجح دليل اللعب هذا لصالح ترامب مراراً وتكراراً. لكن في هذه المحاكمة وفي قاعة محكمة مانهاتن، جاء الموقف والاستراتيجية بنتائج عكسية".
ومن المقرر أن يصدر الحكم على ترامب في 11 يوليو/ تموز، وقد وصفها ترامب بعد الإدانة بأنها محاكمة مزورة، وقمة العار. واشتكى بعد وقت قصير من انتهاء القاضي خوان ميرشان من المحاكمة قائلاً: «إنهم لن يمنحونا تغييراً في مكان المحاكمة».
وقال ترامب، في إشارة إلى يوم الانتخابات: "الحكم الحقيقي سيكون في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني من قبل الشعب، وهم يعرفون ما حدث هنا والجميع يعرف ما حدث هنا".
وكرر ترامب الهجمات التي شنها داخل قاعة المحكمة في تصريحات يومية، حيث رفض الأسئلة في كل مرة. وهاجم مرة أخرى القاضي خوان ميرشان، واصفاً إياه بأنه "قاض متضارب ولم يكن ينبغي السماح له أبداً بتولي هذه القضية".
وأدين ترامب بالتهم التي تحمل كل منها عقوبة محتملة قصوى تصل إلى أربع سنوات في السجن. وأمامه 30 يوماً للاستئناف ضد أحكام الإدانة. ومن المؤكد أن فريق ترامب سيستأنف الحكم.
وتحدث ممثلو الادعاء عن مؤامرة دبرها ترامب «لإفساد» انتخابات 2016 من خلال إخفاء مبلغ 130 ألف دولار دفعها "وسيطه" مايكل كوهين إلى نجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز، لشراء صمتها، بعد زعمها أنها مارست الجنس مع ترامب قبل عقد من الزمن، وهو ما نفاه. لكن التهم الجنائية الفعلية تتعلق بشيء أكثر واقعية، وهو التعويضات التي وقعها ترامب لكوهين مقابل الدفع. وتم تسجيل المبالغ المستردة، التي دفعها ترامب على أقساط شهرية، على أنها نفقات قانونية، ويقول ممثلو الادعاء: إن هذه تسمية احتيالية تهدف إلى إخفاء الغرض من المعاملات المالية السرية والتدخل بشكل غير مشروع في انتخابات عام 2016.
وتداولت هيئة المحلفين المكونة من سبعة رجال وخمس نساء في محكمة مانهاتن الجنائية لمدة 10 ساعات تقريباً قبل إدانة ترامب. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها رئيس أمريكي سابق محاكمة جنائية، وقد يؤدي الحكم إلى قلب السباق إلى البيت الأبيض عام 2024، ما يثبت أنها لحظة محورية في تاريخ الولايات المتحدة.
وحذرت الإعلامية المعروف ميجين كيلي الديمقراطيين من أنّ إدانة دونالد ترامب بجناية فتحت "صندوق باندورا"، ما يعني أنّ لا أحد في مأمن. وتوقعت توجيه اتهامات متبادلة لأي شخص بدءاً من الرئيس جو بايدن وزوجته جيل وحتى الرؤساء السابقين بيل كلينتون وباراك أوباما وهيلاري كلينتون.