دولي

رفضوا الخدمة.. جنود إسرائيليين يكشفون عن "جرائم حرب" ‏في غزة

رفضوا الخدمة.. جنود إسرائيليين يكشفون عن

في سابقة ربما لم تحدث منذ بداية حرب غزة، خرج ثلاثة ‏جنود إسرائيليين بأسمائهم الحقيقية ليتحدثوا إلى وسائل الإعلام ‏عن سبب رفضهم الاستمرار في الخدمة خلال الحرب ‏الجارية. وأكدوا في حوار مع صحيفة «هآرتس» عن الأسباب ‏التي دفعتهم لتوقيع رسالة «رفض القتال» مع جنود آخرين، ‏ومن بينها وقائع صادمة قد ترقى إلى «جرائم حرب».‏

ويقول الجندي يوفال إنه كان مكلفاً بإشعال النار في مبنيين ‏سكنيين؛ فيما أدرك زميله مايكل عدد المدنيين الذين من ‏المرجح أن يُقتلوا أثناء كل قصف شاهده؛ بينما انهار تال ‏عندما دخلت إسرائيل رفح.‏

فاردي واجتياح رفح

ويقول تال فاردي (28 عاماً) إنه يعمل مدرساً في القدس، ‏وغاب لفترة طويلة عن المدرسة الثانوية التي يدرس فيها لأنه ‏تم استدعاؤه للخدمة الاحتياطية، في مفاجأة لطلابه نظراً لكونه ‏كان مدرساً يحب السياسية، وله مواقف واضحة بشأن معظم ‏القضايا، وكان الأكثر يسارية بين المدرسين الذين تم ‏استدعاؤهم للخدمة.‏

ويكشف فاردي أنه في نهاية الشهر الماضي، وقع إلى جانب ‏‏41 جنديا، احتياطيا، آخرين يخدمون في الجيش، منذ السابع ‏من أكتوبر/تشرين الأول، على أول رسالة رفض ينشرها ‏جنود الاحتياط منذ بداية الحرب في قطاع غزة. ويوضح ‏‏«أخبرني أحد الأصدقاء: كنت في مجمع الشفاء بدبابتي.. وبعد ‏أربعة أشهر أرسلوا لي استدعاء طارئاً آخر للعودة إلى نفس ‏المكان، لاحتلال الأماكن التي احتللتها بالفعل».‏

وفاردي، قائد فيلق الدبابات، يؤكد أنه إذا تم استدعاؤه إلى ‏وظيفة تتعلق بالقتال في غزة، فسوف يرفض. ويتذكر قائلاً: ‏‏«عندما عدت من الخدمة الاحتياطية بدأت أتساءل إلى أين ‏يتجه هذا الأمر». ويقول إنه بعد السابع من أكتوبر لم يكن ‏لديه أي شك في أن إسرائيل ستبدأ عملية برية في غزة، وأنها ‏ستستمر لبضعة أشهر، وأنها في النهاية ستعيد الرهائن. ولكن ‏مع مرور الوقت، زادت شكوكه، جزئياً بعد محادثات مع ‏أصدقاء يخدمون في الجيش المهني والاحتياط.‏

وبالنسبة إلى فاردي، جاءت نقطة التحول عندما اختارت ‏إسرائيل عملية برية في رفح بدلاً من توقيع صفقة لإطلاق ‏سراح الرهائن، وإنهاء الحرب. ويقول: «في اللحظة التي ‏بدأت فيها العملية في رفح، شعرت بأنها تجاوزت ما يمكنني ‏أن أشعر بأنه صحيح أخلاقياً، وأن أقف وراءها، وأبررها».‏

عبور الخط الأحمر

يؤكد يوفال جرين، وهو طالب يبلغ من العمر 26 عاماً، مظلي ‏احتياطي، أنه حتى قبل السابع من أكتوبر/تشرين الاول لم يكن ‏قد اتخذ قراراً بشأن الاستمرار في أداء الخدمة الاحتياطية، ‏نظراً لمعارضته للاحتلال، وسياسة إسرائيل في الضفة ‏الغربية. ‏

