أشار الكاتب الصحافي الإيراني "كيان شريفي" في مقال تحليلي لإذاعة فردا الأميركية الناطقة بالفارسية، إلى أنه "في الأسبوعين الماضيين، وُصفت هجمات إيران على إسرائيل بأنها "وشيكة"، وتحت تأثير هذه التوقعات، انتشرت تقارير كثيرة يشوبها القلق والخوف على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن هجمات إيران وحلفائها، بمن فيهم حزب الله اللبناني، "في الساعات المقبلة".
ورأى الباحث البارز لشؤون إيران في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، راز زيمت أنهم "يستمتعون بهذا الوضع، أي مشاهدة إسرائيل في حالة ترقب وما ينتج عنها من تكاليف اقتصادية ونفسية باهظة".
ولكن هذا الترقب سلاح ذو حدين، إذ تتضرر منه أيضا الحكومة الإيرانية وكلاؤها في المنطقة.
ونقلت "إذاعة فردا" عن رئيس قسم الأمن في مؤسسة "لوبيك إنترناشيونال" الاستشارية ومقرها البحرين، مايكل هورويتز، قوله إن "المضاعفات السلبية لهذا الوضع بما في ذلك الضغط على الدفاع المدني، تعبئة القوات المسلحة والتكاليف الاقتصادية، لن تكون محصورة على إسرائيل فقط، بل هذا الترقب له عواقب أيضا على إيران ولبنان".
واعتبر المحللون والخبراء، الفكرة القائلة بأن إيران تؤجل الهجوم لتستغل التبعات النفسية، ما هو إلا ذريعة وليس استراتيجية محسوبة، ورأوا أن النقاشات المكثفة والجادة داخل الحكومة الإيرانية بشأن التنسيق مع الوكلاء الإقليميين، والتفكير بالرد المضاد الإسرائيلي-الأميركي المحتمل على الهجوم الإيراني وتقدير المخاطر الناجمة عنه يفسر تأخير الهجوم الانتقامي وتردد طهران بهذا الخصوص.
ورأى راز زيمت أن الحكومة الإيرانية "تواجه خيارا صعبا ومعقدا"، رغم أن المرشد علي خامنئي والحرس الثوري الإيراني يريدان استعادة قوة الردع الإيرانية ضد إسرائيل، إلا أن بعض الجهات الأخرى في الحكومة تخشى أن يؤدي الهجوم الكبير على إسرائيل إلى جر إيران إلى حرب مع إسرائيل وربما مع الولايات المتحدة.
لذا حتى لو كانت طهران قد اتخذت قرارًا بشأن كيفية الرد على اغتيال إسماعيل هنية، فإن التنسيق مع حزب الله اللبناني وأعضاء آخرين في شبكة الوكلاء والحلفاء الإقليميين التي تعرف باسم "محور المقاومة" وفقا لأدبيات إيران السياسية يتطلب وقتا طويلا.
والعامل الآخر الذي قد يؤثر على قرار إيران هو تعزيز الوجود العسكري الأميركي في المنطقة أكثر من الأيام التي سبقت الهجوم الإيراني غير المسبوق بالطائرات المسيرة والصواريخ على إسرائيل في 12 أبريل من هذا العام والذي سمّته "الوعد الصادق".
وقال مايكل هورويتز للإذاعة الأميركية الناطقة بالفارسية إن "الرد الأميركي مقارنة بالأسابيع التي سبقت هجوم نيسان/ أبريل سيكون أكبر بكثير، والوجود العسكري الأميركي الأوسع ربما يكون إشارة إلى حسابات واشنطن بخصوص حجم الهجوم الإيراني، لأنهم (المسؤولون الأميركيون) يعتقدون أن رد إيران قد يكون أكبر من الهجوم الذي حدث في نيسان/ أبريل".
وأضاف: "الولايات المتحدة بإرسالها معدات وقوات دفاعية، وأيضا قوات لديها قدرة هجومية محتملة، وجهت رسالة تفيد بأن هدفها هو مواجهة واحتواء أي تهديد، وفي الواقع مجرد إرسال مثل هذه الرسالة في الوضع الحالي، يعد مهما ومؤثرا".
ومن ناحية أخرى ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، بلغ "الحذر" للقادة الإيرانيين خلال اتصال هاتفي.
هل يمكن أن تنجح الدبلوماسية؟
رفضت طهران بشكل قاطع طلبات القوى الغربية لضبط النفس وتجنب التصعيد، مؤكدة مرارا أن الرد على اغتيال إسماعيل هنية في طهران هو حقها المشروع.
وحسب التقرير فإن الاتصالات العديدة من قبل قادة دول مختلفة، بما في ذلك القوى الأوروبية، مع الرئيس الجديد مسعود پزشکیان، ووزير الخارجية الإيراني بالإنابة علي باقري كني، في الأيام القليلة الماضية فقد أثارت تكهنات تشير إلى أن الجهود الدبلوماسية قد أخرت الهجوم الإيراني وربما تلغيه طهران بالكامل.
ويقول مايكل هورويتز: "لست متأكدًا من أن الدبلوماسية وحدها كافية لتغيير حسابات طهران وقرارها، أن إيران ورغم كافة الاتصالات والطلبات لضبط النفس، ستفعل ما تشعر أنه يخدم مصالحها بأفضل طريقة".
وأشارت إيران مؤخرا إلى أن نوعا آخر من الدبلوماسية، وهو وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة بين إسرائيل وحماس، قد يقنع إيران بتأجيل الهجوم على إسرائيل.
ويخمن الباحث في "معهد التعليم العالي في جنيف" وهي جامعة حكومية سويسرية، فرزان ثابت أن "الحكومة الإيرانية قد تبحث عن طرق مختصرة" لتخفيف شدة ردها، لذا فإن نوعا من وقف إطلاق النار في قطاع غزة قد يشكل "انتصارا دبلوماسيا" تحتاجه إيران للتخفيف من شدة ردها.
ويقول راز زيمت إن وقف إطلاق النار في غزة قد لا يكون ذا أهمية كبيرة للحكومة الإيرانية، "لكنه يعد ذريعة جيدة لتبرير تأجيل الهجوم على إسرائيل داخليا، وخاصة خارجيا".
وهو يعتقد أنه قد يجعل وقف إطلاق النار في غزة إيران إما تقلص حجم هجومها أو تختار طريقة مختلفة تماما للرد لا تتضمن هجوما مباشرا على إسرائيل.
إن توقيت ونوع الرد الإيراني لا يزالان في طي الغموض، لكن في الوضع الحالي يبدو أن إيران لا تملك خيارات جيدة.
يقول فرزان ثابت في هذا السياق: "يبدو أن طهران غارقة في الارتباك بشأن عملية اتخاذ القرار لإيجاد خيار مسك العصاء من الوسط".
ويعتقد هذا الخبير أن اللغز الذي يواجه صناع القرار في إيران يمكن تلخيصه على النحو التالي: "هجوم انتقامي لا يكون ضعيفا من حيث شكل القيم الرمزية وقوة الردع، ولكن في الوقت نفسه لا يكون قويا لدرجة أن يؤدي إلى دورة متكررة وغير قابلة للتحكم من التصعيد الذي قد ينتج عنه حرب شاملة".