لقاء مع سمو ولي العهد

في الساعة العاشرة من صباح يوم الإثنين، الموافق 29 تموز/ يوليو الماضي، تشرفت بلقاء سمو ولي العهد الشيخ صباح خالد حمد المبارك الصباح، وكانت جلسة استحضرت نسيم الألفة، التي تتحكم في الترابط بين أعضاء المنظومة الدبلوماسية الكويتية، فقد كنا زملاء المهنة كما يقولون، التزم سموه بإملاءاتها في الذرابة وقيم الأدب العالية المملوءة بمستلزمات احترام المقام.

جددت له التهنئة لثقة سمو الأمير به، التي تجسدت في اختياره ولياً للعهد، وتمتعه بدعم شعبي متدفق احتراماً له وإعجاباً بنزاهته وتثميناً لتواضعه، مع الارتياح لكفاءته، ولم أتردد في تأكيد اللياقة والكفاءة، وهما عنصران جوهريان في تثمين اختيار سمو الأمير له، وبمبايعة شعبية وارتفاع الآمال معه.

تحدثنا في اللقاء عن الأولويات في صندوق الطموحات في توجهات القيادة الكويتية، وعن القضايا التي تتسيد همومه، فقد كان واضحاً حول العلاقات الكويتية - الخليجية، في إطار مجلس التعاون، وتصاعد التنسيق والسعي لاكتمال آليات الترابط، وأهمها قطار الربط بين مدينة الكويت والرياض، مع استعدادات الكويت لاستقبال قمة مجلس التعاون المقبلة، بالدفع نحو مزيد من التشابك في المسارات التنموية والتجارية والاستثمارية، مع السعي لتعظيم شبكة المصالح مع العراق، لاسيما في التنسيق الدبلوماسي مع اتساع فضاء التعاون اقتصادياً واستثمارياً، مع تأكيد دعوة رئيس الوزراء العراقي لزيارة الكويت، وتعزيز التواصل المفتوح مع إيران، مع صون شبكة الترابط العربي ثنائياً وجماعياً عبر الجامعة العربية.

ويؤكد مجدداً بالتناغم الكويتي - السعودي حول قضايا الإقليم عبر التواصل مع العراق وإيران، مدخلاً شيئاً من التفاؤل، في براغماتية الرئيس الإيراني الجديد، وواقعية التوجهات العراقية بتأكيد الجوانب التنموية، مع التشدد نحو الترابط التجاري مع الشركاء الاستراتيجيين.

نقلت له تساؤلات عن غياب التواجد الكويتي في واشنطن، وغياب الحوار، واستغراب أغلبية الكويتيين عن مسببات غياب الجسور، وأن كويت الحاضر لا تستطعم مذاق دبلوماسية الماضي، التي غابت الحميمية عن علاقاتها مع الولايات المتحدة، وأنا واحد من الذين انتقدوا مواقف الولايات المتحدة وبشدة من فلسطين، خلال عضوية الكويت في مجلس الأمن.

كان رده بأنه سيذهب إلى الأمم المتحدة متحدثاً باسم الكويت خلال الدورة المقبلة، مع تواصل مستمر مع السفارة الأمريكية لترتيب لقاء مع الرئيس أو من يمثله، وبعدها التواجد في واشنطن لأيام، يلتقي فيها كبار المسؤولين ويعزز زيارته بجولات لبعض المراكز الفكرية والتحليلية Think Tanks، وتواصل مع شبكات الاتصالات، وأعربت له عن تمنياتي بخطاب أمام نادي الصحافة Press Club، الذي تتواجد داخله معظم الشبكات الأمريكية والأوروبية والعربية، كما أظهر اهتماماً كبيراً لمقابلة أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، مع الإصرار على تكثيف العلاقات التجارية والاقتصادية في جميع المسارات، فالشراكة مع الولايات المتحدة جامعة، تمس جميع الدروب، مع التركيز على الأولويات، التي تحتاجها الكويت للوفاء بواجبات التواصل، وتكثيف زيارات وفود متنوعة تجارية ومن منظمات المجتمع المدني، ومن القادرين على التعريف المقنع بواقع الكويت للرأي العام الأمريكي.

