خيمت أجواء نووية غير متفائلة على الملف في فيينا بعد الزيارة الأخيرة لمنسق الاتحاد الأوروبي للمفاوضات النووية مع إيران إنريكي مورا، إلا أن تصريحات مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيف بوريل أوحت بإيجابية محتملة إذ ألمح إلى فك الجمود الذي غرقت فيه المحادثات عقب أشهر ماراثونية من النقاشات من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
فقد كشف بوريل من ألمانيا، حيث يشارك في اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع، أن "المفاوضات كانت متوقفة وأعيد فتحها بعد زيارة مورا"، موضحاً أن رد إيران كان "إيجابيا بدرجة كافية"، بعد أن نقل المنسق الأوروبي رسالة مفادها أن الأمور لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه. وأضاف "هذه الأمور لا يمكن حلها بين ليلة وضحاها… دعونا نقول إن المفاوضات توقفت ثم تحلحل الموقف وهذا يعني أن هناك احتمالية للتوصل إلى اتفاق نهائي". إلا أنه لم يوضح ما إذا كانت تلك المحادثات ستستأنف في تاريخ محدد أم لا.
وفي السياق، يرى السياسي اللبناني الدكتور توفيق هندي عبر "المركزية" أن "إيران غير مستعجلة. فهي تواصل التخصيب في مرحلة جمود حركة المفاوضات، وصولاً إلى تحوّلها إلى دولة حافة قادرة على إنتاج القنبلة النووية من دون أن تأخذ قراراً بإنتاجها.
ويلفت إلى أن "الغرب أشغل نفسه بقضية مواجهة روسيا في أوكرانيا في حين أن المفاوصات النووية متوقفة منذ شهرين.
سياسة العقوبات على روسيا في إقتصاد معولم أدّت إلى ارتفاع جنوني في أسعار المحروقات، مما سمح لإيران أن تبيع نفطها عبر المسالك الملتوية وهي بالتالي ليست على عجلة من أمرها، للوصول إلى الإتفاق مع أميركا لتزيد إنتاج محروقاتها، ولا سيما أن هذا الأمر يسبب ضررا" بحليفها الروسي، إذ يحرمه من ورقة ضغط قوية على أعدائه الغربيين.
ويوضح هندي أن المفاوضات متعثرة بسبب مشكلتين أساسيتين: أوّلاً، لا يتم تسليط الضوء مؤخرا" بشكل كافٍ على الشرط الإيراني الأساسي والمزمن المتمثّل بمطالبة إيران بضمانات أميركية بأن لا تتخلّى أميركا مجددا" عن الاتفاق وتعود إلى العقوبات على غرار ما حصل في عهد دونالد ترامب. هذا الشرط لا يمكن للرئيس بايدن تلبيته لأنه يتطلب تحويل الإتفاق إلى معاهدة تتطلب أغلبية ٦٠ عضوا" في مجلس الشيوخ في وقت أن الأعضاء الجمهوريين (عددهم ٥٠) إلى جانب عدد من الأعضاء الديمقراطيين يعرضون السير بهذا الأمر.
ثانياً، ظهر مؤخراً شرط آخر هو رفع "الحرس الثوري" عن لائحة الإرهاب. هنا أيضاً تكمن صعوبة جمة في تحقيق هذا الشرط لدى الأميركيين، خصوصاً ان لا علاقة للقضية بالمفاوضات النووية. وظهر طرح أميركي خجول وطروحات أوروبية برفع "الحرس الثوري" وإبقاء "فيلق القدس" المسؤول عن تصدير الثورة الإيرانية الإسلامية إلى العالم على لائحة الإرهاب. من هنا، يستبعد قدرة الأميركيين على تلبية هذه الشروط، لا سيما أن بايدن ليس بمقدوره بالسير بهذا الشرط حيث ثمة معارضة قوية من الكونغرس وهو على بعد بضعة أشهر من الإنتخابات النصفية.
أما إيران، فتلعب على عامل الوقت وتتقن المناورات الدبلوماسية وتدرك أن شروطها غير قابلة للتطبيق. كذلك، بوريل ومورا يعملون منذ اكثر من سنة على خطّ المفاوضات. ولكن من دون التوصل إلى نتيجة ولا يبدو أنهم سيصلون إليها.
ما هي الحلول الأخرى؟ يشير هندي إلى أن الأميركيين يتحدثون عن حلول أخرى في حال لم تنجح المفاوضات، وهذه الحلول هي عمليا" العودة إلى فرض العقوبات ومحاصرة إيران دبلوماسيا" في حين أنه بات واضحا" أن هذه السياسة لا توصل إلى نتيجة، إذ أن التجارب السابقة أظهرت أن الأنظمة التوتاليتارية على شاكلة النظام الروسي والإيراني، لديها القدرة على التحمل والدليل أن إيران خاضعة للعقوبات منذ 44 سنة، ومشروعها الجهادي والتوسعي يحرز تقدماً في المنطقة.
حتى اللحظة، الغرب منشغل بقضايا أخرى منها أوكرانيا واهتمامه بمنطقة الشرق الأوسط ثانوي.
أما الدول فيها فتشعر بخطر كبير من التهديد الإيراني مثل إسرائيل ودول الخليج، خصوصاً إذا تركت إيران دون رادع، إذ عندها تتعاظم قوتها. وإذا حصلت في مرحلة ما على القنبلة النووية ستتفلت الأمور بعد أكثر في المنطقة.