لم تعد الأدوية المتداولة في لبنان تقتصر على تلك التي تحمل علامات تجارية معروفة، بعدما تسبب نقص الدواء في البلاد بمشكلة حقيقية للمرضى، وانفتحت السوق اللبنانية على دخول أصناف أدوية غير معترف بها دوليًا.
حاول محمد هاشم (60 عامًا) عبثًا البحث عن دواء لارتفاع ضغط الدم، في كثرة من الصيدليات، لكن محاولاته باءت بالفشل. فاضطر إلى استبداله بدواء بديل، لكنه لم يناسبه، وتسبب له بمضاعفات عدة، أدخلته إلى المستشفى. لم يكن الدواء البديل معترفًا به في وزارة الصحة، حسبما كشفه طبيب هاشم. وهذا يعني أن صحة الناس باتت تخضع لأهواء التجار.
قضية الأدوية البديلة في لبنان ليست جديدة. وقد سمح القانون اللبناني بإدخالها شرط أن تخضع لفحوص مخبرية. لكن الفوضى التي تتحكم بسوق الأدوية، ونقص الأموال اللازمة لاستيرادها من الخارج، وتوقف الشركات الكبرى عن تزويد السوق بها، دفعت تجارًا كثيرين إلى إدخال أدوية من دول مختلفة، منها إيران وسوريا.
في الماضي، كان يلجأ لبنانيون إلى شراء أدوية من دول عربية كبديل عن الأدوية اللبنانية، نظرًا لانخفاض أسعارها. أما اليوم وفي ظل غياب الأدوية المرخصة، فبات إدخال الدواء البديل ضرورة لشريحة كبيرة من اللبنانيين، رغم ارتفاع مخاطرها.
لا ينفي نقيب الأطباء في الشمال، الدكتور سليم أبي صالح، وجود أدوية بديلة في لبنان، عازيًا السبب في حديث له إلى "المدن" إلى عاملين: الأول يتعلق بقرار الحكومة فتح باب الاستيراد، والثاني يتعلق بنقص الأدوية الحاد نتيجة الأزمة الاقتصادية. حسب تقديرات أبي صالح، يصل حجم سوق الأدوية اللبناني إلى أكثر من مليار و600 مليون دولار سنويًا، ونتيجة غياب العملة الأجنبية، بات إدخال أدوية بديلة من دول عربية أو غيرها أمرًا واقعًا.
منذ تسعينيات القرن الماضي، لا تخضع جميع الأدوية في لبنان إلى مراجعة ومراقبة المختبر الوطني، لأسباب سياسية. وبدلًا من ذلك تستعين وزارة الصحة ببعض المختبرات خارج لبنان أو مختبرات جامعية محلية لفحص جودة الأدوية. ورغم ذلك، فإن أدوية كثيرة دخلت مؤخرًا إلى لبنان وتباع عشوائيًا، بلا أي مراجعة أو رقابة، حسب مصدر متخصص في الشأن الطبي. ومع انهيار الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد، بات إدخال الأدوية غير المرخصة، وفق المصدر عينه، تجارة مربحة، ليس لتجار الدواء وحسب، بل لشريحة كبيرة من تجار وجدوا في الأدوية مكسبًا إضافيًا لهم. فأُغرقت الأسواق بالأدوية السورية والإيرانية في الدرجة الأولى، فيما يسعى بعض المستوردين إلى إدخال بعض الأدوية الهندية، لكن حتى الأن لم يثبت وجودها في السوق.
تهريب وتجارة
لا يمكن عادة إدخال الأدوية إلى لبنان إلا بموافقة قانونية، تصدرها اللجنة الفنية في وزارة الصحة. وحسب أصول تسجيل الأدوية في الوزارة، يُرفع طلب إلى لجنة مؤلفة من طبيبَيْن وصيدليَّيْن و4 أعضاء آخرين، لتمنح موافقتها عليها بعد استيفاء شروط محددة، فيُعتمد الدواء ويُصبح قانونيًا. ولكن منذ العام 2019 لم تعد هذه الآلية معتمدة ونافذة، حسب المصدر. وبات عمل اللجنة الفنية شبه غائب. لذا، سعت بعض الشركات إلى إدخال الأدوية عن طريق التهريب، قبل أن يصدر تشريع يسمح باستيرادها. والأخطر حسب المصدر، لا يتعلق بأدوية الضغط أو السكري وحسب، بل بأدوية السرطان التي دخلت إلى البلاد وتوزّع على المرضى.
يرفض بعض الأطباء وصف الأدوية البديلة لمعالجة المرضى، حسب شهادة أخصائي الطب العام الدكتور حسين عياش، لأن وصف أي دواء غير خاضع لموافقة منظمة الصحة العالمية، يعرض الأطباء والمرضى لمخاطر عدة. وما يحصل في لبنان من عملية بيع أدوية بديلة، ما هو إلا نوع من أنواع التجارة غير المحرمة دوليًا. ويقول عياش لـ"المدن": "فوجئت بحدوث تضخم في كبد أحد مرضاي بسبب تناوله دواء بديلًا لمعالجة الكوليسترول، بعد ارتفاع سعر الدواء إلى أكثر من 10 أضعاف، فاضطرت إلى استبداله بدواء أرخص، كان له نتائج سلبية".
تروي السيدة مريم درويش (اسم مستعار، 65 سنة) أن مستوصفًا خيريًا، وصف لها بديل دواء الكوليسترول، وبعد استخدامه مدة شهر تقريبًا، بدأت تشعر بأعراض هذيان، وخمول، ولم تعد قادرة على إنجاز أعمالها المنزلية المعتادة. ولما أجرت فحوصًا، فوجئت بتضخم في الكبد. وبعد مراجعة الطبيب، تبين أن الدواء يحتوي مواد كيميائية منها تركيبة الأموكسيسيلين/كلافولانات، وهي مادة ساهمت بحصول تسمم في الكبد ومن ثم تضخمه جزئيًا.
صحيح أن مشكلة الأدوية البديلة في لبنان ليست جديدة، لكن آثارها بدأت تطال أمن اللبنانيين الصحي، في ظل غياب أي سلطة رقابية على الأدوية التي تدخل الأسواق، خصوصًا الأدوية المهربة التي توزع في بعض المراكز الصحية.
المدن