الأبحاث والمناقشات حول ارتفاع مستويات الديون السيادية كثيرة ومتشعبة لأنها أصبحت مصدر قلق متزايد في العديد من البلدان خصوصاً في أعقاب اندلاع جائحة "كوفيد 19"، حيث قفزت الديون السيادية بشكل كبير نتيجة المساعدات التي قدمتها الحكومات للأسر والشركات. يقدر البنك الدولي في تقريره "آفاق الاقتصاد العالمي" الأخير أن يتفاقم الوضع بسبب توقع نمو اقتصادي عالمي ضعيف في المدى المتوسط وضغوط الإنفاق المتزايدة لمواجهة تحديات مثل تغير المناخ وشيخوخة السكان.
ويعني ذلك أيضاً أن لديهم مرونة أقل في الاستجابة للأزمات المستقبلية وحماية الاستقرار المالي. وبعض الاقتصادات، وخاصة البلدان المنخفضة الدخل تعاني بالفعل من ضائقة الديون. تثير هذه التحديات تساؤلات مهمة حول السياسة المالية والديون السيادية. يذكر تقرير البنك الدولي "آفاق الاقتصاد العالمي" على الرغم من تحسن توقعات النمو على المدى القريب، لا تزال الآفاق العالمية غير مبشرة وفق المعايير التاريخية. ففي الفترة 2024-2025، من المتوقع أن يتراجع أداء النمو عن المتوسط الذي كان سائداً في عام 2010 في نحو 60 في المئة من الاقتصادات التي بها أكثر من 80 في المئة من سكان العالم.
يقدر الدين العام في الربع الأول من 2024 بنحو 93 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ويتوقع أن يصل إلى حوالي 100% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2029%.
في الولايات المتحدة الأميركية والصين واليابان، من المتوقع أن تصل نسب الدين العام إلى 133 و106 و251 في المئة بحلول عام 2028، إن ارتفاع الديون في وقت ترتفع فيه أسعار الفائدة يعني ارتفاع تكاليف خدمة الدين الأمر الذي يحد الحيز المالي. ويتصدر المشهد مخاطر التطورات السلبية، لا سيما التوترات الجيوسياسية، وتفتت النشاط التجاري، وارتفاع أسعار الفائدة لفترات أطول، فضلاً عن الكوارث المرتبطة بالمناخ. وبالتالي، من الضروري التعاون الدولي لحماية التجارة، ودعم التحولات الخضراء والرقمية، وتخفيف أعباء الديون، وتحسين الأمن الغذائي. وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، يمكن للاستثمارات العامة أن تعزز الإنتاجية وتحفز استثمارات القطاع الخاص، مما يشجع النمو طويل الأجل.
وتعد الإصلاحات الشاملة للمالية العامة ضرورية للتصدي للتحديات المستمرة التي تواجه الدول الصغيرة، لا سيما بسبب زيادة التعرض للصدمات الخارجية. يتساءل كنجي أوكامورا، نائب مديرة صندوق النقد الدولي: ما الذي يجعل خطة خفض الديون مستدامة؟ وكيف يمكن للحكومات أن تلتزم بخطط التكيف الطموحة ولكن ذات المصداقية؟
من المتوقع أن تنمو مستويات الديون الأميركية خلال السنوات الخمس المقبلة وما بعدها. وهذا قد يعني ارتفاع أسعار الفائدة على المدى الطويل، والتي يمكن نقلها دولياً من خلال القنوات المالية.
من الممكن أن يساعد النمو، ولكن في ظل التباطؤ الكبير وواسع النطاق في الإنتاجية، يصبح هذا أقل احتمالاً في السنوات المقبلة. بالنسبة لمعظم البلدان، يعني خفض الديون اتخاذ خيارات صعبة للحد من عجز الموازنة - وبالتالي فإن بناء الدعم العام لهذه الجهود سيكون أمراً حيوياً. وقد أظهرت أبحاث البنك الدولي أن أطر المالية العامة ذات المصداقية على المدى المتوسط والرقابة القوية من قبل المؤسسات المالية المستقلة يمكن أن تساعد في هذا الصدد. ومن الممكن أن تكون قواعد المالية العامة مفيدة أيضاً في تثبيت التوقعات بشأن المسار المستقبلي للسياسة المالية.
ومن الممكن أن تنتقل الرغبة في المخاطرة أيضاً من المراكز المالية، مما قد يضر بالنمو والاستثمار العالميين. وقد يؤدي هذا إلى جعل المسارات المالية المستدامة في العديد من أنحاء العالم غير مستدامة. ويتعين على صناع السياسات أن يكونوا على استعداد لمواجهة هذا التحدي من خلال تعزيز سياساتهم وأطرهم المالية. وكما هو مبين في تقرير الراصد المالي الصادر في إبريل/نيسان 2024، فإن تشديد السياسة المالية في الولايات المتحدة يمكن أن يساعد أيضاً على الحد من الآثار غير المباشرة إلى بلدان أخرى من خلال القنوات المالية. ومن الممكن أن يساعد النمو، ولكن في ظل التباطؤ الكبير وواسع النطاق في الإنتاجية، يصبح هذا أقل احتمالاً في السنوات المقبلة. بالنسبة لمعظم البلدان، خفض الديون يعني اتخاذ خيارات صعبة للحد من عجز الموازنة - وبالتالي فإن بناء الدعم العام لهذه الجهود سيكون أمراً حيوياً. والرقابة القوية من قبل المؤسسات المالية المستقلة يمكن أن تساعد في هذا الصدد. ومن الممكن أن تكون قواعد المالية العامة مفيدة أيضاً في تثبيت التوقعات بشأن المسار المستقبلي للسياسة المالية.
ويستمر الدين العام الأميركي في لعب دور خاص باعتباره أصلاً آمناً عالمياً، مما يمنح حكومة الولايات المتحدة ميزة التمويل. ولكن هذه الامتيازات "الباهظة" من الممكن أن تتآكل. إن عائد الراحة مفيد للمصدر، ولكنه مستمد من الخدمة التي تقدمها التزامات الدولة تجاه النظام المالي العالمي. ولكن مع التشكيك في الجدارة الائتمانية للمصدر بسبب كثرة الديون، تقل ميزة التمويل. بالنسبة لاقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، فإن مخاطر السيولة السيادية ومخاطر التخلف عن السداد مترابطة. إن الأسئلة المتعلقة بمن يحمل الدين، وتكوين الدين، والقدرة على تحمل الدين، هي أسئلة بالغة الأهمية. وفي الختام أقترح أن تعد الحكومات موازنة للنفقات الجارية وأخرى للنفقات الرأسمالية وتعتبر النفقات الرأسمالية تقابلها أصول للاقتصاد.