يعيش الشرق الأوسط حالة من التوتر السياسي والتأهب الأمني، تعد الأخطر خلال السنوات الأخيرة، فكل المؤشرات تنذر بانفجار وشيك بين إيران وإسرائيل، مروراً بدول المنطقة المحيطة.
ورغم أن عدداً من الدول، عربياً وإقليمياً، حذرت من تفاقم الأوضاع وصولاً لنتائج لا تُحتمل ولا تحمد عقباها، ولكن يبدو أنه لا حياة لمن تنادي، إيران كعادتها صمّت أذنيها، فلا تسمع إلا صوتها بالتهديد والوعيد، وإسرائيل تلعب بسلاح استعراض القوة.
المواجهة الإيرانية الإسرائيلية تمر حالياً بمرحلة "اللعب بالأعصاب" عبر تصريحات مسؤولة من البلدين، تحمل مفرداتها فقط التلويح بالضرب والانتقام، ما يجعل هذه الحالة من "الاستفزاز اللفظي" أقرب لتحول الوضع إلى "اللعب بالنار"، عبر اندلاع حرب محتملة، إن لم يكن عبر الدول نفسها، فعبر الأذرع المساندة لكل منهما.
هذا الموقف يفرز مشهدين متشابهين لتلك "المعركة الافتراضية"- حتى الآن، إيران وهي تصول وتجول في تهديداتها بالرد القاسي، ووعيدها بالثمن الباهظ الذي ستدفعه إسرائيل بعد مقتل زعيم حركة حماس إسماعيل هنية، بينما يحل ضيفاً في كرنفال تنصيب رئيسها الجديد مسعود بزشكيان في طهران، فيما تبادلها تل أبيب نغمات التهديد، ملوّحة بالجاهزية لأي سيناريو تريده وتُقبل على تنفيذه إيران.
نغمة التلاسن المتبادلة تزيد الوضع المتأزم تأزماً.. طهران من جهة تشعر بحرج دولي يمس قوتها على ضبط الأمن الداخلي وما يتردد حول الخلافات الداخلية، بعد حادث الطائرة "الغامض"، الذي راح ضحيته رئيسها السابق إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان، وعدد من المسؤولين، ثم مقتل ضيف البلاد "هنية"، وفي المقابل فإن إسرائيل تعيش كابوس الحرب في غزة وتداعياته الإنسانية والسياسية المستمرة منذ عشرة أشهر، علاوة على مأزق جديد هو تحميلها المسؤولية من جانب إيران، بأنها المدبر لمقتل إسماعيل هنية.
حتى الآن كل ما تفعله إيران، هو التهديد والتلويح، وربما يكون كل ما في وسعها فعله ـ إذا فعلت ـ هو استخدام أذرعها في دول المنطقة، لبنان أو اليمن أو العراق أو سوريا، وهو ما يضاعف خطر انفجار المنطقة، التي تشعر شعوبها، بالخطر المحدق بها.
مستقبل مجهول يخيم على الجميع، وخسائر فادحة تتكبدها اقتصادات الدول التي ما زالت تعاني من أثر ما سمي "الربيع العربي"، حتى إسرائيل ذاتها بدأت المعاناة الاقتصادية مع استمرار الحرب على غزة، وقد أعلنت وكالة "فيتش" انخفاض التصنيف الائتماني لها مؤخراً، فيما تمتد تلك التداعيات إلى اقتصادات أخرى مثل الطيران والسياحة والاستثمار وغيره.
الانهيار الحالي والمحتمل أيضاً في الشرق الأوسط يتحمل مسؤوليته سياسياً واقتصادياً إيران وإسرائيل معاً، باعتبارهما محوري العنف في المنطقة، إسرائيل تستقوى بالدعم الأميركي والمساندة الغربية، وطهران التي تبعد آلاف الكيلومترات عن تل أبيب تجند وتستخدم أذرعها وميليشياتها لإدارة حرب بالوكالة، وهو ما يزيد الوضع تعقيداً ويجعله أكثر ضبابية.
وسط هذا الصخب السياسي، فإن الحقيقة الوحيدة التي يمكن الجزم بها، هي أن إيران -عبر الجماعات الموالية لها- هي المستفيد الوحيد من تأزم المنطقة، تبييضاً لوجهها ولإظهار نفسها بأنها "صاحبة اليد القادرة"، ومقدمةً نفسها ـ زوراً ـ باعتبارها "البطل المغوار" الذي يدافع عن غزة. ومن الناحية الأخرى فإن الجانب الإسرائيلي يضع مصالحه وتعنته فوق كل الاعتبارات والقيم والحسابات، مستغلاً التهديد الإيراني ليظهر بصورة المظلوم والمُهدَّد، ما يجعل الشعوب العربية وبينها أهالي غزة ضحية عراك مصالح وأجندات، لا نتيجة له سوى تشريد الشعوب وتدمير مستقبلها.