أُصيب العالم بالأمس، بحالة من الهلع النووي، بعد الإعلان عن استهداف مفاعل نووي في اوكرانيا، وهو الحدث الذي عزّز الشكوك في إمكان تطور العمليات الحربية في تلك المنطقة الى ما هو أخطر وأدهى. وإذا كانت موجة الهلع الأكبر قد تمدّدت خارج حدود روسيا وأوكرانيا، وضربت جيران هاتين الدولتين المتحاربتين، إلّا انّ ارتداداتها حرّكت عوامل القلق والذعر على امتداد الكرة الارضية، من دون ان تستثني هذه المنطقة، ولبنان من ضمنها.
الأمن الحياتي مهدّد
وعلى ما بات مؤكّداً، فإنّ لبنان الذي تعرّض لقنبلة نووية اقتصادية ومالية واجتماعية اطاحت كل شيء فيه، وأفقدته عوامل صموده في وجه العواصف الداخلية والخارجية، قد سبق العالم في تلقّي الصدمات، فأمنه الإجتماعي غاية في الاهتراء، وأمنه الصحّي غاية في التردّي، والفواتير الاستشفائية هائلة، والاستشفاء بات للأغنياء فقط، فيما مرضى الضمان الاجتماعي مهدّدون، وها هو البلد اليوم بدأ سيره نحو أزمة لاحقة، هي الأشدّ خطورة عليه وتهّدد أمنه الغذائي، يُنذر بها اقتراب المخزون الداخلي من الشحّ في الأساسيات المتعلقة بحياة المواطنين مثل القمح، اضافة الى الزيوت من اوكرانيا وروسيا، وضعف القدرة، سواء المالية او اللوجستية، على إيجاد مصادر بديلة. وهو أمر ينذر بدوره بواقع مرير وأليم على هذا البلد.
تحذير من الأسوأ
وعلى الرغم من التطمينات التي تبديها بعض المستويات الرسمية والاقتصادية حول انّ مخزون الطحين والمواد الغذائية وكذلك المواد الأساسية كافٍ لفترة شهر ونصف، الّا انّها في رأي خبراء اقتصاديين تطمينات مؤقتة، أقرب الى إبر مخّدرة لا أكثر. فالوضع مخيف لا بل مرعب، حيث لن يطول الوقت وستفقد الإبرة المخدّرة مفعولها، وسنعود الى الاصطدام بواقع لبناني ضعيف جداً، عاجز عن تلبية أساسيات حياته وتأمين رغيف خبز.
وقال خبير اقتصادي لـ"الجمهورية": "لا شك أنّ الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان قد شلّته بشكل شبه كامل، الاّ انّ ذلك لا يعني ان ننتظر لنصاب بالشلل الكامل. فتعامل الجهات المسؤولة في الدولة مع هذا الخطر الكبير الآتي حتماً، إن تفاقمت الأمور أكثر في تلك الحرب، لا نقول إنّه دون المستوى، بل هو شبه معدوم بالفعل. حيث لا يجدي الهروب الى الأمام والقول انّ الازمة ليست على لبنان فقط بل هي أزمة على امتداد العالم. فقد يصح مثل هذا الكلام إن كان لبنان محصّناً ويملك بالفعل قوة لتلقّي الصدمات. وها هو يبحث عمّن يزوده بالقمح وعمّن يدفع ثمنه. فإذا كنا غير قادرين على دفع ثمن القمح، فكيف لنا أن نصمد؟".
وحذّر الخبير "من الانحدار والسقوط الفعلي الى قعر الهاوية التي نحن فيها أصلاً"، وقال: "لبنان اليوم، في سباق مع هذا السقوط، ما يوجب على الحكومة والجهات المسؤولة، وبدل الاستغراق كما هي الآن، في مراقبة الحدث الأوكراني ورصد كرة النار التي يمكن ان تتدحرج في كل اتجاه، ان تبادر ولو إلى تحصينات الحدّ الأدنى في هذا المجال وبالإمكانات المتاحة، وإلّا فإنّ هذا الشحّ، فيما لو استمرّ وخصوصاً في مادة القمح، سيوصل البلد في نهاية الامر الى الجوع الحقيقي".
