لا تزال جولات الحوار المكوكية بين فتح وحماس تجوب عواصم العالم دون أي تقدّم يذكر، وبمعنى أوضح دون أي جدوى ومنفعة للشعب الفلسطيني، بل قد أصبحت طرفة تتداولها الصحافة في طريقة عرضها للخبر.
في حين يعكس لنا المشهد العالمي في التعاطي مع قضيتنا رؤى وخبايا ومواقف أضحت محسومة لكل الدول الفاعلة في المنطقة، وبالتالي على أصحاب القضية السير مع التيار لا عكسه، لأن الشعب والأرض والحياة ككل في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة باتت تعاني من شلل نصفي، وكي لا ينتقل هذا الشلل إلى كامل الجسد الفلسطيني يجب مواجهة الجماهير بصوت أعلى وبجرأة أشد ودون مجاملات تحمّل فوق ظهر القضية المقصوم وطرح أسئلة عميقة وانتظار الإجابة من حركة حماس.
من الظاهر أن كل انتقاد يوجه لحركات الإسلام السياسي عليه أن يسبق ببيان من الناقد أنه مسلم ويؤدي الشعائر الإسلامية، وتتم فيه مناقشة شخص الكاتب لا أفكاره وتساؤلاته، وعليه يتوجب على الكاتب أن يؤكد أيضاً (في كل مادة نقدية موضوعية) أن من حق كل شعب يرزح تحت الاحتلال ممارسة كافة أنواع المقاومة وبما فيها المسلحة، وأن الاحتلال الإسرائيلي هو جذر الشر في المنطقة العربية وهو مخفر متقدم للغرب. ومن هنا أؤكد للمرة الألف أن المقاومة المسلحة حق مشرع للفلسطينيين وهذا أمر غير قابل بالنقاش، وكل من يرتقي في مواجهة الاحتلال هو شهيد.. شهيد.
وبما أنني ناقشت الجانب العاطفي الذي يشغل عقول عامة الشعب وهو ما يؤثر على خياراتهم في حال فتح صناديق الاقتراع، وبما أن الحالة تؤكد وَلَهَ البعض بالتشخيص أعتقد أنني أبرأ من فكرة إسقاط السلاح خلال المواجهة مع العدو، مع تأكيدي بضرورة القصاص لكل من يولّي دبره هرباً، وأنا هنا أشعر براحة كبرى، لأن حركة حماس لا تقاتل في الميدان وحدها بل جنباً إلى جنب وكتفاً لكتف مع فصائل (م ت ف).
والآن سأنتقل للجانب الموضوعي والعملي والأكثر نفعاً ولمساً في القضية الفلسطينية، فمن اليسير القول إنه ستكون هناك نتائج لهذه الحرب يبدو أنها سترسم شكل المنطقة وبالأخص فلسطين. وبدوري سأحاول الحديث عن بضعة السيناريوهات الواقعية بما يتعلّق في حكم غزة، بعيداً عن تأثير الدّم في الصورة.
من الواضح جداً، أن حركة حماس منذ بداية الحرب على غزة، بقيت حريصة على عدم خسارتها للحكم في قطاع غزة، وهنا نتذكر البيان الحمساوي الناري الذي كان يشير للسلطة ويبذر بذوراً سامة لإشعال حرب أهلية وهو بيان يهدد ويتوعد (من سيأتي على ظهر الدبابة الإسرائيلية).
وفعلاً تم قتل ضباط فلسطينيين هم أساساً من سكان قطاع غزة ولم يأتوا من الضفة الغربية لقيامهم بتأمين شاحنات مساعدات متوجهة من جنوب غزة إلى شمالها.
وعلى غرار البيان التخويني الأول، أصدرت حماس بياناً ترسل فيه رسائل مضمنة عن استهداف أي قوات تتعاون مع الاحتلال (القوات العربية).
وبالتالي يحق لنا التساؤل إذا بقيت حماس على كرسي الحكم المدمّر كالقطاع في غزة الكسيرة..
أولاً، هل ستسمح حماس بإجراء الانتخابات في قطاع غزة أم ستستمر في حظرها القديم؟
ثانياً، هل سيستمر الاحتلال وإضافة الحصار القديم له أم سينتهيان سوية، وهل سيبقى الاحتلال أم الحصار أم الاحتلال والحصار معاً، ومن هي الدول التي ستقبل بتمويل إعادة الإعمار في ظل حكم حماس للقطاع؟
ثالثاً، لو كان التوجه الدولي كما هو واضح اليوم، لتمكين السلطة من حكم غزة، هل ستصمت حماس وتنتهج الواقعية السياسية، أم ستقوم بهجمات مسلحة تستهدف عناصر وقوات السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو ما لوّحت وتلوّح به مراراً وتكراراً، وتشعل حرباً أهلية لا يقوى عليها الشعب الفلسطيني وليس بواردها نهائياً وتعيد الأحداث المأساوية والمؤسفة التي حصلت في انقلابها الأسود في صيف عام 2007؟
رابعاً، لو استمر حكم حماس سيكون حكماً ضعيفاً ومترهلاً وهذا أمر جليّ، قد يصل الدم إلى الذقون في حال أشعلت الأخيرة حرباً أهلية، وستفتح الباب للعشائر والعائلات الفلسطينية لتقتص منها وترد لها الصاع صاعين على ما اقترفته من جرائم وقت انقلابها وإبان حكمها القمعي وغير الديمقراطي من قتل وتنكيل بأسر وعائلات فلسطينية مشهود لها بالوطنية، وهذا أيضاً أمر وارد لا يمكننا القفز عليه. فإلى أيّ تشرذم سيصل حال الشعب الفلسطيني؟
خامساً، لو دخلت حماس حكومة وحدة وطنية، هل ستدخل بشخوصها الموسومين بالإرهاب في غالبية دول العالم ومنهم من هو مطلوب للجنائية الدولية، وهل سيتعامل معها الغرب ويمولها أم سيرفض ذلك، وما هي بدائل حماس في هذا السياق؟
هذه خمسة أسئلة اعتبرها البعض جريئة، ولكنها واقعية جداً، وفي حال تجرأ البعض على الإجابة عليها، سيكون جواباً واحداً يحمل في طياته مصلحة فلسطينية عليا.
العرب اللندنية