في نظر الكثير من المؤسسات الأمنية الإسرائيلية فإن آخر حرب مع حزب الله عام 2006 كانت بمثابة فشل لإسرائيل التي لم تحقق أهدافها المعلنة.
ففي 2006 فشلت إسرائيل في استعادة الجنديين الأسيريين وفي إزالة حزب الله من منطقة الحدود وكان للقوات الجوية الإسرائيلية قائمة ضئيلة من الأهداف في حين كافح الجنود على الأرض أثناء القتال في التضاريس الوعرة جنوب لبنان وذلك وفقا لما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
وقالت الصحيفة إنه بعد ما يقرب من 20 عاماً، شنت إسرائيل هجوماً آخر على حزب الله لكنها حققت هذه المرة سلسلة من النجاحات في ضوء الهجمات التي قتلت قادة الحزب وشلت شبكات اتصالاته واستهدفت مخابئ أسلحته وهو ما اعتبره خبراء إسرائيليون نتيجة مباشرة للاستثمارات في الاستعداد لمعركة مستقبلية مع الجماعة اللبنانية منذ 2006.
لكن مع توغل القوات الإسرائيلية بريا في عمق لبنان فإنها سوف تكون عُرضة لمخاطر أكبر بما في ذلك الأسلحة المتطورة التي يستخدمها حزب الله وإذا فشلت الحكومة الإسرائيلية في وضع استراتيجية خروج واضحة مثلما حدث في غزة فقد يخوض الجيش حربا طويلة الأمد تستنزف موارده إلى أقصى درجة.
ووفقا لـ"نيويورك تايمز" فإن توجيه الضربة تلو الأخرى لحزب الله ساعد في استعادة سمعة إسرائيل بشأن قوتها في الشرق الأوسط لكنه أكد أيضًا على أنها كانت أكثر استعدادًا للحرب مع الحزب مقارنة بحربها مع حماس.
قال ياكوف أميدرور، وهو لواء متقاعد والمستشار السابق للأمن القومي الإسرائيلي "حزب الله أقوى من حماس بعشر مرات. لكن الجيش الإسرائيلي كان أكثر استعدادًا لحزب الله بعشرين مرة من استعداده لحماس".
وكان حزب الله أيضًا أكثر استعدادًا للحرب مع إسرائيل مقارنة بـ2006 حيث بنى ترسانة تقدر بأكثر من 100 ألف صاروخ وقذيفة ودرب عشرات الآلاف من المقاتلين ودرس قادته إسرائيل بعناية، وقدرت الجماعة اللبنانية أنها يمكنها تبادل الهجمات مع إسرائيل لدعم حماس دون إشعال حرب شاملة.
لكن الهجوم الإسرائيلي أظهر الخطأ الفادح في تقديرات حزب الله حيث صعدت إسرائيل هجماتها في منتصف أيلول/ سبتمبر، فبدأت أسابيع من القصف ضد الحزب واستهدفت مقاتليه بتفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي وأجهزة النداء.
وبعدها قتلت إسرائيل العديد من كبار قادة حزب الله، بما في ذلك إبراهيم عقيل، زعيم قوة الرضوان وفي 27 أيلول/ سبتمبر، قتلت الأمين العام للحزب حسن نصرالله والخميس الماضي قال مسؤولون إسرائيليون إنهم حاولوا قتل خليفته المحتمل هاشم صفي الدين ولم يُعرف بعد ما إذا كانوا نجحوا أم لا.
وفي الوقت نفسه، ضربت حملة قصف واسعة النطاق من قبل الجيش الإسرائيلي البنية التحتية لأسلحة حزب الله وقتلت مسلحيه، مما قوض قدرة الحزب على الرد بقوة.
وأشار الجنرال عميدرور إلى التفوق الاستخباراتي لإسرائيل على حزب الله والمتمثل في زيادة نشر المسيرات في سماء لبنان مقارنة بـ2006.
وقال إيال هولاتا، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق إن القوات الإسرائيلية ركزت على جمع المعلومات الاستخباراتية عن قادة حزب الله وتحركاتهم بالإضافة إلى أنظمة الاتصالات والمرافق السرية.
ورغم أن حزب الله كان يعلم منذ فترة طويلة بمراقبة إسرائيل لأعضائه، إلا أن الضربات الأخيرة المتكررة لقادة الحزب تشير إلى أنه لم يدرك مدى اختراق صفوفها.
وأضاف هولاتا، الذي يشغل الآن منصب زميل أول في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بواشنطن "نحن نرى الآن كيف أعطتنا هذه المعلومات ميزة".
وقال مسؤولون إسرائيليون رفضوا الكشف عن هويتهم إن عملية الاستخبارات الإسرائيلية ضد حزب الله كانت قادرة في كثير من الأحيان على جمع المعلومات من اجتماعات سرية دون علم حزب الله.
ومع ذلك، قد تكون الاحتفالات في إسرائيل بنجاحاتها سابقة لأوانها في ظل الثمن الباهظ للغزو البري للبنان والذي لم يمض عليه سوى أيام قليلة فقط ففي يوم الأربعاء الماضي، قٌتل 9 جنود إسرائيليين في حين قتل 2 آخرين في الجولان المحتل.
وقال عميدرور "سيكون الغزو البري أكثر صعوبة.. نحن نتحدث عن منظمة أكثر خطورة واستعدادًا وتسليحًا من حماس".
ووفقًا لوكالة المخابرات المركزية، فإن حزب الله لديه 20 ألف مسلح نشط و25 ألف احتياطي في عام 2021 ويتمتع العديد من مسلحيه بخبرة عملياتية وقال نصر الله سابقا إن الحزب لديه 100 ألف مسلح.
وفي حين قال مسؤولون إسرائيليون وأميركيون كبار إن حزب الله فقد حوالي نصف ترسانته في الغارات الجوية، فإنه لديه إمكانية الوصول إلى صواريخ موجهة مضادة للدبابات، مما يشكل تحديًا آخر للجنود الإسرائيليين.
وقال معظم خبراء الأمن الإسرائيليين إن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الغموض بشأن استراتيجية إسرائيلية واضحة للخروج من لبنان وهو ما أثار مخاوف من تورط الجيش الإسرائيلي في حرب استنزاف.
وأضاف الخبراء أن الحكومة الإسرائيلية بحاجة إلى ترجمة الإنجازات التكتيكية للجيش إلى نجاح سياسي من خلال السعي إلى اتفاق دبلوماسي يعيد الأمن إلى شمال إسرائيل وأشاروا إلى أنه في غياب مثل هذه الصفقة، فمن غير الواضح متى سيتمكن نحو 60 ألف نازح من العودة إلى ديارهم.
وقال هولاتا "لا تبذل القيادة السياسية حاليا جهداً كافياً لحل هذه القضية.. وأخشى أن تتلاشى نجاحاتنا في غياب استراتيجية واضحة لتحقيق تسوية سياسية".