دولي

كواليس "عشاء السلطعون".. لماذا تحوّل أباطرة وادي السيليكون ‏لدعم ترامب؟

كواليس

قد تتجاوز المسافة بين وادي السيليكون في ولاية كاليفورنيا والبيت ‏الأبيض في واشنطن، 1500 كم، لكن ذلك التباعد الجغرافي، يكاد ‏يتلاشى عند النظر إلى مدى تأثير أباطرة شركات التكنولوجيا حالياً، ‏في ترجيح كفّة مرشح على الآخر في سباق الانتخابات الرئاسية ‏الأميركية، حيث بدأت ملامح هذا التأثير تتجلى بوضوح عندما اختار ‏المرشح الأوفر حظاً دونالد ترامب، لجيمس ديفيد فانس، ليكون نائباً ‏له، كأصغر نائب رئيس أميركي محتمل.‏

ويُعد اتجاه الأسماء الكبيرة في وادي السيليكون مقر شركات ‏التكنولوجيا الكبرى، نحو دعم دونالد ترامب، تحولاً كبيراً من المرجح ‏أن يتسارع، بعد إعلان أشهر الأسماء هناك، المليادرير إيلون، ماسك ‏مالك منصة «إكس» بالتزامه بتبرع شهري قيمته 45 مليون دولار ‏لمصلحة حملة ترامب، ثم انضمام رجل الأعمال السابق جيه دي ‏فانس إلى قائمة مانحي الحزب الجمهوري.‏

هذان التطوران يؤشران إلى حدوث تغيير في توجهات وادي ‏السيليكون الليبرالي تقليدياً، حيث أعلن المستثمرون والمديرون ‏التنفيذيون عن دعمهم لترامب، بعد موقف إدارة بايدن من تنظيم ‏الذكاء الاصطناعي، والحملات الصارمة على عمليات الاستحواذ من ‏قبل شركات التكنولوجيا الكبرى، وما عزز من هذا التحول كذلك هو ‏أداء الرئيس بايدن الضعيف في المناظرة الرئاسية الأولى، وكذلك ‏محاولة الاغتيال التي تعرض لها ترامب.‏

اقتراع عشاء السلطعون

أما نائب الرئيس المحتمل فانس، فقد أمضى أقل من خمس سنوات في ‏صناعة التكنولوجيا في وادي السيليكون، لكن العلاقات التي أقامها مع ‏بيتر ثيل، وآخرين، أصبحت حاسمة في صعوده السياسي. وفي الشهر ‏الماضي، سافر إلى سان فرانسيسكو لعقد حفل لجمع التبرعات ‏لمصلحة ترامب، واستضافة عشاء خاص بعد ذلك، مع عشرات من ‏المسؤولين التنفيذيين والمستثمرين في مجال التكنولوجيا، والعملات ‏المشفرة.‏

وكان الموقع هو القصر الفخم لديفيد ساكس، رجل الأعمال ومقدم ‏البرامج الصوتية الذي التقى به فانس من خلال المستثمر التكنولوجي ‏بيتر ثيل، والذي عمل فانس في إحدى شركات الاستثمار التابعة له ‏في سان فرانسيسكو، عام 2016. ومن اللافت أن ثيل قال يوماً ما، ‏إنه لن يدعم ترامب أبدا، ولكن ها هو يبدل مواقفه، خصوصاً مع ‏اختيار مرشحه المفضل نائباً للرئيس.‏

وخلال عشاء السلطعون الذي تبرع خلاله كل مشارك بـ300 ألف ‏دولار في تلك الليلة، أجرى ترامب، الذي جلس بين ساكس، ومستثمر ‏آخر في مجال التكنولوجيا، وهو شاماث باليهابيتيا، استطلاع رأي ‏غير رسمي في الغرفة حول من سيختاره كزميل له في الترشح، ‏واختار الرجلان الإجابة نفسها، وهي «فانس»، وفقاً لشخصين ‏مطّلعيَن على عملية التبادل، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.‏

فانس ابن الـ39 عاماً، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو، ‏أمضى سنواته الخمس في صناعة التكنولوجيا بوادي السيليكون، ‏كرجل أعمال مبتدئ، ومدير تنفيذي في مجال التكنولوجيا الحيوية. ‏ولكن في حين لم يترك بصمة كبيرة على المشهد التكنولوجي، فقد ‏كانت فترة تكوينية ساعدت على صعوده المذهل داخل الحزب ‏الجمهوري، ومن المرجح أن تؤثر في مستقبله السياسي.‏

