دولي

هل أصبح غرب إفريقيا مسرحاً لصراع بين روسيا وأوكرانيا؟

هل أصبح غرب إفريقيا مسرحاً لصراع بين روسيا وأوكرانيا؟

هل بدأت أوكرانيا تحارب روسيا في إفريقيا؟ وكيف تمكنت كييف، التي تتخبط في حربها مع موسكو منذ عامين ونصف، من دعم الجماعات المتمردة في منطقة الساحل بغرب إفريقيا المنطقة، البعيدة جداً عن أوكرانيا جغرافياً وسياسياً وثقافياً؟ وهل للنجاحات التي بدأت أوكرانيا تحققها مؤخراً في حربها مع روسيا علاقة بالمعلومات الدقيقة التي قدمتها كييف للجماعات المسلحة في شمال مالي والتي تمكنت من إلحاق هزيمة كبيرة بمجموعة فاغنر والجيش المالي، وبهجمات أخرى تعرضت لها الجيش في كل من بوركينافاسو والنيجر؟

ولعل خشية الدول الإفريقية الثلاث التي تدعمها روسيا عسكرياً من تكرار الدعم الأوكراني للمتمردين هو ما دفعها إلى بعث رسالة جماعية أول أمس الثلاثاء إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تندد فيها بما تعتبره دعماً أوكرانياً للجماعات المتمردة في منطقة الساحل بغرب إفريقيا.

وكانت مالي قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا في وقت سابق من هذا الشهر بسبب تصريحات المتحدث باسم المخابرات العسكرية الأوكرانية بشأن القتال في شمال مالي الذي أودى بحياة جنود ماليين ومرتزقة روس من مجموعة فاغنر نهاية تموز/ يوليو الماضي. وحذت النيجر حذو مالي بعد بضعة أيام، تضامناً مع جارتها وحليفتها العسكرية.

وناشدت دول الساحل الثلاث، التي تشكّل "تحالف دول الساحل" وهي مالي والنيجر وبوركينا فاسو، مجلس الأمن لإدانة "الدعم العلني من حكومة أوكرانيا للإرهاب الدولي" في منطقة الساحل، حسب تعبيرها.

واتهمت دول الساحل أوكرانيا بتقديم الدعم للانفصاليين والمتطرفين والطوارق خلال الاشتباك الذي وضعهم في مواجهة الجيش المالي، الذي يدعمه "فيلق إفريقيا" شبه العسكري الروسي المعروف سابقاً باسم فاغنر.

ودعت الدول الثلاث في رسالتها إلى مجلس الأمن، المجتمع الدولي إلى "تحمل المسؤولية" عن تصرفات أوكرانيا ومنع "الأعمال التخريبية" التي تهدد الاستقرار الإقليمي والقاري.

يبدو الشارع في غرب إفريقيا مندهشاً من نجاح أوكرانيا، التي لا تربطها مصالح مباشرة مع تحالف دول الساحل، بدعم المتمردين في شمال مالي، ووصولها لمعلومات دقيقة وهي في خضم حربها مع روسيا.

أما الصحافة في دول غرب إفريقيا، خاصةً تلك التي لا تخفي قربها من روسيا، فقد أعربت عن قلقها من رؤية الصراع الروسي الأوكراني يزحف ويمتد إلى منطقة الساحل، التي تعاني من صراع نفوذ تقليدي بين فرنسا وروسيا إضافةً إلى مشاكلها الإقليمية وصراعاتها الداخلية وحروبها مع الجماعات المسلحة.

ورغم أن الكثير من المراقبين يرون أن مالي والنيجر تسرعتا بقطع علاقتهما بأوكرانيا، وأن الأنظمة العسكرية في النيجر ومالي وبوركينا فاسو سارعت لمهاجمة أوكرانيا بتشجيع من روسيا، فإنهم يحذرون دول الساحل القريبة من روسيا من الدخول في حرب بعيدة عن الحدود ولا مصلحة للدول الإفريقية بها.

