تتحوّل الدول المستضيفة للبطولات الرياضية إلى مقاصد سياحية، حيث يأتي المشجعون من كل أنحاء العالم، لدعم فرقهم. هذا يعني زيادة في الإيرادات من الفنادق والمطاعم. وحتى محلات التذاكر. حيث تستثمر الدول في ملاعب جديدة ومطارات، وطرق، مما يعزز البنية التحتية بشكل عام، وهذا يفيد في المدى الطويل حتى بعد انتهاء البطولة.
وفي هذا الشأن يأتي اهتمام رؤية المملكة العربية السعودية 2030 بقطاع الرياضة، لتفعيل الجانب الاقتصادي في كل إجراء تتخذه، والتركيز على المردود المالي للأنشطة الرياضية، لضمان استدامتها، بعيداً عن آلية دعم الدولة للقطاع، التي كانت عنوان مرحلة ما قبل الرؤية، ومن هنا، ركّزت وزارة الرياضة على أهداف بعينها، ليس أولها تخصيص الأندية، وضخ الاستثمارات، وجلب أشهر اللاعبين، وتسويق المناسبات الرياضية، وليس آخرها فتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في القطاع. واستضافة البطولات العالمية، وتفعيل الجوانب الاستثمارية في القطاع.
ولم تبخل المملكة على القطاع الرياضي السعودي مالياً وفنياً، وابتكرت المبادرات المختلفة للنهوض به، حيث خصصت ميزانيات ضخمة، لتنفيذ هذه المبادرات، إذ يكفي أنها خصصت 160 مليون ريال لتنفيذ عدة مشاريع ضمن مبادرة تطوير المنشآت الرياضية، مع تقديم الدعم المباشر لأندية دوري روشن وأندية دوري يلو، وأندية الدرجة الثانية، يتجاوز 1.1 مليار ريال، وإطلاق مبادرة الحضور الجماهيري بآلية جديدة وبميزانية تقدر بـ30 مليون ريال، مع دعم ثابت لأندية الدرجتين الثالثة والرابعة بقيمة 88 مليون ريال.
البطولات الرياضية وعلاقتها بالناتج المحلي
إلى ذلك تشير بعض الدراسات العالمية إلى أن البطولات الرياضية يمكن أن تزيد من الناتج المحلي الإجمالي. وتعتبر هذه الإيرادات أحد أكبر المصادر، حيث تدفع شبكات البث والمنصات الرقمية مبالغ ضخمة للحصول على حقوق بث البطولات الكبرى. وعلى سبيل المثال، في عام 2022 تم التوصل لاتفاقية بث تلفزيوني جديدة لبطولة Masters بقيمة 500 مليون دولار على مدار 12 عامًا، هذا بالإضافة إلى أن العلامات التجارية الكبرى تسعى إلى الارتباط هذه الرياضة لزيادة انتشارها وتحسين صورتها. ويمكن أن تصل قيمة الرعاية لبطولات الجولف الكبرى إلى عشرات الملايين من الدولارات سنويًا.
ويقول اقتصاديون إن إجمالي إيرادات الجولف في أمريكا تقدر بنحو 84 مليار دولار سنويًا. وبطولة US Open تجلب إيرادات تصل إلى 130 مليون دولار في السنة الواحدة. وتعد حقوق البث التلفزيوني أحد أهم مصادر الإيرادات، حيث تبلغ قيمتها نحو 800 مليون دولار سنويًا، حيث تتلقى بطولات الجولف الأمريكية الكبرى ملايين الدولارات من الشركات الراعية كل عام. وتبلغ قيمة رعاية Masters نحو 70 مليون دولار. وتنتج مبيعات المنتجات والبضائع المرتبطة بالجولف إيرادات تقدر بنحو 32 مليار دولار سنويًا.
سجلت المبادرات التي تشرف على تنفيذها وزارة الرياضة في المملكة، تصاعداً كبيراً في الأرقام خلال السنوات القليلة الماضية، حيث ارتفعت نسبة الكفاءة التشغيلية للاتحادات الرياضية بنسبة تلامس 40% من خلال برنامج دعم وتطوير الاتحادات الرياضية، كما زاد عدد المشاركين تحت مظلة الاتحادات، مع تطوير أكثر من 54 استراتيجية، عبر تقديم دورات تدريبية وورش عمل ودعم مالي.
