أعادت الاتفاقية الدفاعية الاستراتيجية التي وقعها الزعيمان الروسي فلاديمير بوتين والكوري الشمالي كيم جونج أون، إلى الأذهان اتفاقية مماثلة وقعها البلدان خلال فترة الحرب الباردة، ولكن لم يعد لها وجود مع تفكك الاتحاد السوفياتي.
المعاهدة الجديدة، التي تضمنت تعهداً بالدفاع المشترك، لمحت تصريحات بوتين حولها إلى تلك، إذ تعهد بإصلاح كامل لسياسة روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي إزاء كوريا الشمالية.
وفي عام 1961 وقعت كوريا الشمالية معاهدة مع الاتحاد السوفياتي تضمنت تعهدات بالدعم المتبادل في حالة وقوع هجوم، فيما اعتبر مراقبون أن المعاهدة الجديدة هي إحياء لتلك الاتفاقية التي نصت على الدفاع المشترك في حال وقوع هجوم ضد أي من البلدين.
ورغم أن بوتين وكيم لم يوضحا في المؤتمر الذي أعقب توقيع الاتفاقية ما إذا كانت ستتطلب تدخلاً عسكرياً فورياً وكاملاً في حالة وقوع هجوم، كما نصت معاهدة عام 1961 التي لم تعد موجودة الآن. لكن بوتين قال إن روسيا «لا تستبعد تطوير التعاون العسكري الفني» مع كوريا الشمالية وفقاً للاتفاق الجديد، وذلك بحسب صحيفة «نيويورك تايمز».
وتعد هذه الاتفاقية أقصى ما وصل إليه الكرملين في إلقاء ثقله خلف كوريا الشمالية، التي ساندت روسيا بشكل كبير في حربها ضد أوكرانيا، ما يزيد قلق الولايات المتحدة وحلفائها حول المدى الذي يمكن لروسيا تعميق دعمها للدولة الوحيدة التي أجرت اختباراً لسلاح نووي هذا القرن.
بوتين قال إن المعاهدة الجديدة تعكس رغبة البلدين في عدم الاكتفاء بأمجادهما، بل في رفع العلاقات إلى مستوى نوعي جديد، فيما ندد بالمساعي الأمريكية لتوسيع البنية التحتية العسكرية في المنطقة وإجراء تدريبات مع كوريا الجنوبية واليابان. واعتبر الرئيس الروسي أن «لدى بيونغ يانغ الحق في اتخاذ إجراءات معقولة، لتعزيز قدرتها الدفاعية، وضمان الأمن القومي وحماية السيادة».
أما الزعيم الكوري الشمالي فقد وصف المعاهدة بـ«الاتفاق الأقوى». ومن المرجح أن يزيد التعهد بالمساعدة المتبادلة من قلق واشنطن وحلفائها، وخاصة كوريا الجنوبية، لأنه لن يقدم المزيد من الدعم لحرب روسيا في أوكرانيا فحسب، بل يقوض أيضاً الجهود الرامية إلى كبح البرامج النووية والصاروخية لكوريا الشمالية.
اتفاقيات سابقة
معاهدة الصداقة التي جرى توقيعها بين البلدين عام 1961 بين بيونغ يانغ وموسكو، بموجبها التزم البلدان «بتقديم المساعدات العسكرية وغيرها من أشكال المساعدة على الفور»، بكل الوسائل المتاحة لهما، في حال وجد أحدهما نفسه في حالة حرب، لكنها أصبحت غير موجودة مع نهاية الاتحاد السوفياتي.
أما الاتفاقية التي وقعت في آخر زيارة لبوتين إلى كوريا الشمالية عام 2000، كانت تفتقر إلى بند التدخل العسكري التلقائي، بل تدعو فقط إلى «الاتصال» المتبادل في حالة نشوء حالة طوارئ أمنية، كما لم تنص أيضاً على المساعدات العسكرية.
وفي الوقت الذي وصفت كوريا الشمالية بوتين ب«أعز صديق»؛ فإنه يعتبر أول رئيس دولة كبرى يزور كوريا الشمالية منذ جائحة كورونا، ما يوضح الأهمية الخاصة لهذه الزيارة.
ورغم تقديم بوتين الشكر للزعيم الكوري الشمالي على الدعم المستمر والثابت للسياسة الروسية، بما في ذلك ما يتعلق بأوكرانيا، فإنه لطلما نفى البلدان ما يردده الغرب بقيادة الولايات المتحدة حول تلقي موسكو شحنات أسلحة، تتضمن قذائف مدفعية وصواريخ من كوريا الشمالية بعد اندلاع الحرب الأوكرانية الأخيرة.
في المقابل يسعى كيم إلى الحصول على مساعدة روسية لتخفيف نقص النفط في بلاده، وتحسين أنظمة الأسلحة وتقويض محاولات واشنطن خنق اقتصادها من خلال العقوبات الدولية.
التجارب النووية
التعهد الجديد بين البلدين يعتبره مراقبون تهديداً لمحاولات واشنطن محاصرة التجارب النووية لكوريا الشمالية، ففي فترات سابقة انضمت روسيا إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات الأمم المتحدة على بيونغ يانغ بسبب برامجها النووية، ولكن يبدو أن تلك الأيام قد ولت.
ويقول الدبلوماسي الأميركي السابق الأميركي مايكل ماكفول: «لا أعتقد أن (بوتين) سيوقع على ذلك مرة أخرى.. أعتقد أنه قرر أننا العدو، وأن النظام الدولي الذي ترسخه الولايات المتحدة قد انتهى، ويريد أن يرى تدميره»، وفقا لما أورد موقع "الخليج".