في هذا الصدد، قال الباحث المخصص في الشؤون الإفريقية عيسى نداو إن "تورط أوكرانيا السري والمتزايد في المنطقة يشغل الدول في غرب الساحل، فالكثيرون يخشون من قيام روسيا بتصدير صراعها مع أوكرانيا إلى منطقة الساحل الإفريقي، ومما قد يُطلب من الدول الإفريقية التي تساندها موسكو عسكرياً في حربها ضد الإرهاب".

ورأى الباحث أن المبرر الذي قدمته كل من مالي والنيجر لقطع علاقتهما بأوكرانيا "منطقي ومقنع"، واستدرك قائلاً: "لكن القرار في المقابل يبدو متسرعا، ويبدو بشكل أكثر وضوحاً وإقناعاً أن بصمات روسيا بارزة في قضية قطع مالي والنيجر علاقتهما بأوكرانيا الخصم اللدود لروسيا وعدوها في صراعها الحالي مع الناتو".

وأشار إلى أن "النجاحات التي بدأت تحققها أوكرانيا في حربها ضد روسيا، تثير أسئلة كثيرة شأنها شأن نجاحها في دعم المتمردين الذين ينتمي أغلبهم للجماعات المتطرفة في غرب إفريقيا".

وقال: "أوكرانيا خططت بطريقة جيدة لإلحاق أكبر هزيمة بفاغنر في إفريقيا.. من خلال مدّ المتمردين بأسرار تحركات مرتزقة فاغنر، إضافةً إلى تدريب المتمردين حتى يتمكنوا من تنفيذ هجماتهم باستخدام طائرات بدون طيار".

وحذر الباحث من أن تتطور الأمور في اتجاه أن ترسل أوكرانيا قوات خاصة لتدريب الانفصاليين، كما تحدثت تقارير عن ذلك، ويأمل أن تتمكن الدول الإفريقية من فرض سيطرتها على أراضيها دون مساعدة خارجية وألا يتم استغلالها من قبل قوى خارجية لتصبح ملعباً للتنافس والصراع.

كان عدد من المسؤولين الأوكرانيين قد أعربوا عن سعادتهم بالهزيمة التي منيت بها مجموعة فاغنر الروسية خلال معاركها ضد المتمردين الانفصاليين في شمال مالي خاصةً المعارك التي جرت أواخر الشهر الماضي. ولعل تصريح المتحدث باسم المخابرات العسكرية الأوكرانية، أندريه يوسوف، الذي أكد فيه أنه كان على اتصال مع المتمردين الانفصاليين في شمال مالي وأنهم تلقوا منه معلومات ضرورية سمحت لهم بتنفيذ عملية عسكرية ناجحة ضد مقاتلي فاغنر، كان كافياً لإثارة غضب مالي.

حيث استنكرت الحكومة المالية تصريحات المسؤول الأوكراني وقالت في بيانها إنها "أخذت علماً بالتصريحات التخريبية التي اعترف من خلالها أندريه يوسوف بتورط أوكرانيا في هجوم جبان وغادر وهمجي شنته مجموعات إرهابية مسلحة وأدى إلى مقتل عناصر من قوات الدفاع المالي".

وكانت القوات المالية مدعومة بعناصر من مجموعة فاغنر قد مُنيت بخسائر كبيرة أواخر تموز/ يوليو الماضي بعد هجوم نفذه المتمردون عليها.

ولم يتوقف الخلاف عند هذا الحد بل تدخّل السفير الأوكراني لدى السنغال، يوري بيفوفاروف، في الحادثة ونشر مقطع فيديو للمسؤولين الأوكرانيين وهم يؤكدون دعمهم للمتمردين شمال مالي، ما دفع النيجر إلى إعلان تضامنها مع مالي وقطع علاقتها بكييف، وتحذير السنغال للسفير الأوكراني المعتمد لديها بضرورة الالتزام بمهامه وضبط النفس وعدم التدخل في شؤون الدول المجاورة.

من جهتها، أعربت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، وعلى الرغم من خلافها مع الانقلابيين في منطقة الساحل، عن "رفضها القاطع وإدانتها الصارمة لأي تدخل أجنبي في المنطقة".

أما روسيا، فقد اتهمت على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، "نظام" (الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي بفتح جبهة ثانية في إفريقيا "من خلال دعم الجماعات الإرهابية" في الدول الموالية لموسكو.

يقرأون الآن