النهوض بالرياضة السعودية وتطويرها
استهدف الدعم والاهتمام غير المسبوقين من المملكة، للنهوض بالرياضة السعودية وتطويرها والمنافسة بها في أكبر المحافل الدولية في أغلب الألعاب، وبالأخص كرة القدم، وما يقوم به صندوق الاستثمارات العامة، بالتعاون مع وزارة الرياضة للتسويق والتطوير، وهو أمر يسعد جميع الرياضيين والمتابعين، ويواكب الاحتراف العالمي ويرفع اسم المملكة في جميع المحافل الدولية، ويجعل الرياضة في المملكة بيئة جاذبة للاستثمارات، من حيث الاهتمام بالمنشآت الرياضية، واستضافة البطولات الكبرى، واستقطاب أفضل المدربين واللاعبين؛ للمساعدة في تطوير الرياضة، كما أن تطبيق الاحتراف الحقيقي بكل ما تعنيه الكلمة، كان له أثر إيجابي من خلال تطوير الرياضة، والاستفادة من المدربين واللاعبين الكبار في تطوير فكر ومواهب اللاعبين السعوديين.
وفي هذا الإطار، لا ننسى جهود الهيئة العامة للرياضة، وجهودها لإعداد استراتيجية واسعة النطاق، لإقامة اقتصاد رياضي نابض ومستدام لتحفيز التغيير المجتمعي، وتحسين العوائد الاقتصادية في مجال الرياضة، بالإضافة إلى تعزيز أوجه التعاون بين الهيئة العامة للرياضة، والاتحاد السعودي للرياضة المجتمعية والاتحادات الرياضية والقطاعات الأخرى لتحقيق الأهداف المشتركة، ويندرج ما يشهده القطاع الرياضي من تطور وتحديث، تحت برنامج التحوّل الوطني 2020. وحرصت رؤية 2030 على فتح نوافذ اقتصادية استثمارية جديدة ومتعددة في المجال الرياضي، أمام القطاع الخاص والمستثمرين، وهو الذي تهدف إليه الهيئة العامة للرياضة، من أجل إيجاد اقتصاد رياضي مزدهر يتواكب مع تطلعات الرؤية.
وتجلى مشهد التغيير في القطاع الرياضي، في إعلان وزارة الرياضة بالتعاون مع المركز الوطني للتخصيص، طرح أندية رياضية للتخصيص من مختلف الدرجات للمستثمرين المحليين والدوليين، بناءً على موافقة مجلس الوزراء بتخصيص 14 ناديًا رياضيًا، في إطار قيام الأمير محمد بن سلمان ولي العهد خلال العام الماضي، بإطلاق مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية، بعد اكتمال الإجراءات التنفيذية للمرحلة الأولى، تحقيقًا لمستهدفات رؤية 2030 في القطاع الرياضي، الهادفة إلى بناء قطاع رياضي فعال، من خلال تحفيز القطاع الخاص، وتمكينه للمساهمة في تنمية القطاع الرياضي، بما يحقق التميز المنشود للمنتخبات الوطنية والأندية الرياضية والممارسين على الأصعدة كافة.
ويتضمن المشروع في المرحلة الحالية مسارين رئيسين، أولهما، الموافقة على استثمار شركات كبرى وجهات تطوير تنموية في أندية رياضية، مقابل نقل ملكية الأندية إليها، والثاني طرح عدد من الأندية الرياضية للتخصيص، بدأ خلال الربع الأخير من عام 2023م.
قفزات نوعية بمختلف الرياضات
ويهدف نقل الأندية وتخصيصها بشكل عام إلى تحقيق قفزات نوعية بمختلف الرياضات في المملكة بحلول عام 2030، لصناعة جيل متميز رياضيًا على الصعيدين الإقليمي والعالمي، إضافة إلى تطوير لعبة كرة القدم ومنافساتها بصورة خاصة، للوصول بالدوري السعودي إلى قائمة أفضل 10 دوريات في العالم، وزيادة إيرادات رابطة الدوري السعودي للمحترفين من 450 مليون ريال إلى أكثر من 1.8 مليار ريال سنويًا، إلى جانب رفع القيمة السوقية للدوري السعودي للمحترفين من 3 مليارات إلى أكثر من 8 مليارات ريال.
