تقود فرنسا حملة ديبلوماسية متعددة الاتجاهات، مع الدول الحليفة ولاسيما منها الولايات المتحدة الأميركية، والدول المؤثرة بالمنطقة ومنها ايران، لتخفيف التوتر، ومنع تحول الردود المتوقعة على إسرائيل، لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية بطهران، والقائد العسكري البارز في حزب الله فؤاد شكر، الى حرب اقليمية واسعة النطاق،تؤدي إلى مزيد من الخراب والدمار وقتل المدنيين الأبرياء، وتدخل المنطقة في دوامة طويله من العنف والفوضى، في الوقت الذي يتطلب الامر، تكثيف الجهود والمساعي الديبلوماسية مع كل الدول والاطراف المعنية، للتوصل الى حلول للازمات والمشاكل القائمة. ومن أسباب التحرك الفرنسي، استنادا إلى ما تردد من الاوساط الديبلوماسية، ليس الأضرار الجسيمة التي تتسبب فيها بالعلاقات بين دول المنطقة، واستنزاف مواردها البشرية والاقتصادية دون جدوى، وانما تراكم الازمات فوق الازمة الاساسية، أزمة الشرق الأوسط، ما يتسبب ايضا، بتداعيات سلبية، تطال باقي دول العالم، ولو كانت بعيدة نسبيا عن مسرح هذه الحرب، او المشاركة فيها مباشرة او بشكل غير مباشر وفق ما ورد في "اللواء".
ولعل تزايد التهديدات المتبادلة والتحضيرات العسكرية الجارية لكل الاطراف، اضافة إلى المواقف والتصريحات المتواصلة، كلها تؤشر الى ان الردود على اغتيال هنية وشكر، باتت قريبة، وقد لا تقتصر على عمليات محدودة، كما حصل سابقا، خلال الرد الإيراني على ضربة دمشق ومقتل ضباطا ومسؤولين بالحرس الثوري الايراني، في نيسان الماضي، بل يتعداه،الى ابعد من ذلك، إلى عمليات واشتباكات وقصف ودمار كبير، ومن الطبيعي أن يكون الجنوب اللبناني، وغيره من المناطق القريبة جبهة اساسية، مشاركة بهذا الرد، استنادا الى المواقف المعلنة بهذا الخصوص من قبل المسؤولين في ايران وحزب الله، ما يشرك لبنان كله بالحرب، وما يترتب على ذلك من تداعيات ومخاطر صعبة في كل الأحوال.
ولذلك، شملت الديبلوماسية الفرنسية لبنان في تحركها بشكل اساسي، لكي لا يكون الجنوب جبهة رئيسية متقدمة على اي جبهة أخرى، لحصر مفاعيل الردود على عمليتي الاغتيال ضد إسرائيل في حدود معينة، والسعي قدر الامكان لتخفيف الأضرار في الممتلكات والارواح الى ادنى حد ممكن، لكي لا يتسبب اي رد غير محسوب، إلى تحول الجنوب اللبناني الى مسرح عمليات عسكرية مفتوحة وواسعة النطاق بين حزب الله وقوات الاحتلال، والخشية من تدحرج الوضع إلى رد معاكس،واجتياح عسكري إسرائيلي للمنطقة الجنوبية، تنفيذا للتهديدات المتواصلة، ما يؤدي حتما الى اشتعال المنطقة بشكل دائم، واجهاض كل المساعي الديبلوماسية الجارية لاحتواء التصعيد والتوصل إلى اتفاق نهائي بين حزب الله من خلال الدولة اللبنانية من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية.
ولعل مسارعة الولايات المتحدة الأميركية لارسال المستشار الرئاسي الاميركي اموس هوكشتاين إلى إسرائيل، ومن الطبيعي أن يزور لبنان ايضا، هو من نتاج التحرك الفرنسي، لاحتواء التصعيد المتواصل، والتخفيف قدر الامكان من الاحتقان واعطاء الديبلوماسية الفرصة اللازمة، لتجنيب لبنان مخاطر وتداعيات الردود المرتقبة، والتوصل إلى اتفاق نهائي لاستتباب الامن وارساء الاستقرار في المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل، يتماشى في بعض جوانبه مع متطلبات، عودة السكان المدنيين إلى المستوطنات الإسرائيلية مقابل الحدود اللبنانية.
قد يكون من الصعب تحقيق ما تسعى اليه فرنسا في هذا الخصوص، في خضم التحضيرات الجارية للرد الايراني على عمليتي الاغتيال، ولكنه ليس مستحيلا، إذا نجح لقاء الخميس المقبل في العاصمة القطرية الدوحة،لانجاز صفقة وقف النار في غزة، بين حركة حماس وإسرائيل، والاهم ان يكون سيناريو الرد مشابها للرد الايراني على استهداف إسرائيل للقنصلية الايرانية في دمشق بشهر نيسان الماضي، وهذا هو الارجح في ظل التحضيرات الجارية للرد بحسب "اللواء".