كانت فترة عمل فانس في مجال التكنولوجيا حاسمة في تكوين ‏علاقات مع كبار المديرين التنفيذيين، والمستثمرين المليارديرات، بما ‏في ذلك ثيل، وساكس، وإيلون ماسك. ومراراً وتكراراً، قام هؤلاء ‏الرجال بتمويل طموحات فانس السياسية، ورفعوا مكانته بين المانحين ‏الأثرياء الآخرين، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وضغطوا على ‏ترامب لاختياره كزميل له في الترشح.‏

وقبل انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، قدم ثيل 15 مليون ‏دولار لدعم حملة فانس لمجلس الشيوخ. وتبرع ساكس بمليون دولار ‏للجنة العمل السياسي التي تدعم ترشح فانس. وفي منشور على موقع ‏Truth Social، الاثنين، استشهد ترامب بـ «المسيرة التجارية ‏الناجحة للغاية لفانس في مجال التكنولوجيا والتمويل»، كأحد الأسباب ‏التي جعلته يختاره كزميل له في الترشح.‏

ومع ذلك، إذا تم انتخاب ترامب وفانس للبيت الأبيض، في نوفمبر/ ‏تشرين الثاني، فمن غير الواضح ما إذا كان فانس سيظل على نفس ‏العلاقات الطيبة مع مصالح وادي السيليكون. بالنظر إلى أنه أشاد ‏بلجنة التجارة الفيدرالية، التي رفعت قضايا مكافحة الاحتكار ضد ‏أكبر شركات التكنولوجيا، ودعا إلى تفكيك «غوغل». لكن باليهابيتيا ‏قال: «إن فانس اختيار استثنائي. سنكون جميعاً في وضع أفضل لأنه ‏يعمل نيابة عنا جميعاً».‏

لماذا ترامب؟

يساعد الدعم المتزايد بين المديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا في ‏تغذية جهود حملة ترامب بأموال من المانحين الأثرياء، وقد اتجه ‏هؤلاء إلى اليمين السياسي في السنوات الأخيرة، غالباً كنوع من ‏الاعتراض على الطريقة التي اتبعتها إدارة بايدن في ملاحقة شركات ‏التكنولوجيا الكبرى، وتنظيم العملات المشفرة.‏

ويقول بوريس فيلدمان، وهو محام منذ فترة طويلة لشركات ‏التكنولوجيا وجمهوري: «في النهاية، يصوت الناس وفقاً لمصالحهم.. ‏وبالنسبة للمديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا، فإن فكرة تعرّض ‏كل عملية استحواذ يأملون في القيام بها على مدى السنوات القليلة ‏المقبلة لهجوم، سيتم تقييدها لسنوات في حال فوز ترامب».‏

لكن يجب الأخذ في الاعتبار أن هناك أسماء أخرى في وادي ‏السيليكون تدعم بايدن، وفقاً لتحليل أجرته مجلة ‏Journal‏ لبيانات ‏لجنة الانتخابات الفيدرالية. ومن بين المانحين الكبار الرئيس التنفيذي ‏السابق لشركة ‏Alphabet‏ إريك شميدت، والمستثمرون في مجال ‏التكنولوجيا لورين باول جوبز، وجون دوير، ورون كونواي. كما ‏تبرع المؤسس المشارك لشركة ‏LinkedIn‏ ريد هوفمان وحده، بأكثر ‏من 8 ملايين دولار لدعم جهود إعادة انتخاب بايدن.‏

‏12 مليون دولار

وقبل الانضمام إلى مزاملة ترامب في ورقة الاقتراع، ساعد فانس ‏على ربط ترامب بأموال وادي السيليكون، في حملة لجمع التبرعات ‏في يونيو/حزيران، وتمكن يومها من حصد نحو 12 مليون دولار من ‏‏80 شخصية، ووقتها تحدث فانس من دون نص عن تطوير الذكاء ‏الاصطناعي، وتخفيف لوائح العملات المشفرة، وقضايا أخرى في ‏أذهان الحاضرين. ومن اللافت ان بعض هؤلاء المشاركين صوتوا ‏في السابق لمصلحة الديمقراطيين، هيلاري كلينتون وبايدن، بما في ‏ذلك شيرفين بيشيفار، وهو مستثمر مغامر شارك في استضافة ‏الحدث.‏

وقال بيشيفار: «إذا نظرت إلى إدارة بايدن، فقد عيّن مجموعة من ‏الأشخاص الذين هم ناشطون حرفياً في لجنة الأوراق المالية، ‏والبورصة، وإدارة الغذاء والدواء، ولجنة الاتصالات الفيدرالية، ‏وكانوا يسنون سياسات مبالغ فيها، ولا تدعم الابتكار. لقد كان هذا ‏أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لي ومجتمعي».‏

يقرأون الآن