في ظل أجواء ترسخ القناعة بأن زمن المواجهات الدائرة في الجنوب سيطول، ومع عدم القدرة الداخلية أو الخارجية على إنجاز تسوية سياسية تعيد تشكيل السلطة، بدأت الكواليس الداخلية والديبلوماسية تشهد نقاشاً مستفيضاً حول كيفية التكيف السياسي والإداري وفي المؤسسات مع الوقائع القائمة والقادمة.
وطالما أن مسألة التعيينات الجديدة في ظل حكومة تصريف الأعمال وغياب رئيس للجمهورية مستبعدة، يتم البحث عن صيغ للتمديد مجدداً لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وموظفي الفئة الأولى. الأهم في هذا المجال التركيز على منصب قيادة الجيش، إذ بدأ النقاش حول التمديد لسنة جديدة لقائد الجيش جوزاف عون الذي تنتهي ولايته في كانون الثاني 2025 وفق ما ورد في "المدن".
فُتح النقاش قبل ستة أشهر من الموعد المفترض، وتتداخل فيه حسابات متعددة. فقد بدأت إثارة الموضوع دولياً وديبلوماسياً وسط تشكل قناعات بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مصرّ على مواصلة الحرب على غزة إلى ما بعد الإنتخابات الأميركية؛ وبما أنه يراهن على وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة فهذا يعني أن الحرب مؤجلة إلى ما بعد السنة الجديدة، بينما في لبنان هناك رفض واضح لعدم إنجاز أي تسوية سياسية لإعادة تشكيل السلطة قبل تبلور صورة وضع ما بعد الحرب وتداعياتها ونتائجها. يأتي ذلك أيضاً في ظل اهتمام دولي بوضع الجنوب وضرورة خفض التصعيد أو حصره بنطاق معين لعدم الإنجرار إلى حرب واسعة أو شاملة، بالإضافة إلى رهان أساسي على دور الجيش اللبناني، لذلك طرحت فكرة التمديد لقائد الجيش ومعه رؤساء الأجهزة الأخرى وبعض المدراء العامين.
خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن طرحت فكرة التمديد لعون من قبل بعض الشخصيات والمسؤولين، وقد وصلت الفكرة إلى مسامع القوى السياسية اللبنانية التي تنوعت آراؤها، بين من يؤيد ومن يرفض أو يطرح أفكاراً أخرى كتولية مهامه إلى رئيس الأركان، أو فكرة تعيين بديل.
في هذا السياق، جاءت أزمة الكلية الحربية والتي برزت مساع لحلّها، خصوصاً أن تعطيلها يعطي انطباعاً سلبياً عن لبنان الذي يعلن في كل المحافل واللقاءات والإجتماعات بأنه يحتاج إلى تعزيز الجيش وإدخال عناصر جديدة لنشرها في الجنوب، ويطلب اللبنانيون مساعدات خارجية لتحقيق ذلك، وبالتالي لا يمكن عرقلة نتائج الكلية الحربية. طرحت فكرة فتح باب تطوع جديد للكلية لحلّ المشكلة العالقة بين قائد الجيش ووزير الدفاع.
تحت سقف هذا الطرح، بدأت تدور مفاوضات حول حلّ المشكلة مقابل فتح النقاش الجدي في التمديد لقائد الجيش، وبذلك يكون تراجع عن رفضه فتح باب التطوع مجدداً إلى الكلية الحربية مقابل التمديد له.
إلا أن المعارضين لفكرة التمديد يطرحون فكرة تراجع وزير الدفاع عن الطعن الذي قدّمه بحق رئيس الأركان، وبالتالي يصبح رئيس الأركان أصيلاً وقادراً على تسلّم صلاحيات قائد الجيش. هناك من ذهب إلى التيار الوطني الحرّ ورئيسه جبران باسيل لمناقشته بهذه الفكرة في حال أراد تجنّب خيار التمديد لقائد الجيش، وهذا جزء من النقاش المفتوح أيضاً في البلد، إلا أن الإتجاه الآخر والذي يتقاطع مع رغبة إقليمية ودولية يتلخص في ضرورة التمديد لقائد الجيش في ظل هذه الظروف القائمة.
ليست هذه الأفكار التفصيلية الوحيدة المطروحة في البلد والتي تضج بها الكواليس السياسية، بل على هامشها نقاشات أخرى تتصل بالعمل على تسوية أو صفقة ما تحت سقف التسوية الرئاسية طالما أنها غير متاحة. وعلى ضفاف هذه الأفكار، يتم الحديث تارة بالإنتخابات النيابية المبكرة، أو بأن الإنتخابات الرئاسية ستبقى متأخرة إلى أن يحين موعد نهاية ولاية المجلس النيابي، لذلك تبحث بعض الكتل النيابية أفكاراً جديدة تتصل بإدخال تعديلات على قانون الإنتخاب، وسط تنازع بين فكرتين فكرة تشبث التيار الوطني الحرّ بتخصيص 6 مقاعد لتمثيل الإغتراب، وبين من يطرح إلغاءها مجدداً، بالإضافة إلى نقاش آخر يتصل بتعديل مسألة اعتماد صوتين تفضيليين بدلاً من صوت تفضيلي واحد. كل ذلك يندرج في سياق “تعبئة الوقت السياسي” بانتظار حسم مسار الحرب على غزة ومواجهات الجنوب بحسب "المدن".