يفقد العراق شيئا فشيئا المياه التي هي أبرز سلاح في جعبته لمحاربة تداعيات التغير المناخي، لأسباب بعضها طبيعي والآخر بفعل دول الجوار.
ويحتل العراق المرتبة الخامسة في قائمة الدول الأكثر تأثرا بظاهرة التغير المناخي، وسط توقعات بأن يشتد تضرر البلاد من هذه الظاهرة في المستقبل المنظور.
ويقول برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة إن الآثار الاقتصادية والبيئية والصحية الناجمة عن تحولات المناخ، تمثل التهديدات الأشد فتكا التي يواجهها العراق.
ملامح التغير المناخي في العراق
وتتجلى ظاهرة التغير المناخي في العراق، بحسب خبراء، في الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة، ويترافق ذلك مع تصحر وتقلص للأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، فضلا عن العواصف الترابية والغبارية، التي باتت أكثر شدة قوة مما سبق.
وتفيد أرقام رسمية بأن التصحر بات يجتاح 39 بالمئة من الأراضي العراقية، كما تهدد زيادة ملوحة التربة القطاع الزراعي في 54 بالمئة من الأراضي المزروعة.
ومما يسهم في استفحال أزمة التغير المناخي، كما يشير خبراء بيئيون، هي السياسات المائية المجحفة بحق بلاد الرافدين من طرف دول الجوار، عبر تشييد السدود على منابع وروافد كل من نهري دجلة والفرات.
وعملت هذه السياسات مع مرور الوقت على تقليص تدفق المياه على الأراضي العراقية، مما أدى لحدوث شح كبير في كميات المياه المخصصة للري.
أهم سلاح شبه مفقود
ويقول حمزة رمضان مدير مركز استراتيجيات المياه والطاقة لموقع "سكاي نيوز عربية": "الوفرة المائية هي أول مدماك في مشاريع مكافحة التصحر والجفاف وتداعيات تغيرات المناخ، في حين أن العراق يعاني من شح حاد في المياه، بلغ مستويات خطيرة".
ويرى رمضان أنه من دون ضمان حصص مائية عادلة للعراق من مياه نهري دجلة والفرات، فلا يمكنه مكافحة التغير المناخي.
وقال إن العراق نتيجة لسياسات تركيا وإيران التي أدت إلى شح المياه، اضطر إلى تقليص المساحات الزراعية للنصف.
وتابع: "نرى أن وزارتي الموارد المائية والزراعة، تتفقان على تقليص الرقعة الزراعية للنصف وإخراج كامل محافظة ديالى من الخطة الزراعية الشتوية، وهذا ما يواكب ادعاءات إيران مثلا بأن العراق لا يحتاج لمياه لري أراضيه".
ويرى الخبير العراقي أن الوضع المائي في بلاده كارثي، إذ تواجه عجزا مائيا يصل إلى نحو 11 مليار متر مكعب من المياه سنويا، وذلك بسبب تراجع مناسيب نهري دجلة والفرات.
ومع الزيادة الديمغرافية، حيث يتوقع أن يصل عدد سكان العراق إلى 80 مليونا بحلول عام 2050، يقول رمضان: "لا نرى اي خطط تنمية مستدامة تواكب وتستبق هذه الزيادة السكانية الهائلة".
وأضاف: "ومع التقدم التكنولوجي الذي لا يتوقف حول العالم، سيتم طبعا إيجاد بدائل كثيرة للنفط، ما يقلل الطلب العالمي عليه، وهو الذي تعتمد عليه ميزانية العراق بشكل شبه كلي، فهي ميزانية ريعية تعتمد على النفط دون أي اعتبار للزراعة والصناعة وغيرهما من مضامير الانتاج الحيوية والمتجددة".
ويتابع الأكاديمي العراقي: "التصحر يجتاح نصف العراق تقريبا، حيث يغطي حاليا نحو 40 بالمئة من مساحة البلاد، ورقعة التصحر تتسع سنويا بسبب قلة الأمطار وشح مياه الري مما يسبب تدهور الترب الزراعية وزيادة الملوحة فيها، ولهذا فالواقع على الأرض كارثي تماما، ومعالجة وتدارك هذه الأزمة أو بالأحرى الكارثة مهمة صعبة للغاية".
تراجع الأمطار
من جهته، يرى الخبير الجيولوجي العراقي علي إسماعيل، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" :"أن ظاهرة التغير المناخي هي أحد أهم التحديات الرئيسية التي تواجه العالم بأسره وليس العراق فقط، وتتبين من خلال تبدلات طويلة الأمد وغير مسبوقة في درجات الحرارة والطقس على الأرض، مما يتطلب أخذ الموضوع ببالغ الجدية والاهتمام".
وأضاف إسماعيل أن أبرز تداعيات التغير المناخي تشمل" قلة الساقط المطري، الذي له تأثير مباشر على ارتفاع وتيرة الجفاف وظاهرة التصحر التي غزت مناطق واسعة على مستوى العراق ومنطقة الشرق الأوسط عموما، والتي بلا شك لها تأثير بالغ السلبية والخطر على معيشة وصحة الإنسان، عبر ما يترتب عليها من قلة في الموارد وهدرها، وبالتالي تفاقم المجاعة ونقص امدادات الغذاء والمياه.
ويختم الأكاديمي العراقي: "ما يتطلب من العراق ومن مختلف البلدان خاصة المتضررة أكثر من غيرها بظواهر تبدل المناخ، النظر بجدية للأزمة الوجودية هذه، وتشكيل فرق متخصصة لدراسة الواقع وبيان آليات وسبل المعالجة والتصدي، التي من الممكن اعتمادها، والتي من المفترض أن تكون مواكبة لأحدث التقنيات العالمية، وخاصة بدائل الطاقة النظيفة والمتجددة".
سكاي نيوز