لغاية الآن، لا يمكن الافتراض أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ستكرر بحرفيتها فيما لو فاز بالمعركة الانتخابية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، لكن ما فعله وقاله ترامب خلال رئاسته الأولى بين 2017 و2021، خصوصا فيما يتعلق بالشرق الأوسط، وتحديداً العراق وإيران وسوريا وفلسطين، قد يكون مرشداً لما سيأتي.
ولو قدر لترامب، أن يكون الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، مثلما تشير التقديرات واستطلاعات الرأي حتى الان، وهي حظوظ تعززت بالفعل بعد نجاته من رصاصات محاولة الاغتيال المفترضة قبل أيام، فإنه وكما فعل في رئاسته الأولى، سيدير شؤون البلاد، وسياسته الخارجية وفق أسلوبه المعهود، على طريق رجال الأعمال، ووفق معايير "الربح والخسارة"، إذ لا آيديولوجية واضحة المعالم لهذا الرجل الشعبوي، الذي لا يحمل إرثاً سياساً غنياً، ويعتقد أن قضايا العالم وأزماته تدار وتعالج بمبدأ إبرام الصفقات.
ويتوقع مراقبون، بحسب تحليل أجنبي، أن تكون دول مثل العراق وايران وسوريا وفلسطين، من بين الدول الاكثر تأثرا بعودة ترامب الى البيت الأبيض، وهي سبق لها أن اختبرت مواقف الرئيس الجمهوري وسياساته الشرق أوسطية.
وبالعموم، تميزت سنوات ترامب في الحكم، بتفضيله لخيار "أميركا أولاً"، والتركيز على الشؤون والتحديات الأميركية الداخلية عوضاً عن انفاق الأموال والاستثمار في منظمات وتحالفات وهيئات دولية وإقليمية، ولهذا وجد قد انسحب من العديد من المنظمات الدولية أو أوقف العمل باتفاقيات دولية، وحاول الانسحاب من حلف "الناتو".
وعلى مبدأ الصفقات نفسه، فإن ترامب قال مؤخرا على سبيل المثال، انه عوضا عن الانخراط الكبير الذي قام به الرئيس الحالي جو بايدن في الحرب الاوكرانية-الروسية، فانه مستعد لطرح صفقة تنهي الحرب خلال اسابيع قليلة وتقنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
اختيار نائبه
وليس أدل على أسلوب التسوية والصفقات الذي يعتمده ترامب سوى اختياره لنائبه جيه دي فانس الذي كان معروفا بمواقفه العدائية تجاهه وسخريته من أفكاره، وأصبح الآن شريكه في خوض معركة الرئاسة.
وبحسب مراقبين، فإن نزعة الانكفاء إلى الداخل هذه، قد تتعزز مع اختيار ترامب لفانس، المعروف بتبنيه لمبدأ "أميركا أولا".
لكن فيما يتعلق بالشرق الاوسط، فلا بد من التذكير بعدد من المحطات والمواقف الرئيسية التي ميزت "العهد الأول" لترامب، لعلها تكون مؤشرا على "العهد الثاني" له.
العراق
سبق لترامب، أثناء ترشيحه الأول أن انتقد قرار الرئيس الاسبق جورج بوش، غزو العراق، واصفا انه تسبب "بموجة من الاضطرابات والفوضى في الشرق الأوسط"، مشيرا الى انه كان من المعارضين للغزو.
ومع ذلك، فان ترامب لم يتردد كثيرا في توجيه تهديد بـ"عقوبات شديدة" لحكومة عادل عبدالمهدي والبرلمان العراقي عندما عقدا جلسة مشتركة من اجل البحث في انهاء اي تواجد للقوات الاجنبية في الاراضي العراقية، وذلك بعدما تجرأ ترامب نفسه على اتخاد قرار اغتيال قائد قوة القدس الايرانية الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس في 3 كانون الثاني/يناير العام 2020 بغارة جوية قرب مطار بغداد.
وهذا الاغتيال ادخل العلاقات الاميركية-العراقية التي كانت مستقرة نسبيا، بمرحلة جديدة من الاضطراب والتوتر والحرج، حيث بدأت تتصاعد هجمات الفصائل العراقية المسلحة ضد القوات الاميركية في انحاء العراق، وفي الشرق السوري.
والحرج كان لأن الحكومات، منذ عهد عبد المهدي، ثم مصطفى الكاظمي وصولا الى محمد شياع السوداني الآن، ظلت مضطرة الى العمل على محاولة احتواء تداعيات ذلك الاغتيال، ومحاولة تحقيق توازن صعب بين الاستقرار الداخلي للقوى والاحزاب المشاركة في الحكم، وبين المصالح التي تربط بغداد بالولايات المتحدة وبحضورها الأمني والاقتصادي في العراق.
ومنذ ما قبل وخلال توليه رئاسته الاولى، كان لترامب عدة تصورات وافكار للتعامل مع القضية العراقية، فمثلا كرر مرارا تهديداته ضد ايران بتوجيه "انتقام كبير" ضدها اذا شنت هجمات على المصالح الاميركية في العراق والمنطقة، لكن طهران فعلت ذلك بقصف قاعدة عين الاسد بعد اغتيال سليماني والمهندس.