وأعلنت وزارة الرياضة نقل ملكية أندية الاتحاد والأهلي والنصر والهلال لصندوق الاستثمارات العامة السعودي بنسبة 75%، كما تم نقل ملكية نادي القادسية إلى شركة أرامكو السعودية، كما تم نقل نادي الدرعية إلى هيئة تطوير بوابة الدرعية ونادي العلا للهيئة الملكية للعلا ونادي الصقور إلى شركة "نيوم" السعودية. ثم المرحلة الثانية التي شملت 6 أندية وهي: الزلفي والنهضة، والأخدود والأنصار، والعروبة والخلود.
وبجانب ما سبق، هناك برنامج جودة الحياة، الذي يهدف إلى أن تصبح المملكة دولة رائدة رياضياً، عبر تطوير القطاع الرياضي بمختلف المجالات عبر مبادرات نوعية، تُنفذها وزارة الرياضة والجهات ذات العلاقة، لتحقيق هدفين إستراتيجيين من أهداف رؤية 2030، وهما: تعزيز ممارسة الأنشطة الرياضية في المجتمع، وتحقيق التميز في عدة رياضات إقليميًا وعالميًا.
ويعمل برنامج جودة الحياة على تعزيز جانب الرياضة لدى سكان المملكة من خلال المؤسسات التعليمية والأندية الرياضية، وزيادة معدلات ممارسة الأنشطة الرياضية في المجتمع، وتحقيق التميّز الرياضي في الفعاليات الإقليمية والعالمية، مما يسهم في تعزيز الصحة العامة وزيادة الناتج المحلي الإجمالي والإيرادات في الاقتصاد الوطني، وإبراز المملكة كوجهة للفعاليات الرياضية العالمية.
ومن خلال هذا النهج الإستراتيجي، استطاع البرنامج تحقيق إنجازات استثنائية في القطاع الرياضي خلال العام الماضي كان أبرزها: استضافة المملكة لعدة بطولات وفعاليات رياضية عالمية من بينها: بطولة السوبر الإيطالي 2023، والتي شارك فيها كل من إنترميلان، ونابولي، ولاتسيو، وفيورنتينا. وبطولة السوبر الإسباني 2023، حيث حصدت البطولة تغطية إعلامية واسعة في أكثر من 78 دولة حول العالم، وبلغ عدد مرات الوصول لأكثر من 3.8 مليارات شخص.
صفقات الهلال.. والعالمية
كما شهد عام 2023 تحقيق برنامج جودة الحياة العديد من الإنجازات على صعيد مبادراته المرتبطة بقطاع الرياضة، فضمن مبادرة أماكن حيوية، نُظمت العديد من الفعاليات والسباقات الرياضية المتنوعة، كإقامة ماراثون الرياض الدولي الأول في المملكة الذي استقطب أكثر من 15 ألف مشارك من حول العالم، وتشغيل القبة الرياضية المغلقة في مدينة الدمام (دوم الرياضة للجميع)، والتي شملت أكثر من 15 نشاطاً رياضياً مختلفاً، حيث تجاوز عدد المسجلين 43100 مستفيد. بينما بلغ عدد المسجلين في برنامج مراكز أندية الحي الترفيهية التعليمية أكثر من 35,000 طالب وطالبة في 45 نادياً حول المملكة. فيما ارتفع عدد الأعضاء إلى 15,000 عضو خلال عام 2023م.
واستطاع نادي الهلال إبرام صفقاته العالمية بتوقيعه مع قائد فريق ولفرهامبتون الإنكليزي البرتغالي روبن نيفيز ومدافع تشيلسي الإنكليزي السنغالي خاليدو كوليبالي ومع لاعب خط الوسط الصربي سافيتش ومع البرازيلي مالكوم، فيما كرر فريق النصر تجربته في هذا السياق بالتعاقد مع محور الارتكاز لفريق انتر ميلان الإيطالي ومنتخب كرواتيا مارسيلو بروزوفيتش ومع لاعب خط الوسط سيكو فوفانا واللاعب البرازيلي الظهير الأيسر أليكس تيليس وآخرهم النجم السنغالي ساديو ماني، وفعل النادي الأهلي الذي فاز بالحصول على توقيع حارس مرمى تشيلسي الإنكليزي ومنتخب السنغال إدوارد ميندي، واللاعب البرازيلي روبيرتو فيرمينو القادم من ليفربول بصفقة انتقال حر، والجناح الفرنسي آلان سان ماكسيمين القادم من نادي نيوكاسل الإنكليزي، والجزائري رياض محرز القادم من مانشستر سيتي، والإيفواري فرانك كيسييه قادمًا من برشلونة الإسباني.