"ما حدا فاضيلنا"
وأبلغ مرجع مسؤول الى "الجمهورية" قوله: "لا أحد يستطيع ان يتنبأ بمستقبل الحرب في اوكرانيا ولا بتداعياتها وما قد ينتج منها من وقائع او قواعد جديدة على المسرح الدولي بشكل عام، ومما لا شك فيه انّ تأثيراتها مترامية على مستوى العالم وصولاً الى منطقتنا، ولا نستطيع ان نعتبر أنفسنا معزولين عن تلك التداعيات، ولكن بمعزل عن هذه الحرب وتداعياتها المحتملة، لبنان في أسوأ أزمة في تاريخه، ودلّت الوقائع المحلية والخارجية انّه متروك لمصيره، يقلّع شوك أزمة ثلاثة أرباعها صناعة داخلية، بيديه، ما يعني انّه خارج سلّم اولويات الدول، حتى تلك التي تعتبره شقيقاً او صديقاً، فكيف الآن مع الأزمة الجديدة بين روسيا واوكرانيا، التي خلقت اولويات جديدة ومحصورة في اوكرانيا؟".
وخلص المرجع المسؤول الى القول: "انا اشارك المتشائمين والخائفين من تداعيات هذه الحرب علينا وعلى العالم، والوضع أكثر من مخيف، واياً كانت الإمكانات ضعيفة، فبمقدور الحكومة ضمن هذه الإمكانيات ان تفعل شيئاً، لأننا وحدنا، حيث يجب ان نعترف "انو ما حدا فاضيلنا"، ولا مكان للبنان في جدول الأولويات الدولية وحتى العربية، وإن وجد، فلن يكون اكثر من نقطة غير مرئية في هذا الجدول".
مزيد من الشكر
على انّ اللافت للانتباه في هذا السياق، هو الهبّة الدوليّة في اتّجاه لبنان، لتوجيه الشكر على موقفه من الحرب الروسية- الاوكرانية، وتصويته في الامم المتحدة.
وجديده أمس، زيارة وفد موسّع من الاتحاد الاوروبي الى رئيس الجمهورية ميشال عون، ضمّ سفراء وقائمين بأعمال بلجيكا، بلغاريا، المانيا، الدنمارك، اليونان، اسبانيا، فنلندا، فرنسا، هنغاريا، ايطاليا، هولندا، بولونيا، رومانيا، سلوفاكيا والسويد. حيث كرّر الوفد شكر لبنان لـ "موقفه في الجمعية العامة للامم المتحدة من الأزمة في اوكرانيا، حيث انضمّ الى 140 دولة في الامم المتحدة بإدانته هذا العمل الهجومي الروسي غير المبرّر، الذي انتهك القوانين الدولية وهدّد الامن والاستقرار في اوروبا".
ووفق المعلومات الرسمية، فإنّ الرئيس عون أكّد خلال اللقاء "أنّ العودة الى خيار التفاوض هو الافضل في حل النزاع القائم بين روسيا واوكرانيا، لأنّ اعتماد الوسائل السلمية يؤدي الى حقن الدماء ويجنّب أي تداعيات تزيد الخلافات بين الدول عموماً والدول المجاورة خصوصاً".
وإذ لفت الى "أهميّة اعتماد لغة الحوار والتضامن بين الشعوب والدول خلال الأزمات والحروب". قال: "إنّ موقف لبنان كان دائماً ولا يزال ضدّ أي عمل حربي موجّه ضدّ ايّ دولة حرة ومستقلة، ونعتبر ذلك اعتداء على السيادة والاستقلال كما على الشعب الآمن. فلبنان عانى الكثير من المشاكل والحروب التي كانت نتائجها وخيمة على شعبه كما على بناه التحتية واقتصاده، لاسيما إباّن الاجتياح الاسرائيلي لبيروت عام 1982".
المفاوضات مع الصندوق
من جهة ثانية، وفيما ينتظر لبنان عودة وفد صندوق النقد الدولي الى بيروت في غضون ايام قريبة، أبلغت مصادر حكومية إلى "الجمهورية" قولها، انّ الزيارة المرتقبة لوفد الصندوق غاية في الأهمية لناحية التحضير لانطلاقة سريعة للمفاوضات، لبلوغ برنامج تعاون يُرتقب ان ينال منه 3 او 4 مليارات دولار.
ورداً على سؤال عن صحة ما يتردّد، أنّ خطة التعافي التي أعدّتها الحكومة لم تُقنع صندوق النقد، وهو الامر الذي قد يؤخّر بدء المفاوضات، اكتفت المصادر بالقول: "نسمع الكثير من الكلام والكثير من التشويش والسيناريوهات غير الواقعية، فيما الصورة غير ذلك تماماً، حيث انّ المباحثات مع مسؤولي صندوق النقد تجري في المسار الصحيح، وخلافاً لما يُقال، فإنّ الأجواء ايجابية حول خطة التعافي".
