منوعات

ألعاب أولمبية وأكثر في باريس

الهجوم الذي شهدته فرنسا على خطوط القطارات لم تمنع المنظمين لألمبياد باريس من مواصلة عملهم كالمعتاد.

قبل ذلك لا بد من الإضاءة على التحضيرات التي سبقت.

ألعاب أولمبية وأكثر في باريس

أنجزت فرنسا استعدادات دورة الألعاب الأولمبية 2024 في باريس، بمواجهة جميع المهام والتكيّف معها، باستخدام وسائل التجهيز والمراقبة والأمن، لضمان سلامة حفل الافتتاح والفعّاليات وأمان اللاعبين، وتحسبّاً لأيّ تهديد لأعمال الدورة، وتأكيداً للسلامة وللسلاسة وللكفاءة. جهوزية عالية وقصوى بالتعاون مع القوى الأمنية المشتركة، بسبب المخاوف الأمنية واللوجستية، وسينشر نحو 45 ألفاً من عناصر الشرطة والدرك، و18 ألفاً من الجنود، لتأمين الألعاب، مع مشاركة وحدات بريطانية وسلوفاكية ومغربية وقطرية وإسبانية، ومن كوريا الجنوبية، في مساهمة أمنية لقوى الأمن الدولية في محطّات القطارات والمطارات، ومحيط الألعاب، تحت إشراف المنسّقية الوطنية لأمن الألعاب الأولمبية. من المُتوقّع أن تشهد باريس حدثاً عالمياً مُذهلاً، يجذب الأنظار من جميع أنحاء العالم، مع برامج الضيافة والخدمات المُميّزة، مثل الإقامة والنقل والجولات السياحية، وسيُنظّم حفل الافتتاح، للمرّة الأولى في تاريخ الألعاب، خارج الملعب الأولمبي، عند نهر السين.

كانت الألعاب الأولمبية دائماً أكثر من مُجرّد رياضة، ومنذ العام 1896 نُظّمت مهرجاناً عالمياً يُرسل رسالة إلى الإنسانية في القرن التاسع عشر. الرياضة تعكس التاريخ وتطوّر المجتمعات، ويمكن ملاحظة أنّها مرتبطة ارتباطاً دقيقاً بالقيم الديمقراطية المثالية، وأنّها مرآة العادات عند الشعوب، وتُشكّل فرصة للخروج من المواجهات الأيديولوجية. اليوم في فرنسا، هي أكثر من مُجرّد نشاطات رياضية، هي جزء من الثقافة والمجتمع في فعّاليات حفل الافتتاح من عروض موسيقية وفنّية، وتاريخ من مائة عام من المنافسات، يُجسّدها الشغف الرياضي، بحضور حوالي 120 من رؤساء الدول والحكومات من مختلف أنحاء العالم، و10500 من اللاعبين، بالإضافة إلى آلاف الفنانين الذين سيتقدّمون بعروض متنوّعة في طول نهر السين.

الرياضة تعكس التاريخ وتطوّر المجتمعات

استعدادات هائلة أُعلن عنها، تشمل المجال الجوّي، تشير أيضاً إلى تأثير أمني واقتصادي استثنائي مقارنةً بدورات سابقة. تشير الدراسات إلى أنّ الألعاب ستنتج ما بين ستّة أو سبعة إلى 11 مليار يورو من الفوائد الاقتصادية لمدينة باريس، مع سيناريو متوسّط لتحقيق 8.9 مليارات يورو، ويُتوقّع حضور ما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين زائر إلى المدينة، وهو ما يساهم في إنفاق سياحي بثلاثة مليارات يورو.

وعلى الرغم من التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها فرنسا، يمكن للألعاب أن تولّد إيرادات ضريبية تصل إلى 5.3 مليارات يورو (أربعة مليارات يورو عائدات 11900 لعبة)، تساعد في تعويض الاستثمارات العامّة، ويمكن أن تعد بفوائد كثيرة، وتعزّز الاقتصاديات المحلّية والترويج للسياحة العامة، فيرتفع عدد السيّاح هذا العام في فرنسا إلى 50 مليون سائح، ما يُعزّز مكانة وصورة فرنسا في المستوى الدولي، ويرّكز الانتباه أكثر على الفوائد الثقافية والاجتماعية، بعيداً عن التوتّرات السياسية المُستمرّة. هذا لم يمنع دعوات مُتصاعدة متأخّرة لتعليق المشهد الأولمبي مُؤقّتاً، إدراكاً لخطورة التحدّي المناخي، وكانت إحدى النجاحات الطريقة التي أظهرت فيها الألعاب التأثير العميق لتغير المناخ. اضطرت طوكيو في العام 2020 إلى نقل الماراثون لمسافة 800 كيلومتر، لأنّ فصول الصيف الحارّة والرطبة تُشكّل تلوّثاً متزايداً على المشاركين في طوكيو. كما أجبرت العواصف القوية على إعادة جدولة ركوب الأمواج. وتواجه الألعاب الشتوية المزيد من المسائل المناخية في الجبال العالية، وأثّرت في شرائح الثلج الصناعي في دورة بكين 2022.

