عربي

حكم غزة بعد الحرب يجمع الفصائل الفلسطينيّة في الصين

حكم غزة بعد الحرب يجمع الفصائل الفلسطينيّة في الصين

أجواء مشحونة رافقت تصريحات مسؤولين من حركتي "فتح" و"حماس" إبان المجازر الإسرائيليّة الأخيرة في غزة، وصلت إلى حدّ التخوين والاتهامات بالعمالة والمسؤولية عن الدماء التي تسقط، ومطالبة عدد من الفصائل السلطة الفلسطينية بسحب بيان الرئاسة الذي حمّل إسرائيل و"حماس" معاً مسؤولية استمرار الحرب وسقوط الضحايا.

العلاقة المتوتّرة بين الجانبين ليست وليدة اللحظة أو الحرب الأخيرة، بل متجذّرة تاريخياً وتتفاوت حماوتها وفقاً للمرحلة، وبلغت ذروتها في العام 2007، عندما طردت "حماس" قسراً "فتح" من قطاع غزة بعد فوزها في الانتخابات التشريعية في الأراضي الفلسطينية في العام السابق. ومنذ ذلك الحين اتسعت المسافة بينهما.

محاولات عدّة جرت بعدها لإنهاء ما بات يُعرف بـ"الانقسام الفلسطيني"، فخاض الجانبان صولات وجولات من المحادثات في مصر والجزائر وتركيا وروسيا والصين، ورغم أنّ بعضها حقّق تقدّماً جزئياً في النقاط الخلافيّة إلا أنّها لم تتكلّل بالنجاح في النهاية.

شكل الحكم

بعد تأجيل جولة الحوار الماضية التي كانت مقرّرة في حزيران/يونيو في بكين، بطلب من "فتح"، وما رافقها من عاصفة اتهامات متبادلة بالمسؤولية عن تعطيل المصالحة، كشف مسؤولون من الحركتين أنّ اجتماعاً بين كافة الفصائل الفلسطينية، سيُعقد نهاية الأسبوع ويستمر ليومين، في العاصمة الصينية.

وسيرأس وفد "حماس" رئيس المكتب السياسي اسماعيل هنية، فيما سيرأس وفد "فتح" نائب رئيس الحركة محمود العالول. وتُجمع مصادر من الجانبين على أنّ "لا اجتماع تمهيدياً بينهما" يسبق اللقاء بين الفصائل، وهو أمر ربما يكون غير مبشّر ويدلّ على تباعد إضافي في مسار كلّ منهما.

وبطبيعة الحال فإنّ عنوان اللقاء العام هو "إنهاء الانقسام" انطلاقاً من الالتزام بما تم الاتفاق عليه سابقاً، لكنّ الهدف الأساس هو التفاهم على شكل الحكم بعد حرب غزّة، خاصة بعدما أبدى مسؤولون في "حماس" استعدادهم للتخلّي عن السيطرة المدنيّة على القطاع لصالح حكومة كفاءات، تكون مهمتها الأساسية تولي إعادة الإعمار.

ووفقاً للمتحدث باسم "فتح" جمال نزّال، يتضمّن جدول الأعمال الذي ستجرى مناقشته 8 نقاط.

يقول نزّال لـ"النهار العربي" إنّ "أهم ما ستتم مناقشته هو الالتزام بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، انضمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى المنظمة، احترام التزامات المنظمة والمعاهدات الموقّعة عليها، تسليم المعابر إلى الجهة الشرعية أي السلطة الفلسطينية، تفعيل عمل لجنة مشتركة تعنى بتوفير المساعدات لأهالي غزة، إضافة إلى وقف التحريض".

ويؤكّد المسؤول في "فتح" أنّ أجواء الحركة إيجابية حيال إمكانية تحقيق تقدّم في اللقاء، آملاً في أن تكون "الظروف قد أنضجت تفكير حماس. لأنّه لا يمكن النجاح من دون الوحدة الوطنية". ويوضح نزّال: "المساحة المشتركة موجودة، ولا حماس ولا فتح يمكنهما الحكم بمفردهما، فما البديل عن الصلح والوفاق؟".

في المقابل، يبدي مراقبون تشاؤمهم من إمكانيّة نجاح التنظيمين الفلسطينيين من تحقيق انفراجة ملموسة وسدّ الفجوات العميقة بينهما.

أما "حماس" فهي أكثر تحفّظاً في ما يتعلّق باللقاء وبرنامجه. يقول مصدر في الحركة لـ"النهار العربي": "نأمل خيراً، لكن لا يمكننا الحديث الآن عن تقدّم كبير سيحققه اللقاء في ظلّ المواقف الصادرة عن الرئاسة ومسؤولين في السلطة الفلسطينية".

الجهة الداعية

يشير المسؤول في "حماس" إلى أنّ "الصين هي الجهة الداعية إلى اللقاء ونحنا جميعاً تجاوبنا معها، لكن الفصائل لم تسعَ لعقد هذا الاجتماع".

والمفارقة هنا تكمن في عدم تأكيد بكين لموعد الاجتماع، ولا حتى إن كان سيُعقد أصلاً، واكتفى المتحدث باسم الخارجية الصينية لين جيان بأنّ بلاده "ستنشر معلومات في الوقت المناسب" بهذا الشأن، وهي مستعدة "لتوفير فرص لتحقيق المصالحة والوحدة بين كل الأطراف الفلسطينيّة عن طريق الحوار والتفاوض"، ما يشير إلى حذر صيني من عرقلة أي طرف للحوار أو الانسحاب منه.

رغم ذلك، يبدو أنّ الصين، التي تعمل منذ سنوات على توسيع علاقاتها ونفوذها في الشرق الأوسط، هي المستفيد الأكبر من استضافة اللقاء الذي يخدم الترويج لنفسها كوسيط على الساحة العالمية، بعد نجاحها سابقاً في تحقيق تقارب دبلوماسي ومصالحة صعبة بين إيران والسعودية.

ختاماً، من المستبعد أن يحقّق اللقاء المنتظر، إن حصل فعلاً، خرقاً كبيراً على صعيد مصالحة طويلة الأمد بين "حماس" و"فتح" نظراً لتباعد الأيديولوجيات والأهداف والمسارات، لكن قد يتمّ خلاله التوصّل إلى تفاهم مبدئي على نقاط خلافية ومنها حكومة ما بعد الحرب التي يُرجّح أن تتشكّل من أصحاب الكفاءات غير الحزبيين، لكن ملفات مثل المسؤولية عن المعابر أو حلّ "كتائب القسام" من الصعب أن تُحرز أيّ تقدّم راهناً.

وعلى افتراض أنّ الحركتين توصلتا إلى اتفاق بشأن الملفات المتنازع عليها، ماذا سيكون موقف إسرائيل التي ترفض أصلاً أن تشارك "فتح" و"حماس" بأيّ شكل في حكم غزّة مستقبلاً؟

يقرأون الآن