"الكابيتال كونترول"
إلى ذلك، كشفت مصادر ديبلوماسية غربية لـ"الجمهورية"، انّ الزيارة الاخيرة لوفد صندوق النقد الدولي، وكذلك زيارة وفد وزارة الخزانة الاميركية، كانتا غاية في الأهمية، ولا سيما لناحية تحديد كيفيّة إخراج لبنان من أزمته، ووصول المساعدات الدولية اليه.
وبحسب المصادر عينها، فإنّ "كبار المسؤولين في لبنان قد تبلّغوا بشكل شديد الصراحة والوضوح، بأنّ الجهات المسؤولة في لبنان باتت ملزمة في الإقدام على خطوات اساسية وعاجلة ومسؤولة، لتسهيل بلوغ برنامج تعاون مع صندوق النقد الدولي، وتشجيع المؤسسات المالية الدولية على فتح أبواب المساعدات للبنان. ومن دون هذه الخطوات بالتأكيد لن يحصل لبنان على شيء".
وكشفت المصادر، انّ "أبرز هذه الخطوات تتجلّى في إقرار القانون المتعلق برفع السرية المصرفية، وكذلك قانون "الكابيتال كونترول" بمضمون واقعي ومدروس، يلبّي الغاية منه ويحاكي الحاجة اليه، وليس بمضمون فارغ. أضافة الى توزيع الخسائر بشكل عادل ودقيق لا يحمل الأعباء للمودعين. كما الى مسألة أساس، وهي إتمام التدقيق الجنائي. مشيرة الى انّ المماطلة التي سادت هذه الخطوات التي كان يُفترض ان يُقدم عليها لبنان قبل سنتين على الاقل، زادت الامور تعقيداً، واستمرارها معناه انّ لبنان لن يتلقّى ولو دولاراً واحداً".
أقل من شهر
سياسياً، مع تزايد عدد المرشحين للانتخابات النيابية في آخر ايام المهلة التي تنتهي في 15 آذار الجاري، يزداد هدير الماكينات الانتخابية في كل المناطق، فيما حركة الاتصالات تجري بين مكونات وتوجّهات مختلفة تمهيداً لصياغة التحالفات وتشكيل اللوائح، التي يفترض ان تتبلور بصورتها النهائية قبل أربعين يوماً من موعد الانتخابات في 15 ايار، اي قبل مطلع نيسان المقبل، ما يعني انّ المهلة لذلك هي أقل من شهر.
في هذه الأجواء، رحّلت الحكومة موضوع "الميغاسنتر" الى الجلسة المقبلة، حيث لم يبت فيه مجلس الوزراء الذي انعقد بعد ظهر امس في القصر الجمهوري في بعبدا، علماً انّ المؤشرات تؤكّد أن لا إمكانية لإتمام هذا الامر لأسباب مالية وتقنية ولوجستية. فيما قرّر التمديد للانتخابات البلدية حتى 31 أيار 2013، على أن يُحال مشروع قانون التمديد الى مجلس النواب لأخذ القرار المناسب في شأنه.
وفي مداخلة له في مستهل الجلسة، دعا الرئيس ميشال عون إلى "ضرورة اتخاذ الإجراءات السريعة لضمان الأمن الغذائي للبنانيين، بعد التطورات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، وضرورة مواجهة غلاء الأسعار ومنع الاحتكار".
وأشار إلى أنّ "وفد صندوق النقد الدولي سلّط الضوء على ضرورة إقرار خطة التعافي في أسرع وقت ممكن، على أن تشمل الخطة إعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف، وتوحيد سعر الصرف، وتوزيع الخسائر، والإصلاحات المالية البنيوية اللازمة، وخطة لشبكة الأمان الاجتماعي". وقال: "لقد شدّد وفد صندوق النقد الدولي على ضرورة تأمين التوافق السياسي لإقرار خطة التعافي".
وأكّد أنّ "الوضع المالي دقيق جداً، ولا يحتمل أي تأجيل"، وقال: "أضع الجميع أمام مسؤولياتهم".