أولى منظمو أولمبياد باريس هذه القضية كثيراً من التفكير، ووضعوا خططَ طوارئ لما يجب فعله في حال تعرّض المدينة لإحدى موجات الحرارة الصيفية التي تشهدها أوروبا، وهم يسعون إلى تحقيق بصمة كربونية تساوي ضعف حجم بصمة لندن 2016. مع ذلك، ستظلّ ألعاب باريس تنتج أكثر من طنّ ونصف مليون طنّ من الكربون في مهرجان يجذب نحو 11 ألف رياضي، وعشرات الآلاف من المدرّبين والإداريين، وأكثر من 30 ألف صحافي. التحذيرات التي يطلقها نشطاء المناخ والأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريس لم تكن مُؤثّرة.

تواجه الألعاب الأولمبية المشكلات نفسها التي تواجهها المُؤسّسات الراسخة غير المتوافقة مع ظروف سياسية متغايرة، فتأتي الدعوات إلى الإيقاف، أو إلى رفض مشاركة الفرق الإسرائيلية. وهي مناسبة لأن يرسل المهرجان إشارة قويّة بشأن مدى إلحاح وقف لحظة الحرب في غزّة وأوكرانيا. ويمكن للعالم أن ينتهز الفرصة للقيام بشيء من الاستجابة لأزمة اللااستقرار، وسوف يستلزم ذلك مستوى مختلفاً من العمل السياسي والإنساني والاجتماعي، وفرنسا هي المكان المثالي للبدء بذلك في إدارة الأحداث، التي يأتي الحدث الأولمبي ضمنها، غير بناء شراكات سياحيّة وتجاريّة وإعلانيّة تقوم بوظائف كبيرة متربطة. وهذا من شأنه أن يشرف على رسالة سلام أكثر شفافية في مسؤولية المنظّمة الرياضية العالمية (كان من المُقرّر أن تستضيف برلين الألعاب عام 1916، لكنّ الحرب العالمية الأولى اندلعت، وكانت الدولة المضيفة البديلة هلسنكي مشغولة في العام 1944 بقتال الإتحاد السوفييتي).

يذهب اللاعبون إلى الألعاب الأولمبية ليس بهدف تمثيل بلادهم بأفضل ما لديهم فقط، ولكن أيضاً ليعبّروا عن القدرة على قول شيء بطريقة فنّية وبأسلوب ممتع. لا نعرف ما الذي سنراه في المسابقات غير الركض والجري والسباحة والقفز، وهي فرصة لاستكشاف روح الألعاب؛ الأسرع والأعلى والأقوى، والأشكال المختلفة التي يمكن أن يصنعها الجسد، أو يتحرّك فيها رجال ونساء من جميع أنحاء العالم للعثور على رسائل جديدة.

مثل هذه الرسائل ليست عرضاً جانبياً في الهدف الاجتماعي، أو المُهمّة الأخلاقية، في احتضان الحركة الرياضية لحقوق الإنسان (قوّض احتضان الحركة تلك الحقوق في مدى العقدين الماضيين بسبب تعاملها مع الدول المضيفة الاستبدادية، وهذا الصيف سبّب التناقض الملحوظ في حظر روسيا بسبب غزوها أوكرانيا، ومنع إسرائيل عبور المساعدات إلى غزّة). تبقى الرياضة الجديدة التي ستنشط في الأولمبياد، وستظهر رياضة البريكنغ (البريك دانس)، للمرّة الأولى هذا الصيف في باريس، وتنضمّ إلى الألعاب الحضرية الجديدة، مثل "بي أم أكس" والتزلّج وكرة السلة، وهو جزء من تحوّل واسع يشمل أحداثاً عالمية مُوجّهة إلى الشباب في لعبة كسر الأرقام القياسية، وفق معايير التقنية والتنفيذ والموسيقى، والأصالة في الأسلوب الشخصي والعفوية، وباعتماد نظام مُقارَن من لجان التحكيم، ما يسمح بالتنوّع والعفوية في مصادر من الإلهام والفنون والجاذبية، إلى الرقص اللاتيني والجمباز.

في مدار سنوات طويلة زاد مستوى الألعاب الأولمبية بشكل مُطّرد مع نمو المسابقات الدولية، واستُكشِفت أخيراً التداعيات الثقافية لإدراج بعض الألعاب مثل البريكنغ في عدد خاص من مجلة دراسات "الهيب هوب" العالمية. ومن يدري، ربّما غداً أغاني البوب والراب. من وجهة نظر أخرى، فإنّ التوقّف عند الألعاب يُوسّع الفهم لمفردات حركة الجسد البشري وتحرّره، ولمجتمع مستدام ومستقرّ، ولكوكب صالح للحياة والسكن، مع أنّه ليس من الواضح كيف عُولجت مشلكة السكن والإقامة في باريس المُقفَلة تماماً.

يقرأون الآن