ويقول إنه في الثامن من أكتوبر/تشرين الاول ، وضع شكوكه ‏الأخلاقية جانباً، وتم تجنيده في الاحتياطي. وبعد بضعة أشهر ‏من التدريبات والمهام في الشمال، أُرسلت الفرقة إلى منطقة ‏خان يونس. وكان ذلك في أوائل ديسمبر/كانون الأول، وبعد ‏ذلك فهم من التقارير أن إسرائيل ترفض بشدة الشروط التي ‏وضعتها حماس لتنفيذ صفقة جديدة لإنهاء الحرب.‏

ويقول جرين إنه لم يستطع أن يفهم السبب العملياتي وراء ‏إحراق مبنى سكني، ويؤكد: «كان هذا خطاً أحمر حددته ‏لنفسي، لكنني تجاوزته. كانت الفرقة مهمة بالنسبة إلي.. وقد ‏تم تجاوز خط أحمر آخر عندما أمر قائد الفرقة بإحراق أحد ‏المنازل التي كانوا يقيمون فيها، عندما حان الوقت لمغادرتها. ‏وكانت الفرقة قد أحرقت منازل من قبل، لكن هذا تم في ‏مناطق مخصصة للهدم بسبب قربها من الحدود».‏

وفي هذه المرة، لم يستطع جرين أن يفهم السبب العملياتي ‏وراء إحراق مبنى سكني. ويتذكر: «لقد تحدثت إلى قائد ‏السرية، وحاولت أن أفهم السبب. هل نعرف أن هذا المنزل ‏هو منزل أحد مقاتلي حماس؟».‏

ويقول جرين إن قائد السرية أوضح له أنه كان لابد من إحراق ‏المنزل حتى لا يتركوا فيه معدات عسكرية، ويكشفوا عن ‏أساليب القتال التي يتبعها الجيش، لكن جرين لم يقتنع. ويقول ‏إن المعدات يمكن إزالتها، ولا توجد أساليب قتالية خاصة ‏يمكن الكشف عنها من خلال النظر إلى منزل يقيم فيه الجنود. ‏ويضيف: «قلت له إذا كنا نفعل ذلك، فسأرحل. وقد أحرقوا ‏المنزل بالفعل وغادرت. ذهبت خلال الإجازة التالية ولم ‏أعد».‏

ويؤكد أنه لم يتلق استدعاء طارئاً منذ ذلك الحين. وأنه لا ‏ينوي التقدم للخدمة الاحتياطية مرة أخرى إذا ما تم استدعاؤه ‏للقيام بذلك. ولم يفكر مطلقاً في كيفية التعامل مع العقوبات ‏المحتملة لرفضه الخدمة. ويوضح قائلاً: «عندما اعتقدت أنني ‏لابد أن أكون في الجيش، كنت هناك وخاطرت. لذا فأنا هنا لا ‏أخاطر بحياتي، بل أخاطر بمكانتي الاجتماعية، وهذه المجازفة ‏تستحق إنقاذ أرواح بشرية، والقيام بما أؤمن به».‏

القتل بلا سبب منطقي

أما مايكل عوفر زيف، 29 عاماً، وهو من تل أبيب، فقد وقّع ‏أيضاً على خطاب رفض القيام بمزيد من الخدمة الاحتياطية. ‏وكان جندياً مقاتلاً في لواء مشاة، وخدم لاحقاً كضابط عمليات ‏في اللواء السادس عشر، ويقول إنه في أكتوبر/تشرين الأول، ‏قطع إجازة في تركيا بعد تبليغه عن الخدمة. وكان مكلفاً ‏بالمراقبة، من مقر اللواء، حيث كان يتابع في الوقت الحقيقي ‏الطائرات من دون طيار، وغارات سلاح الجو الإسرائيلي ‏على غزة.‏

ويقول: «أراهم يدمرون المركبات، والمباني، والأشخاص. ‏وفي كل مرة يسقط فيها مبنى، يقول الجميع «واو!».. كثير ‏من الناس، بمن فيهم أنا، لديهم تجربة «واو»، إنه جنون، ‏وهناك من يقولون نحن نريهم، ونخدعهم، وننتقم منهم.. هذه ‏هي الأجواء التي تسمعها في غرفة الحرب.»‏

ويؤكد أنه استغرق أسبوعاً، أو أسبوعين، قبل أن يدرك أن ‏‏«كل ما رأيته مبان تنهار.. وإذا كان هناك أشخاص بداخله، ‏فإنهم ماتوا. وحتى إذا لم يكن هناك أي أشخاص بالداخل، فإن ‏كل شيء هناك أجهزة التلفاز، والذكريات، والصور، ‏والملابس قد اختفى. إنها مبان شاهقة الارتفاع. وفي غرفة ‏الحرب، يعرفون مستوى الإخلاء.‏

