هناك إدراك في كل الدوائر الانتخابية ومراكز الاستطلاعات داخل أميركا وخارجها بأن محاولة اغتيال ترامب سوف تدفعه للفوز بالرئاسة ودخول البيت الأبيض مجددا. كما أن هناك اعتقادًا يسود حاليا بأن محاولة الاغتيال عقدت المشهد الانتخابي بالنسبة للحزب الديمقراطي وضاعفت فرص ترامب، وهو وضع يهدد باكتساح الكونغرس بغرفتيه بخلاف الرئاسة، حتى إن مجلة الايكونوميست توقعت فوز ترامب في 5 من كل 6 توقعات في نموذجها الانتخابي الدقيق، وهو ما يعتبره الديمقراطيون خطًا أحمر لا يمكن حتى تصوره.
هذه العوامل دفعت الديمقراطيين للاصطفاف ورص الصفوف تحت شعار لا أحد فوق مصلحة الحزب خصوصا بعد تشبث بايدن بالرئاسة، وشددوا الضغوط عليه للانسحاب وهو ما حدث بالفعل وتم استبداله بنائبته كاميلا هاريس والتي تشير المصادر بأن الديموقراطيين وعلى رأسهم الزعيمة الديموقراطية نانسي بيلوسي كانوا يفضلون عقد مؤتمر مفتوح وفتح باب الترشيح للجميع لاختيار مرشح بديل لبايدن خشية من تنفير الناخبين من حجة أن زعماء الحزب هم من يختارون المرشح وليس قاعدة الحزب. لكن تم اختيارها لعدة حسابات أبرزها وحدة الحزب وخشية من اغضاب الناخبين السود وبسبب عملية الاغتيال لترامب ولقصر المدة المتبقية قبل يوم الانتخابات، جميع هذه العوامل تصعب المهمة أمام أي مرشح خصوصا وأن الطرف الثاني ترامب الذي تغلب على كل المكائد السياسية بداية من التحقيق في التعاون مع روسيا ومحاولة عزله مرتين وحتى إدانته وتوجيه اتهامات جنائية له في 34 قضية جنائية.
ووسط هذه الفوضى الانتخابية ألقى ترامب خطابه المرتقب لقبوله الترشيح في المؤتمر الجمهوري المبهر، وكان كل ما عليه فعله هو إلقاء خطاب وطني يشبه خطابات رجال الدولة كما فعل أسلافه، لكن في خطابه وبمجرد تجاوز قصته المؤثرة حول محاولة اغتياله، عاد ليهاجم الديمقراطيين بحدة مجددا محطمًا أعظم فرصة لإظهار نفسه للعالم بأكمله كرئيس لأميركا المتحدة رغم وعده بتغيير خطابه ليكون متزنًا.
وهذا يدفعنا للمقارنة بما فعله الرئيس الجمهوري رونالد ريغان بعد محاولة اغتياله والتي تعود تفاصيلها باختصار وتحديدا في 30 آذار/ مارس بعد توليه الرئاسة في 1981 وقعت الحادثة في واشنطن العاصمة بعد ٢٨ يوما من توليه السلطة فقط، هذه المرة كان الجاني ومطلق النار اسمه جون هينكلي وكان مهوسا بالممثلة جودي فوستر وكان يعتقد أن اغتيال ريغان سوف يدفعها للإعجاب به.
وبالفعل أطلق المتهم عدة رصاصات وأصيب ريغان برصاصة اخترقت صدره واستقرت على بعد سنتيمتر من قلبه، وعند صعوده للسيارة لم يكن يعلم أنه أصيب وبدأ يسعل دمًا، حينها أدرك الجميع أن الرئيس في خطر شديد وحين وصوله للمستشفى مازح الأطباء بمزحة شهيرة ما زال يتكرر صداها حتى اليوم قائلا: "آمل أن تكونوا جميعا جمهوريين"، ليرد عليه الجراح الشهير جوزيف جيوردانو وهو ديموقراطي قائلا: "اليوم جميعنا جمهوريون" وقد كان له دور حاسم في إنقاذ حياة الرئيس.
ولم تدفع عملية الاغتيال ريغان في تغيير خطابه بل على العكس ضاعف في خطاباته بالدعوة إلى الوحدة وحماية أميركا من الأخطار المحدقة في خضم الحرب الباردة مع السوفييت وحافظ على حبل الود مع جميع الأطراف الديمقراطية. وكانت المكافأة في الانتخابات التالية، حيث حقق معجزة انتخابية ربما من الصعب تكرارها أمام خصمه حينها والتر مونديل، المرشح الديمقراطي ونائب الرئيس السابق جيمي كارتر.
فاز ريغان في انتخابات عام 1984 بفوز ساحق، وحصل على 525 صوتًا انتخابيًا مقابل 13 صوتًا لمونديل.
وفاز ب49 ولاية من أصل 50 ولاية، ولم يخسر سوى ولاية مينيسوتا، مسقط رأس والتر مونديل، ومنطقة كولومبيا.
وكان فوز ريغان واحدًا من أكثر الانتصارات المذهلة في تاريخ أميركا بسبب عملية الاغتيال.
والسؤال الكبير هل فوت ترامب حادثة الاغتيال لتوحيد الأمة الأميركية المنقسمة بشدة؟
والإجابة هي حتى الآن لم يتغير شي، ترامب قبل محاولة الاغتيال هو ترامب بعدها وهو يعلم جيدا أن الولايات المتأرجحة يحسمها المستقلون الذين تخلوا عنه في 2018 في انتخابات الكونغرس النصفية، وفي 2020 في الانتخابات الرئاسية حيث خسر الرئاسة والكونغرس بغرفتيه وفي عام 2022 في الانتخابات النصفية أيضا، كما أن المعتدلين الجمهوريين لديهم وجهة نظر مماثلة فهم ليسوا معجبين بخطاباته ولا بشخصيته ولا يرغبون به كمرشح جمهوري، بخلاف نساء الضواحي القوة الثالثة والتي يخسرها ترامب باستمرار خصوصا وأن المنافسة هي امرأة وسوف يكون الهجوم عليها نقطة حساسة جدا بالنسبة للمراقبين، فهل تتغير هذه النظرة في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل؟