بين

انشغلت أغلب الأوساط الإعلامية والسياسية، في ترقب ومتابعة الأخبار عن اجتماع الموفد الرئاسي الأميركي، آموس هوكشتاين، بالموفد الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، في العاصمة الفرنسية باريس.. على أمل تسقُط أخبار جديدة، عن حركة أو مبادرة ما، أو مسعى محدد فيما يتعلق بحالة لبنان الكارثية، لجهة استمرار مأزق الفراغ الرئاسي، وفي الوقت عينه استمرار "حرب المشاغلة" في الجنوب، المرشحة دائماً وفي أية لحظة، لأن تصبح واسعة وشاملة، بالتوازي مع الحرب الطاحنة الدائرة في غزة منذ السابع من تشرين الأول الماضي.

في الواقع، فإن انتظار تباشير أخبار إيجابية محددة، قد تأتي من باريس في هذه الفترة، نتيجة اجتماع الموفدين الرئاسيين، هو في الحقيقة كمن ينتظر السراب في الصحراء.

إذ أن اجتماع هوكشتاين بلودريان، يماثل لقاء ممثلي تفليسة غير معلنة حتى الآن، ومن غير الممكن أن تنتج سوى الأوهام والكلام العام والنيات الحسنة والآمال الإيجابية المكررة.

آموس هوكشتاين، موفد ومندوب الرئيس الأميركي جو بايدن، المقبل على انتخابات رئاسية، ليس ما يضمن حتى الآن أنه سيخوضها، وإذا ما كان حزبه، أي الحزب الديمقراطي سسيُبقي عليه مرشحاً منافساً لمرشح الجمهوريين دونالد ترامب، على وجه الخصوص بعد نتائج المناظرة الرئاسية الأخيرة الكارثية، والتي ثبت فيها فشل وبهدلة بايدن أمام منافسه الجمهوري المجنون والأخرق، الرئيس السابق ترامب.

عملياً، هوكشتاين الآن هو موفد لرئيس ليس من المضمون استمراره مرشحاً لخوض السباق، وإذا ما بقي فيه، ليس مضموناً فوزه بمواجهة منافسه المتقدم عليه حتى الآن.

الحالة نفسها تنطبق على جان إيف لودريان، الدبلوماسي الفرنسي المخضرم والعتيق، الذي يمثل رئيس فرنسا. إذ ليس من المعروف ماذا سيحل به بعد الدورة الانتخابية الثانية والتي سبقتها الدورة الانتخابية الأولى، والتي أدت إلى تقدم صفوف اليمين المتطرف في فرنسا لأول مرة في التاريخ الحديث.

إن لقاء هوكشتاين بلودريان ليس له أي تأثير أو جدوى عميقة أو فعلية، سوى استمرار الآمال والوعود لبلد بائس، وميؤوس منه. إذ يشابه تماماً المثل العامي القائل: "إجا المستوي عند المهتري..".

فلا هوكشتاين "المستوي" يملك الآن حبة دواء، بعد البهدلة والمهزلة التي طالت رئيسه الضائع، ولا لودريان "المهتري" قادر على تأمين أي أمر الآن بعد حالة الصدمة التي تعيشها فرنسا بشكل خاص، نتيجة تقدم صفوف اليمين المتطرف في الدورة الانتخابية الأولى.

الحالة الراهنة في الولايات المتحدة، لا أحد يملك أية أجوبة بصددها. أي ماذا سيكون مصير بايدن والحزب الديمقراطي، وماذا سيحدث إذا ما وصل دونالد ترامب المجنون إلى الرئاسة الأولى في البيت الأبيض؟

في المقابل، فإن الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية في فرنسا، لا أحد يملك الجواب عليها أيضاً. إذ أن أكثر السيناريوهات إيجابية تتحدث عن أزمات مفتوحة، في ظل احتمالات تنافس شديد واضطراب أشد في فرنسا بعد الانتخابات، التي ستختلط فيها الأمور، وما من فريق سيكون قادراً على الحكم والقرار في حالة مشابهة لحالة لبنان، بعد الانتخابات الأخيرة التي جرت، وضاعت فيها الأغلبية في مجلس النواب الحالي، بين شراذم ومجموعات النواب الموزعين بين هنا وهناك وهنالك!

في هذه الحالة، فإن الحديث الوحيد المسيطر الآن، وحتى فترة ليست بقصيرة هو حديث الميدان في غزة، وهل سيتم التوصل إلى اتفاق وهدنة أم لن تنجح المساعي بذلك؟ وبما أن حزب الله ومن خلفه إيران تربط كل التطورات بالحرب الدائرة في غزة، فإنه من الطبيعي أن لا تتحرك أو تنجح أية حلول في لبنان، طالما أن حرب غزة مندلعة ومشتعلة على وجه الخصوص، في ظل وجود معارضة خشبية مشتتة ومتفرقة بين معراب والصيفي وميرنا الشالوحي.

السيناريوهات المتداولة بين المتابعين والمعنيين تتحدث عن أن إيران نفسها، المسيطرة والمتحكمة بالأذرع الميليشياوية المقاومة في المنطقة، هي بانتظار تبلور نتائج انتخاباتها الرئاسية وحسم النتيجة فيها، ومن سيكون الرئيس المقبل للجمهورية في إيران، وما هي توجهاته الرئيسية والفعلية، وكيف سيتعاطى مع الملفات الأساسية. وكل ذلك وسط أحاديث أن المباحثات الإيرانية الأميركية التي كانت تتم في العاصمة العمانية، مسقط، قد تتابع بعد اتضاح صورة الحكم في طهران. وهناك من يقول إن إيران التي كانت منخرطة في مباحثات ومفاوضات مع أميركا، لن توافق على حسم أي ملف إلا بعد اتضاح صورة انتخابات الرئاسة في أميركا.

صعوبة المشكلة والمحنة التي وقع فيها لبنان، أنه بات أسيراً في أيدي خاطفيه من القوى الإقليمية والدولية والوكلاء المحليين. هذه القوى الداخلة والمنخرطة الآن في مفاوضات ومنازعات عدة، ماضية في التطور والتعقيد. وقد بات مصير لبنان ومصير رئاسته ودولته المعلقة، مرتهناً لإرادات من يمسكون بالبندقية والمدفع والصاروخ والقنبلة والمسدس، لا بيد شعبه المنكوب والمعذب والمتألم والمنعدم الحيلة والإرادة والقدرة على التدبير.

المدن

يقرأون الآن