نشرت الصحافة المحلية في أواخر تموز/ يوليو من العام الجاري، خبراً عن قيام غالبية محال الذهب في المدن السعودية، بتحفيز الزبائن على الدفع النقدي، وأن لا يدفعوا من خلال أجهزة الفوترة الإلكترونية، المرتبطة بهيئة الزكاة والضريبة، في مقابل خصم ضريبة القيمة المضافة، والمشكلة أنهم يستجيبون دون الاستفسار عن الأسباب، أو التفكير في احتمالات التحايل والتهرب الضريبي، وما يترتب عليهما من أضرار بإيرادات الدولة، وبخدماتها المقدمة للمواطنين، بجانب ما يمكن أن تحدثه من مشكلات أمنية واجتماعية، وقضايا تستر وغش تجاري وغسل أموال.
بخلاف أن السابق يشير إلى عدم قيام وزارتي التجارة والبلديات بالأدوار المطلوبة منهما، وأن العقوبات المفروضة في ردع المتجاوزين ليست كافية، لأنها لا تزيد على 20 ألف ريال لمن يتأخر في تسجيل مداخيله رقمياً، أو قرابة ألف وثلاثمائة دولار، ومن يتهرب ضريبياً يغرم بثلاثة أضعاف قيمة السلع أو الخدمات محل التهرب، وحاولت الوقوف على ما يفيد بأن عقوبة الثلاثة أضعاف، قد سبق تنفيذها ولم أجد شيئاً، وتصل مكافأة المبلغ إلى مليون ريال كحد أقصى، أو 375 ألف دولار، هذا إذا سلمنا بأنه سيحصل عليها من الأساس.
بينما يكسب محل الذهب الواحد، في المتوسط وبحسب المختصين، حــــوالي ثلاثين مليــــون ريال سنوياً، أو ثمانية ملايين دولار، والكاش يجنبه دفع ضريبة قدرها أربعة ملايين و250 ألف ريال، أو مليوناً و136 ألف دولار، وبافتراض وجود 100 محل يمارسون ذلك، سيرتفع الرقم إلى 30 مليار ريال، أو ثمانية مليارات دولار، والفاقد الضرييي سيصل لأربعة مليارات ومئتين وخمسين مليون ريال، أو مليار ومئة وستة وثلاثين مليون دولار، وفي قطاع واحد لا أكثر، وسلوك محال الذهب ليس جديداً، وتوجد سوابق منشورة عام 2020، ومعها سلوكيات مشابهة في متاجر الملبـــوسات، وفي عمولة الوسيط العقاري، وفي غيرها.
كشفت دراســــة أوروبية نشرت في العام الجاري، أن التهرب الضــــريبي يحـرم أوروبا من مبالغ ضخمة، وقد تم تقديرها بنحو 825 مليار يورو سنوياً، أو ما يعادل خمسة أضعاف ميزانية الاتحاد الاوروبي، وبواقع 1650 يورواً لكل مواطن في أوروبا، وورد في تقرير (بروبابليكا) الإخباري، الذي نشر عام 2021، بعد تحليل البيانات الضريبية الفردية في أميركا طوال خمسة عشر عاماً أن هناك فجوة كبيرة في الثـــــروة والتهرب الضريبي بين الطبقات الاجتماعية في الولايات المتحدة، فقد لاحظ التقرير أن الطبقة الوسطى تدفع من دخلها السنوي ما نسبة 15 % كضرائب فيدرالية، ولا تدفع الطبقة الأكثر ثراءً إلا أقل من واحد في المئة، واستناداً لـ(فوربس) فإن قيمة أغنى 25 شخصاً في العالم ارتفعت إلى أربعمائة وواحد مليار ما بين عامي 2014 و2018، ولم يدفعوا ضرائب إلا 13 ملياراً و600 مليون دولار، أو ما يساوي 3,4 % من أرباحهم.
الدول تفرض الضرائب على الأموال المكتسبة من الرواتب، أو كما هو الحال في المملكة على مكاسب رأس المال والاستثمار الأجنبي، وحصتها من الميزانية العامة في معظم الدول تتراوح ما بين 25 % و70 %، وأصحاب الثروة يتهربون من الضرائب بطريقتين، الأولى: بتحويل الأسهم إلى نقود، لأن الأسهم لا تحتسب باعتبارها دخلاً، ولا تخضع للضريبة مهما ارتفعت قيمتها إلا عند بيعها وتقييم الربح، والثانية: الاقتراض من البنوك برهن الأسهم، لتقليل سعر الفائدة على القرض، وبما يمكنهم من الحصول على النقود التي يريدونها مقابل سداد الدين بفوائد منخفضة، والرومان هم أول من ابتكر ضريبة المبيعات والدخل والميراث، ومن طرائف الضرائب، ضريبة اللحية التي فرضها القيصر الروسي بطرس الأكبر، في القرن الثامن عشر، لمواكبة الموضة الأوروبية، والتخلص من اللحية التي كانت سمة غالبة على الروس، وبواقع 100 روبل للتجار، و60 روبل لعامة الناس، و30 روبل للمناطق الريفية ورجال الكنيسة.
يوجد في إيطاليا نظام يسمونه مقياس الدخل، وقد مكن الحكومة الإيطالية من متابعة مصروفات الإيطاليين إذا تجاوزت حدوداً معينة، ومقارنتها بما دفعوه من ضرائب مقابل معدل الصرف، ولو لاحظوا فروقات واضحـــة بينهما يتم استدعاء الشخص للتحقيق معه، والسلطات الإيطالية صادرت في يوليو من هذا العـــام 131 مليون دولار من الفــرع الإيطالي لأمازون، لارتباطها بقضايا احتيال ضريبي، وبممارسات عمالية غير نظامية، والنموذج يمكن تطويره محلياً ليناسب ضريبة القيمة المضافة على السلع الاستهلاكية، وضريبة الدخل الخاصة بأرباح المستثمرين الأجانب في المملكة وقدرها 20 %، وبحيث تتم متابعتها والتأكد من نظاميتها عند تجاوز سقف مالي محدد والتحقيق مع المتورطين فيها في حالة وجود شبهة احتيال أو تهرب ضريبي، ولا يدخل في ذلك بالتأكيد المقرات الإقليمية للشركات الأجنبية، والتي صدر قرار بإعفائها من الضرائب لمدة ثلاثين عاماً قابلة للتمديد، ويقول بنجامين فرانكلين الذي تظهر صورته على المئة دولار: شيئان لا يمكن الإفلات منهما الموت والضرائب.