سوريا

‏"مواجهات عن بعد".. هل تنزلق السويداء الى العنف؟ ‏ ‏

‏

أثارت "المواجهات عن بعد" التي عاشتها محافظة السويداء، ‏ليلة الاثنين، بمعناها الحقيقي، بين مسلحين محليين ضد آخرين ‏يتبعون للجيش السوري مخاوف جدية لدى سكان وناشطين من ‏‏"الانزلاق إلى العنف" وكسر حالة السلمية التي تشهدها ‏المنطقة ذات الغالبية الدرزية، منذ آب/أغسطس العام ‏الماضي.‏

وتخلل المواجهات إطلاق رصاص وقذائف من وباتجاه الأفرع ‏الأمنية ومقار "حزب البعث"، وجاءت اندلاعها في أعقاب ‏اتجاه جيش النظام السوري لإقامة حاجز أمني على مدخل ‏السويداء الشمالي، مما أثار غضب سكان وناشطين ‏معارضين، وعناصر تشكيلات محلية مسلحة.‏

ووفقا لشبكات إخبارية، بينها "السويداء 24"، أسفرت تلك ‏المواجهات عن إصابات بين الجانبين، وأحدثت خسائر مادية ‏في ممتلكات المدنيين، وقال صحافي من شبكة إخبارية أخرى ‏‏(الراصد) لموقع "الحرة" إن "المواجهات" هدأت صباح ‏الاثنين، في ظل الحديث عن "هدنة مؤقتة" و"مفاوضات".‏‎ ‎

‏"عصيبة على المدنيين"‏

وتركزت مواجهات ليلة الاثنين في محيط الحاجز الجديد ‏والمراكز الأمنية القريبة منه، بينها قسم "المخابرات الجوية" ‏ومبنى قيادة فرع "حزب البعث".‏

وامتدت إلى بلدة قنوات في الريف الشمالي والشرقي، ‏وتعرض فرع "أمن الدولة" الواقع على طريقها لعدة ضربات ‏بالقذائف الصاروخية.‏

ولا يعرف حتى الآن ما إذا كانت القوات السورية ستتراجع ‏عن إنشاء الحاجز الأمني على مدخل مدينة المدينة أو قد ‏يضطر لسحبه وإعادة نشر حاميته في مواقع أخرى، استجابة ‏للمطالب الشعبية والمحلية.‏

وكانت خطوة إنشاء الحاجز الأمني جاءت بشكل مفاجئ ‏وبالتزامن مع تواصل الاحتجاجات السلمية ضد نظام الأسد في ‏‏"ساحة الكرامة" وسط السويداء، حيث يردد المتظاهرون منذ ‏أكثر من 300 يوم شعارات تنادي بإسقاط بشار الأسد، ‏وتطبيق القرار 2254 الخاص بالحل في سوريا.‏

ويقول الصحافي معروف إن "المفاوضات متواصلة في الوقت ‏الحالي".‏

ويضيف أنها "إما أن تفضي لاتفاق ينهي حالة التوتر بإزالة ‏الحاجز من مكانه وسحب العناصر إلى ثكناتهم أو قد تدخل ‏المحافظة في دوامة عنف غير محسوبة النتائج، في حال ‏استمر تعنت مسؤولي الأجهزة الأمنية بعدم سحب الحاجز".‏

وسبق أن شهدت السويداء مواجهات بين تشكيلات عسكرية ‏مسلحة وقوات النظام السوري المتواجدة في الأفرع الأمنية ‏وعلى الحواجز المنتشرة في المنطقة.‏

لكنها لم تسفر في غالبية الأحيان عن قتلى أو إصابات، وظلّت ‏في نطاق "المواجهات عن بعد"، كما يشير الصحفي سليمان ‏فخر العامل في شبكة "الراصد" الإخبارية.‏

وعلى أساس ذلك يرى فخر أن "ليلة الاثنين كانت عصيبة ‏على المدنيين وليس على الفريقين المتضاربين"، مردفا ‏بالقول: "انكب رصاص وقذائف وصواريخ... لكن عن بعد".‏

حدث "مفصلي"؟

ومنذ بداية الاحتجاجات الشعبية على نظام الأسد في السويداء ‏اتبع الأخير سياسة عدم التعليق والتجاهل حيال ما ينادى ضده.‏

وكان لهذا التعاطي تفسيران: الأول أنه غير قادر على ‏استخدام القوة والعنف نظرا لحساسية المدينة الدينية، والثاني ‏أنه يعوّل على "ملل الشارع من تلقاء نفسه".‏

وعلى أساس ذلك، يستبعد الصحافي فخر أن يحصل تصعيد ‏من جانب أي طرف في الساعات المقبلة.‏

ويقول إن "أهالي السويداء يريدون إزالة الحاجز الأمني لأنه ‏نوع من القمع وتقييد الحرية، لاسيما وسط استمرارهم في ‏المناداة بمطالب إسقاط النظام وكف أذرعه الأمنية والحزبية".‏