اما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فأوضح الأسباب التي دفعت بلبنان إلى اتخاذ موقف من النزاع الروسي - الأوكراني، وقال: "إنّ هذا الموقف ينطلق من سرد تاريخي لمواقف مبدئية اتخذها لبنان بإدانة أي دولة تغزو دولة جارة، علماً أنّ موقفنا من روسيا يقوم على ضرورة إقامة أفضل العلاقات معها".
وتناول موضوع الأمن الغذائي، داعياً إلى "ضرورة استشراف معالجة الوضع، الذي يمكن أن ينتج إذا ما طالت الحرب بين روسيا وأوكرانيا"، مقترحاً "اتخاذ إجراءات احترازية تمنع وقوع البلاد في أزمة غذائية".
كما عرض "المداولات مع وفد وزارة الخزانة الأميركية، والنقاط التي أُثيرت خلالها، لا سيما لجهة مكافحة الفساد وتفعيل عمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي تمّ تشكيلها، وذلك في أسرع وقت، لتأكيد جدّية الدولة اللبنانية في مكافحة الفساد".
وأفيد انّ وزير العمل مصطفى بيرم قدّم مداخلة سأل فيها: "لماذا تتكرّر التجربة في موقف لبنان من الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بانحياز لبنان الذي لا يقدّم ولا يؤخّر إلّا أضراراً على وضعنا الصعب والمعقّد؟ ألا يستحق هذا الموقف أن يُناقش في مجلس الوزراء لإخراجه بطريقة صحيحة، خصوصاً أننا اعترضنا على تصرّف وزير الخارجية سابقاً؟ وها هو الأمر يتكرّر في تصويت الأمم المتحدة من دون أن يُناقش في مجلس الوزراء؟ ألسنا معنيين جميعاً كمجلس وزراء في اتخاذ المواقف السياسية اللبنانية تجاه المواقف المختلفة"؟.. وردّ رئيس الحكومة: "قلنا لكم إنّ روسيا ليست مقصودة ولا مستهدفة من البيان، نحن ضدّ أيّ تدخّل دولي في أي دولة أياً تكن الدولة المتدخلة".
كما افيد بأنّ وزراء حركة "أمل" و"حزب الله" قدّموا اعتراضاً على مشروع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية، لجهة ما سمّوه "وجوب الحفاظ على سيادة الدولة في حقها بتوزيع المساعدات على قواها الأمنية بإرادتها".
تحذير اسرائيلي
على المقلب الجنوبي، حذّر مندوب العدو الإسرائيليّ الدائم لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، من اندلاع مواجهة عسكرية مع "حزب الله"، بسبب ما اعتبره "مواصلة الأخير لنشاطه العسكري قرب الحدود".
وقال اردان إثر لقائه القائد الإسباني الجديد لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل" أرولدو لازارو ساينز: "تصرفات "حزب الله "يمكن أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية مستقبلية، من شأنها أن تجلب كارثة إلى لبنان، وسيتعيّن على إسرائيل الردّ بقوة".
وتابع قائلاً: "أتوقع من قوات "اليونيفيل" أن تطبّق القرار 1701 بالكامل وتمنع "حزب الله من القيام بما يحلو له".
عقوبات
في سياق متصل بالحزب، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أمس الجمعة، عن فرض عقوبات على ممولين لـ"حزب الله" اللبناني في غينيا، وذلك بهدف تعطيل شبكة أعماله في غرب إفريقيا.
وقال وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية الأميركي، إنّ وزارة الخزانة تواصل كشف رجال الأعمال الذين يدعمون أنشطة "حزب الله" المزعزعة للاستقرار من خلال الرشاوى وأنشطة الفساد الأخرى. واعلن عن إدراج رجلي الأعمال اللبنانيين علي سعادة وإبراهيم طاهر على قائمة عقوبات، لتقديمهما مساعدات مادية ومالية لـ"حزب الله".
وقالت وزارة الخزانة الأميركية في بيان، إنّها أضافت كلاً من عادل دياب وعلي محمد الداون وجهاد سالم العلم وشركتهم "دار السلام للسفر والسياحة" الى قائمتها الخاصة بالعقوبات.
أضافت، أنّه "من خلال رجال أعمال كهؤلاء المحدّدين اليوم، يصل "حزب الله" للدعم العيني والمالي عبر القطاع التجاري المشروع، من أجل تمويل أعماله الإرهابية ومحاولاته لزعزعة استقرار المؤسسات السياسية اللبنانية".
الجمهورية