نقلت له وبكل أمانة حاجة الكويت المستمرة إلى آليات الردع، التي تؤمن الاستقرار وتبث الطمأنينة وتستحضر البيئة الكويتية المعطاءة، فالحيوية الكويتية مع الجوار والأصدقاء الاستراتيجيين، لا تتحمل التراخي، مشيراً إلى المستجدات في علاقة الكويت مع الشريك الاستراتيجي البريطاني، حيث الاحتفالات بمرور 125 عاماً على الترابط الكويتي - البريطاني، الذي وفّر الحماية للكويت، وأبعد عنها الطامعين والمغامرين، كما ستشهد العاصمة البريطانية حضوراً كويتياً مكثفاً ومتنوعاً، يضم فرقاً كويتية فنية تنقل الفنون الكويتية إلى لندن، بالإضافة إلى الاحتفالات في لندن وفي داخل الكويت.

وأشرت إلى جمعية الصداقة الكويتية - البريطانية، وضرورة تعزيز تواجدها، مشيراً إلى أنها ولدت عام 1993، من حضن الديوان الأميري، متمنياً تعزيز الحميمية مع الولايات المتحدة، بتكثيف تبادلية المشاورات والزيارات.

واتضح لي من خلال الحوار أنه رسم خريطة لنشاطات مستقبلية، تهم العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضمن وصول الصوت الكويتي إلى معظم المدن الأمريكية، وآمل أن يتحقق برنامج سموه في تأمين المنصات، التي تقوم عليها العلاقات وديمومتها.

الشكر لسمو ولي العهد على وقته الذي وفره لي مستمعاً لما رددته، مستوحياً التمنيات التي يسعى لتحقيقها الشعب الكويتي، وأضيف أن سمو ولي العهد معبأ الآن بطاقة تسعى إلى الوفاء بمستلزمات الشراكة الاستراتيجية، وتعمل على تأمين الاستقرار والهدوء في المنطقة، من خلال التفاهم الصادق بين دول الإقليم، معتمداً على قناعة جماعية بين دول الإقليم للحفاظ على الاستثنائية الاستراتيجية التي تملكها المنطقة، والمرتبطة بحقائق الإقليم وأهمية ضمان لياقته، ليواصل دوره كمنبع للطاقة، التي تؤمن السلامة لجميع سكان الكوكب الأرضي.

والحقيقة أن الذي أضر بالمنطقة، وسبب لها الكوارث، هو تواجد قيادات معبأة بالإجرام والتخريب، مندفعة بطموحات تدميرية لا يمكن الوصول إليها سوى بتوظيف القوة تجاه من تراه صيداً سهلاً، يمكن استرضاء المعارضين له من حزبه بإعطائهم ما يريدون، هكذا كان سيناريو احتلال صدام حسين للكويت.

ومن تلك الواقعة المؤلمة، تصاعد اليقين لدى الحريصين على استقرار المنطقة الفريدة في استثنائيتها بضرورة إزالة حكّام بغداد من الوجود ليرتاح الإقليم ويطمئن العالم، ويتنامى مبدأ إزالة المخربين للنظام العالمي بالقوة، مستنداً على إجماع عالمي يتمثل في قرار يتخذه مجلس الأمن.

أستذكر التموجات، التي مر بها المزاج الدولي، في ضوء قرار بعض الدول العربية حظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة خلال حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وانعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورة خاصة بطلب من بعض الدول لتطويق التوتر الذي تصاعد آنذاك، لاسيما في العواصم الكبرى، وتسيد التوتر مداولات تلك الدورة، ومن خلال تباين المساعي للحد من التوتر، برزت نبرة تتحدث عن حدود حقوق الدول النفطية، وهل من صلاحيتها منع التصدير لسلعة عالمية جوهرية للأمن العالمي؟ وامتدت هذه النبرة فكرياً لدعوة تحطيم ما يسمى آنذاك «قوة الندرة» وضرورة تفكيكها، مشيرة إلى قوة المساومة التي وفرتها منابع الطاقة للدول المنتجة، ومدى حقها في منع التصدير وجر العالم إلى مواجهات خطرة.

كل ذلك اختفى، فعندما يذهب سمو ولي العهد إلى واشنطن يحمل معه صدق الشراكة وديمومة مضمونها، وتأكيد حميميتها، وله الدعاء الصافي من قلوب الكويتيين وغيرهم، لتحقيق جميع أهدافه، التي يثمنها كثيراً شعب الكويت.

القبس

يقرأون الآن