اكتشف علماء بعد بحث استمر عقد من الزمن، كيفية بناء نصب تذكاري صخري معروف باسم "Dolmen of Menga" عمره 5600 عام في جنوب إسبانيا، حسب شبكة "سي إن إن" الأميركية.
وكشفت نتائج المشروع البحثي، الذي نشر الجمعة، في مجلة "Science Advances" العلمية، عن المهارات الهندسية المتطورة والمفاجئة، اللازمة لإنجاز مثل هذا النصب التذكاري.
ويتشكل نصب "Dolmen of Menga" من 32 حجرا ضخما مدفونة في الأرض على تل يرتفع حوالي 50 مترا عن المنطقة المسطحة المحيطة، حيث يضم ضريحا أو قبرا بغرفة واحدة، بطول حوالي 25 مترا وعرض 5 أمتار عند أوسع نقطة.
وحسب "سي إن إن"، يبلغ وزن أكبر حجر حوالي 150 طنا، أي ما يعادل تقريبًا وزن الحوت الأزرق، وتزن الأحجار الضخمة مجتمعة حوالي 1140 طنا.
ويقول أحد مؤلفي الدراسة حول النصب التذكاري، أستاذ ما قبل التاريخ بجامعة إشبيلية الإسبانية، ليوناردو غارسيا سانجوان: "إن وزن النصب التذكاري أكبر من وزن طائرتي بوينغ 747 مجتمعتين".
ويضيف: "إنها كمية هائلة من الحجارة، وقد كان دائما لغزا وسؤالا علميا مثيرا للاهتمام حول كيفية بنائه (النصب)، بالنظر إلى التكنولوجيا التي كانت لديهم في العصر الحجري الحديث".
ويُلاحظ أن الأحجار وضعت بعناية دون وجود فجوات، حسب أستاذ ما قبل التاريخ البريطاني في جامعة لندن، مايك باركر بيرسون، الذي قال إن "الدراسة تكشف مدى دقة ذلك، مع التركيز الاستثنائي على الأبعاد والزوايا".
ويصف باركر بيرسون، النصب التذكاري بأنه "واحدة من أعاجيب العصر الحجري الحديث في العالم".
وقام المشروع البحثي الذي قاده عالم الجيولوجيا في مركز جزر الكناري لعلوم المحيطات، خوسيه رودريغز، بالبحث حول كيفية قطع الأحجار ونقلها ووضعها، عن طريق النظر في التضاريس والجيولوجيا الخاصة بالموقع، والمعلومات من عمليات التنقيب الأثري السابقة، والحسابات العرقية والتاريخية لتقنيات البناء.
وحسب الفريق، فإن كل حجر من الأحجار العمودية يميل إلى الداخل بزاوية متساوية إلى حد كبير تتراوح بين 84 و85 درجة، كما أن الأحجار العمودية التي تشكل الجدران تميل جانبيا ضد بعضها البعض بزاوية ثابتة.
وأشارت الدراسة إلى أن المهندس المعماري والعمال يجب أن يكونوا قد استخدموا أدوات هندسية لتحقيق مثل هذا الاتساق والدقة.
وقال غارسيا سانجوان: "دقة الزوايا هي على مستوى المليمتر".
وأضاف: "تم وضع الأحجار ونحتها بحيث تكون مائلة قليلا ومعدلة تماما بالنسبة لبعضها البعض. ويجب أن تتناسب كل كتلة تماما مع الكتل الأخرى، وكل الأحجار مغلقة على بعضها البعض ومضمنة في الصخور الأساسية".
لفترة من الزمن، اعتقد الباحثون أن العمال المصريين استخدموا مزيجا من المنحدرات والزلاجات والحبال والرافعات لبناء الأهرامات، لكن دراسة جديدة لأقدم هرم في مصر أجريت من قبل فريق من المهندسين وليس علماء آثار، تقول إن المهندسين المعماريين القدماء استعلموا الماء للقيام بالرفع الثقيل.
وكشفت الدراسة، عن إحدى الميزات الفريدة لبناء النصب التذكاري، وهي كيفية دفن الأحجار العمودية في البداية، حيث تشير إلى أنه تم ذلك باستخدام ثقل موازن على هذه الأحجار، لدرجة أن ما يصل إلى ثلث الحجارة كان تحت الأرض عندما تم تشييدها.
وأضافت: "بعد الانتهاء من وضع الأحجار التي تمثل الجدارن، قام البناؤون بوضع 5 أحجار كبيرة لتشكيل السقف، ثم قاموا بإزالة التربة لتصل إلى مستوى الأرض المطلوب، وأقاموا أعمدة حجرية أخرى لتوفير الدعم الإضافي".
وقال غارسيا سانجوان: "بمجرد إضافة الأحجار العلوية، كان الأمر أشبه بصندوق صلب، حيث قاموا بعد ذلك بنحت كل تلك الصخور، لصنع الغرفة".
وأضاف: "ثم تمت تغطية المبنى بالتربة، والتي كانت ستعزل الغرفة عن الطقس البارد والرطب، بالإضافة إلى أنها تعمل كداعم لاستقرار البناء".
وأكد غارسيا سانجوان أنه ليس من الواضح تماما كيفية استخدام النصب التذكاري في هذا الوقت، على الرغم من العثور على بقايا أثرية قليلة داخله.
لكن البحث اقترح أن أحد الأسباب التي دفعت إلى بنائه هو أن المنطقة نشطة زلزاليا.
وحول كيفية نقل الصخور، كشف بحث نشر في ديسمبر 2023 من قبل نفس الفريق عن محجر يبعد 850 مترا على ارتفاع حوالي 50 مترا أعلى من موقع النصب التذكاري، وهو مصدر لهذه الأحجار، حيث كانت التضاريس مواتية لتسمح بنقلها أسفل المنحدر.
واقترحت هذه الدراسة أن البنّائين ربما صمموا طريقا لتقليل الاحتكاك بين الصخور الناعمة نسبيا، عن طريق دفن أعمدة أو ألواح خشبية متباعدة عن بعضها في الأرض، ونقل الأحجار باستخدام زلاجات خشبية ضخمة يتم التحكم فيها باستخدام حبال كبيرة.
وقال غارسيا سانجوان: "إذا حاول أي مهندس اليوم بناء هذا النصب باستخدام الموارد والأدوات الموجودة منذ 6000 عام، لا أعتقد أنه يمكنه القيام بذلك".