ويضيف: «إنهم يستمرون في القول إن 50% من السكان تم ‏إجلاؤهم وفي نفس اليوم، رأيت مبنى في المنطقة ينهار وقلت ‏لنفسي: ولكن 50% ما زالوا هناك.. وفي الوقت نفسه، كانت ‏هناك أيضاً عمليات قصف في جنوب غزة، ونحن نعلم أنه لم ‏يتم إخلاء أحد من هناك. بل على العكس من ذلك، فر الجميع ‏إلى هناك».‏

سهولة إطلاق النار

يقول عوفر زيف، إنه عندما دخل لواءه غزة، وكانت مسؤولية ‏إطلاق النار والقصف في المنطقة تقع على عاتقهم، فقد ‏حصلوا على إذن بإطلاق النار بسهولة نسبية. ويضيف: ‏‏«هناك مناطق يُحظر فيها إطلاق النار من دون موافقة القيادة، ‏لأسباب مختلفة. على سبيل المثال، يُحظر قصف المباني ‏القريبة من المناطق السكنية المدنية. وفي النهاية، نطلق النار ‏أحيانًا بالطبع. تحصل على إذن استثنائي. يتم إيلاء الاهتمام ‏بالرهائن، ولكن لا يوجد شعور بوجود إشراف قوي بشكل ‏خاص».‏

ويضيف: «عندما سألني أحد القادة في وقت ما، عمّا إذا كنا ‏سنحصل على إذن لإطلاق النار في مكان ما، قلت له: ‏سنحصل على الإذن، والسؤال الوحيد هو متى.. بعبارة ‏أخرى، كان الشعور السائد هو أنه يمكنك إطلاق النار أينما ‏تريد. عليك الحصول على إذن، ولكن سيكون هناك إذن. إنه ‏أمر بيروقراطي فقط.. يمكنني أن أحصي على أصابع يد ‏واحدة المرات التي قيل لنا فيها لا يمكنكم إطلاق النار هناك».‏

ويقول عوفر إنه شعر بالارتباك عندما شاهد قصف القوات ‏الجوية من المقر. ومن السهل أن نقول: «هكذا هي الحال في ‏الحرب؛ الناس يُقتَلون.. ولكن في الحرب لا يُقتَل 30 ألف ‏شخص، معظمهم دُفنوا تحت الأنقاض عندما يتم قصفهم من ‏الجو. الشعور هو إطلاق نار عشوائي».‏

أهداف عشوائية

يقول أحد الموقعين على رسالة الرفض ولم يذكر اسمه، إنهم ‏كانوا يتلقون على سبيل المثال «قائمة بخمسة أو ستة أشخاص ‏مهمين بما فيه الكفاية، وإذا تمكنا من الوصول إليهم، فسوف ‏نلحق الضرر بقدرات حماس». ويضيف: «في لحظة ندرك ‏أننا غير قادرين على ضرب هؤلاء الأشخاص المهمين ونبدأ ‏بالبحث عن أهداف أخرى، لم يسمع بها أحد من قبل، وفجأة ‏نقول لأنفسنا أنهم مهمون أيضاً».‏

ويكشف: «نبدأ بمطاردة هذا الشخص كأنه الهدف الأكثر ‏أهمية في العالم، وفي النهاية، عندما نفجره نقول ليس لدينا أي ‏مشكلة في وجوده الآن في المنزل مع العائلة بأكملها»، على ‏الرغم من عدم وجود أي مؤشر على أن قتل هذا الشخص له ‏أي مبرر عسكري حقاً. ويستطرد: «شعرت بأن ما أفعله لا ‏طائل منه. نحن فقط نطارد الرؤوس من أجل إثبات نوع من ‏الإنجاز، من دون أي استراتيجية، أو توجيه».‏

وبالنظر إلى ما جاء على لسان الجنود الإسرائيليين الثلاثة، ‏وغيرهم، فإن هذه التصرفات قد ترقى بالفعل إلى «جرائم ‏حرب»، في ظل نظر المحكمة الجنائية الدولية في إصدار ‏قرار اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ‏ووزير دفاعه غالانت، إضافة إلى عدد من قادة حماس.‏

يقرأون الآن