كما حاول ترامب وضع تصوره للعلاقات الاستراتيجية مع العراق وفق المبادئ التي حددها وهي : تحجيم الوجود الايراني في العراق، وتعزيز الوجود العسكري الامريكي وحماية الجنود، وانتزاع تسهيلات من العراق لحرية حركة القوات الاميركية، حتى لو كان نشاطها متداخلا مع الوجود العسكري الامريكي في شرق سوريا، وهو ايضا عندما تسلم منصبه، تعهد بانهاء وجود تنظيم داعش في العراق خلال 100 يوم، وارسال المزيد من الجنود الى العراق والعمل من اجل قيام حكومة صديقة في بغداد.
ووقع ترامب مذكرة رئاسية بتاريخ 28 كانون الثاني/ يناير العام 2017، يأمر بموجبها باعداد خطة جديدة لدحر داعش على ان تقدم له من قبل وزير الدفاع خلال مدة اقصاها 30 يوماً ويبدأ العمل بها على الفور، وتتضمن الاهداف التالية: استراتيجية شاملة وخطط لدحر داعش والقضاء عليه، واللجوء إلى الدبلوماسية الشعبية والعمليات المعلوماتية واستراتيجيات الكترونية من اجل عزل ونزع الشرعية عن داعش وأيدولوجيته المتطرفة، والعمل على قطع وتجميد امدادات داعش المالية عبر التحويلات المالية وتبييض الاموال والمتاجرة بالاثار المسروقة وغيرها .
وبعد اغتيال سليماني والمهندس بشهور، وتحديدا في نيسان/ ابريل 2020، دعا وزير الخارجية خلال عهد ترامب، مارك بومبيو الى "حوار استراتيجي" بين الولايات المتحدة والعراق للبحث في مستقبل العلاقة بين البلدين، وذلك من خلال سلسلة من الاجتماعات بين كبار المسؤولين الأميركيين والعراقيين، وبحث كافة جوانب العلاقة الأميركية ـ العراقية.
لكن جانبا مهما من نظرة وتعامل ترامب مع العراق، كان مرتبطا برؤيته وموقفه وسياسته – إن كانت له سياسة تجاهها- من ايران، وكان من الواضح ان جزءا من توتر العلاقات الاميركية الايرانية كان لها انعكساتها المباشرة على الساحة العراقية، وصولا الى اغتيال سليماني والمهندس.
إيران
وأشعل ترامب عود ثقاب التوتر مع ايران عندما اتخد قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران، والعودة إلى العقوبات، وذلك في الثامن من أيار/مايو 2018.
واعتبر ترامب وقتها أن الاتفاق النووي لم ينجح في وقف المساعي الإيرانية للحصول على السلاح النووي، أو ردعها عن مواصلة تطوير برنامجها للصواريخ البالستية، وان هناك حاجة بالتالي الى اتفاق بديل عن الاتفاق الذي ابرمه قبله باراك اوباما.
أما اليوم، فسيساهم ترامب ونائبه فانس ربما في تحديد مسيرة العلاقة مع طهران في المرحلة المقبلة. صحيح ان الاتفاق النووي لم يتم انعاشه، لكن منذ الانسحاب الكارثي منه في العام 2018، خطت ايران خطوات كبيرة بتعزيز برنامجها النووي، كم انها استعادت الكثير مما كانت خسرته من مصالحها الاقتصادية والمالية بسبب سياسة "العقوبات الاقصى" لتي طبقها ترامب ضدها.
المفارقة انه بينما قد يعيد الامريكيون ترامب الى البيت الابيض، فان الايرانيين اختاروا مرشحا اصلاحيا لتولي الحكم في ايران، ومن غير الواضح، ما اذا كان ترامب سيعود الى سياسة "العقوبات القصوى" على طهران، ام انه سيستجيب لبعض الدعوات داخل دوائر الحكم الاميركية بمنح الرئيس الاصلاحي في طهران الفرصة.
وقبل أيام، قال فانس في مقابلة تلفزيونية انه كان يدعم سياسات ترامب خلال رئاسته الاولى، لكنه اشار الى انه من "أجل مواجهة الأعمال العدائية للنظام الإيراني، يجب أن تتلقى طهران "لكمة قوية".
ومع ذلك، فانه عندما شنت ايران هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على اسرائيل قبل نحو 3 شهور، اعتبر فانس انه يجب على واشنطن التحرك لمنع توسع المواجهة مع ايران، بما يلحق الضرر بمصالح الولايات المتحدة.
لكن من المؤكد أن ترامب وفانس اكثر انحيازا لاسرائيل مثلما تظهر تصريحاتها، وطوال حرب غزة، لم يظهر تصريحا واضح لترامب ينتقد فيه اسرائيل او يطالب بالضغط عليها لوقف ما صارت جهات دولية عدديدة تعتبرها حرب ابادة ضد الفلسطينيين. حتى ان ترامب خلال مناظرته التلفزيونية مع الرئيس جو بايدن، انتقده متهما اياه بانه "فلسطيني" بسبب مواقفه من الحرب.