لكن الناشطة السورية المشاركة في الحراك السلمي، لبنى ‏الباسط، ترى أن ما حصل ليلة الاثنين "سيكون مفصليا نوعا ‏ما بالنسبة لما تشهده المحافظة منذ أشهر طويلة".‏

وتوضح "كنا ومازلنا نؤكد على سلميتنا.. لكن في المقابل ‏نرفض محاولات نظام الأسد ترهيب السويداء".‏

ويسعى النظام، على حد تعبير الباسط، عبر إنشاء الحواجز ‏العسكرية إلى "تقطيع أوصال المحافظة وحصارها وملاحقة ‏من يقف ضد نظامه القمعي".‏

وتضيف: "هذا الحواجز لم تكن يوما لحفظ الأمن، بل على ‏العكس كانت لقمع السكان وابتزازهم اقتصاديا ونشر الفلتان ‏الأمني والسماح بعبور شحنات المخدرات".‏

‏"مخاوف من الانزلاق للعنف"‏

الناشطة الحقوقية، ريما فليحان تؤكد من جانبها أن "من المهم ‏جدا عدم الانجرار إلى العنف وضبط النفس، وعدم الانجرار ‏إلى العنف".‏

وبينما ترى أن "وجود الحواجز الأمنية مستفز وخطير لما ‏يحمله من احتمالات لاعتقالات"، تقول إن "التصعيد نحو ‏الاقتتال المسلح قد تكون له عواقب وخيمة في ظل انشغال ‏العالم بملفات ساخنة في المنطقة".‏

وثمة مخاوف، بحسب فليحان "من استغلال النظام لما حدث، ‏ليصعد عسكريا ويخمد الحراك السلمي الحضاري المستمر لما ‏يزيد عن 300 يوم".‏

وتضيف أن "الانزلاق نحو العنف ليس من مصلحة أحد، ‏وستكون له آثار كارثية على المحافظة".‏

ولا ترى الناشطة لبنى الباسط أن ما حصل ليلة الاثنين "لجوء ‏إلى العنف.. بل إلى التهديد".‏

وتقول إن المواجهات "رسالة من سكان السويداء برفضهم ‏المطلق للوجود العسكري الترهيبي لقوات الأسد في ‏السويداء".‏

وفي المقابل تعتبر أن "العنف هو لغة النظام السوري"، وأن ‏الأخير "هو من يحاول جر أي احتجاج سلمي للسلاح كما فعل ‏في السابق".‏

ما المتوقع؟

وكان الحراك السلمي في السويداء، الذي انطلق في أغسطس ‏‏2023، أخذ خلال الأشهر الماضية عدة أشكال. كان اللافت ‏منها إقدام المحتجين على تخريب مقار "حزب البعث" وحرق ‏صور بشار الأسد، وأبيه حافظ، وصورة "الدولة الأمنية"، أو ‏كما يصفها الموالون بـ"دولة الأسد".‏

وقبل مواجهات ليلة الاثنين كان محتجون بدأوا بإزالة تمثال ‏لأخ بشار الأسد الراحل باسل الأسد، وذلك عند مدخل السويداء ‏الشمالي أيضا.‏

ويشير الناشط السياسي، مشهور حمشو، إلى أن ما حصل لا ‏يمكن فصله عما شهدته السويداء من سلسلة أحداث في الأيام ‏الماضية، كان من بينها ترهيب المتظاهرين في "ساحة ‏الكرامة" عن طريق رمي قنابل قبل تجمعهم للهتاف ضد الأسد ‏هناك، وما تبع ذلك من حوادث خطف استهدفت مؤخرا رجل ‏الدين الدرزي، رائد المتني.‏

ويربط حمشو، في حديثه لموقع "الحرة"، ما يحصل أمنيا من ‏جانب النظام السوري في السويداء بالمحافظ صاحب الخلفية ‏السيئة، الذي تم تعيينه مؤخرا.‏

ويقول إنه "يحاول تطبيق الحل الأمني" بينما "شبابنا يصرون ‏على إزالة الحاجز الأمني في مدخل السويداء، وأي حاجز ‏تفتيش آخر".‏

كما يضيف أن "الإدارة قوية والمرجعية الدينية الممثلة بالشيخ ‏حكمت الهجري ممتازة.. نحنا نقف عند كرامة أهلنا ومطالبنا ‏بالخلاص من السلطة الحاكمة.. ودائما صاحب الأرض هو ‏الأقوى".‏

و"عندما يستقدم النظام السوري دبابات وأسلحة ثقلية إلى وسط ‏مدينة السويداء لا يوجد خيار لنا سوى رفض هذا السلوك ‏العنيف الإجرامي"، كما تتابع الناشطة، لبنى الباسط.‏

وتضيف: "يحاول النظام دائما استغلال الأحداث لخدمة ‏مصالحه. هو يدعى أن الحواحز لحفظ أمن السويداء من ‏الدواعش، ولكن الجميع يعلم كيف سهل دخول التنظيم ‏الإرهابي إلى المحافظة عام 2018".‏

المصدر: الحرة

يقرأون الآن