أثار وزير المالية العراقي، علي علاوي، موجة غضب واسعة، إثر تصريحاته عن تسريح موظفي الدولة، بعد 10 أعوام، بسبب أفول عصر النفط، في ظل اعتماد العراق عليه، من أجل تمويل موازناته المالية.
وقال علاوي، وهو خبير مالي مخضرم خلال تصريحات صحفية، إن "النفط سينهار للأبد بعد 10 سنوات، وسيقوم العراق بتسريح موظفيه، بسبب استمرار الاعتماد على النفط الذي يشكل أكثر من 90 في المئة من إيرادات الدولة".
وعلى الرغم من أن حديث الوزير العراقي، تضمن ضرورة تنويع موارد الاقتصاد، واللجوء إلى الموارد غير النفطية، مثل السياحة، وإنعاش القطاع الخاص، فإنه أثار موجة استياء واسعة في صفوف المعلّقين، والأوساط الشعبية، ليس من شخص الوزير؛ لكن سهام النقد توجهت إلى طريقة إدارة الاقتصاد في البلاد.
وشهد العراق أزمة مالية في يونيو 2020، حيث جرى أول اقتراض للحكومة بهدف تمويل رواتب الموظفين والمشاريع لمدة 3 أشهر، وتجددت الأزمة في سبتمبر من ذلك العام، عندما عجزت الحكومة عن صرف الرواتب وتأخرت 45 يومًا، مما دفع مجلس النواب إلى الموافقة على القرض الثاني للحكومة.
الورقة البيضاء
وعلى الرغم أن الحكومة الحالية، برئاسة مصطفى الكاظمي، أعلنت عن مشروع كبير لإدارة الاقتصاد في العراق، على المدى المتوسط والطويل، ضمن ما عُرف بـ"الورقة البيضاء"، لكن الوصول إلى ذلك بحاجة إلى وقت طويل، وإجراءات قاسية.
وتضمنت الخطة الجديدة، ضبط المنافذ الحدودية، وتفعيل قطاع الزراعة، وتعزيز البيئة الاستثمارية، وطمأنة الشركات الأجنبية، عبر إجراءات ملموسة، فضلاً عن خفض سعر صرف الدينار، بهدف تشجيع المنتجات المحلية.
ويرى خبراء أن التدهور الاقتصادي الذي يشهده العراق اليوم، ليس وليد اللحظة، بل بدأ منذ الفورة النفطية قبل خمسة عقود، عندما اعتمدت الدولة على الريع النفطي، وأهملت القطاعات الأساسية التقليدية في الاقتصاد العراقي، ألا وهي الزراعة والصناعة والسياحة.
كما أن العراق شهد خلال السنوات الماضية، سوء إدارة، وعسكرة للمجتمع، أنتجت الوضع المريع الحالي، في وقت كان بوسع الاقتصاد العراقي أن يتبوأ مكانة بين أقوى الاقتصادات في المنطقة.
في المنحى نفسه، يرى الخبير في الشأن الاقتصادي العراقي، سرمد الشمري، أن "تحذيرات الوزير معروفة للجميع، لكن الأهم منها، هو الانطلاق والتأسيس لمرحلة جديدة، من تثبيت ركائز الاقتصاد العراقي، مثل السياحة، والزراعة، والصناعة، ووضع برامج واضحة، لتفعيل تلك الجوانب، وهو ما عملت الحكومة الحالية على أجزاء منه، لكن المسألة بحاجة إلى وقت أطول".
وأضاف الشمري في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "القلق وتفاعل الجمهور العراقي مع تصريحات الوزير، صائبان، وينطلقان من تطور قدرة المواطن على التشخيص، وفهم الخلل، والمشاركة في صنع القرار".
ولفت إلى "ضرورة النأي بالاقتصاد عن المشاكل السياسية، والخلافات الحزبية، التي تسببت دائماً بعرقلة المشروعات التنموية، وألغت الكثير منها".
هزيمة النفط
وتصاعدت حدة التحذيرات مع قدوم السيارات التي تعمل بالطاقة البديلة، سواء بالطاقة الشمسية أو أي طاقة أخرى، وهو ما يعني أن الطلب على النفط الخام سيقل، وهو ما تستعد له دول المنطقة عبر جملة مشاريع في هذا المسار.
وواجه الوزير العراقي انتقادات واسعة، حيث حمله نشطاء مسؤولية وضع البلاد على المسار الصائب، وعدم الاكتفاء بطرح المشكلات، وهي غالبًا ما تكون معروفة للجميع.
المختص في الشأن السياسي العراقي، فاضل أبو رغيف، طالب بوضع الحلول لتلافي أي أزمة اقتصادية قد يواجهها العراق مستقبلاً.
وقال في تغريدة له إن "تصريحات وزير المالية تُظهر مستقبلًا أسود لاقتصاد العراق، تكلم بأرقام مخيبة للآمال، ولوح بفراغ خزائن البلاد، وطرح مشكلات ولم يضع أمامها حلولاً".
وشدد على أن "خطابه يسترعي من الحكومات القادمة أن تستعين بأفضل اقتصاديي العالم، ونحتاج أن نبدل اقتصادنا من ريعي إلى منفتح، ومن مستوردين لمنتجين".
أما الأكاديمي أحمد يونس فقد كتب قائلاً "أنا مع تصريح الوزير بشكل كامل، العالم يتجه لمسار ثانٍ، وسياسات جديدة ونحن نعيش على النفط، الذي سيبلغ ذروة الطلب العالمي عليه بحلول 2030، ويتراجع قبل 2050".
وحتى الآن، ما زال العراق في طريقه إلى تجديد لوائح العمل الخاصة به من أجل الابتعاد عما يوصف بالاشتراكية الموروثة، والتي ترجع إلى حقبة حزب البعث من 1968 إلى 2003.
سكاي نيوز