من المهم تسليط الضوء والإشادة بمواقف الكثير من يهود إسرائيل وخارجها، من قضايا إنسانية وحيوية كثيرة، ومنها القضية الفلسطينية، ولا نجد في جانبنا إلا القلة التي ترغب، أو لا تتجرأ على قول ما يماثل ذلك، وهذا ما ميّز يهود أوروبا بالذات، طوال التاريخ الحديث، على الأقل. فقد كانت لهم مواقفهم وإنجازاتهم الإنسانية، التي لا يتسع المجال لسردها، وسرد أسماء وسير ومواقف العشرات من هؤلاء، ممن قاموا بأدوار وأمور لم يقم بها، تقريباً، أحد في عالمنا، من توثيق للقضية ووضع الكتب والدراسات عنها، ودفعوا غالياً ثمن مواقفهم، ليس أقلها إجبارهم على ترك "وطنهم" هرباً من المضايقات والتهديد بالقتل.
أجرت مذيعة الـCNN، كريستيان أمانبور، لقاء مع عامي أيالون، الرئيس الأسبق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، تطرقت فيه لحادثة استخدام الجنود الإسرائيليين جريحاً فلسطينياً كدرع بشرية، وقيام غيرهم بالتقاط صور سلفي معيبة، فأجاب أيالون أنه أمر فظيع بالفعل، وأن الجيش الإسرائيلي والسياسيين يفقدون أخلاقهم وإنسانيتهم، فوق فقدهم لهويتهم كأشخاص، كيهود وكبشر.
صدمت إجابته المقدمة أمانبور، فسألته: هل فكرت يوماً أنك ستقول هذا الكلام، كونك الرئيس السابق لجهاز أمن إسرائيل، فرد، بكل صدق وعفوية: نعم. فعادت لسؤاله: هل فكرت يوماً أنك ستصل إلى هذه المرحلة؟ فرد بنعم، وأنه حذّر مراراً القيادة من تدهور عامل الأخلاق في الجيش الإسرائيلي، وفي مدونة قواعد السلوك، فعندما يذهب الجنود للحرب، فإنهم يذهبون لقتل غيرهم، وليس للتفاوض! لكن ذلك يتناقض مع الوصايا الدينية التي تقول: "يجب ألا تقتل"، وتجاهل هذه الأمور خلق لدى الجنود شعوراً بأن القتل أمر طبيعي، وهذا أمر خطير في كل حرب. لقد رأينا ذلك عبر التاريخ، مثل ما فعله الأميركيون في العراق وأفغانستان، وما فعلته إسرائيل مراراً وتكراراً، وإن على قومه أن يدركوا أن كل حرب يجب أن تنتهي، وبغير ذلك سيفقد اليهودي الإسرائيلي هويته كبشر وكديمقراطي. وقال إن أمن إسرائيل يجب ان يرتكز على أمرين: المحافظة على القوة العسكرية الهائلة، وأن تفهم إسرائيل التحدث بالدبلوماسية وبلغتين، لكي تنعم بالأمان، وبغير ذلك سيفقد الجميع هويتهم، وأنه كان يتوقع قيام المزيد من جنرالات الجيش الإسرائيلي بالاعتراض على قرارات القيادة، دعماً للوصف الذي قاله قائد الجيش الإسرائيلي، عن وضع الحرب مع "حماس"، بأنه يشبه رمي الرمال في عيون الإسرائيليين، في محاولة لإقناعهم بإمكانية هزيمة "حماس".
وأضاف أيالون أن هناك حاجة ماسة ليعرف الإسرائيليون عن خطة اليوم التالي، فاستمرار غياب الخطة، التي ستسير عليها إسرائيل، خطير جداً. وشبّه وضع نتانياهو بذلك الذي يمتلك كاريزما القيادة، ولكنه يقود شعبه للمكان الخطأ. فإرسال الجنود للجبهة من دون هدف سياسي، مع استمرار القتال، يعني أن الحرب هي الهدف، وليست الوسيلة لغاية محددة.
وأضاف أيالون أن على القيادة الإسرائيلية تغيير تصورها للنفس وللشرق الأوسط، فحرب الشمال قادمة لا محالة، لأنها الحل الوحيد أمام نتانياهو، لأنه يؤمن بالقوة فقط. وقال إن إسرائيل ستتورط في حروب عدة مستقبلاً، لأن القيادة لا تريد أن تتعلم من درس السابع من أكتوبر، اللحظة الأكثر فظاعة في التاريخ الإسرائيلي الحديث، فقد أخبرت "حماس" الإسرائيليين برأيها، وأن لا سلام من دون إنهاء الاحتلال.
وفي جانب آخر، قال العميل السابق في الاستخبارات الداخلية الإسرائيلية (الشين بيت)، جونين بن إسحاق، الذي بات معارضاً كبيراً لنتانياهو، إن رئيس الوزراء "يُدمّر" بلده، وان الحكومة ظنت أن حركة حماس غبية، لكن تبيّن الآن أنها أكثر ذكاء منا.