بعد تشتّت

وضعت الانتخابات النيابية في البقاع الغربي اوزارها، وحدد البقاعيون القوى وفق روزنامة، أشبه بلوحة «موزاييك» من حيث النتائج، والتي على أساسها توزع ادوار القوى السياسية، فما لم يكن بحسبان هذه «المنظومة» فوز لائحة قوى 17 تشرين، لتخوفها من ان تكون نتيجتها هي «كرة التغيير» في الاستحقاقات المقبلة، وذلك بعد شعور القاعدة الشعبية بنشوة الانتصار على أحد أبرز شخصيات المنظومة السياسية نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي وكأحد مرشحي الرئيس نبيه بري.

ربما أكثر ما ساعد في الوصول الى هذه النتيجة هو تشتت قاعدة تيار «المستقبل»، وتوزع ماكينته بين لائحتين واحدة للنائب محمد القرعاوي يديرها الدكتور احمد رباح بإيعاز من الوزير السابق جمال الجراح، والثانية للائحة «سهلنا والجبل» وتحديداً لياسين ياسين يديرها رئيس اتحاد بلديات السهل محمد المجذوب.

وامام هذه التلاوين تحاول السلطة أن تلملم اذيال هزيمتها لتدخل من بابين تمهيداً للمرحلة المقبلة، الباب الأول تحديد المرجعية من خلال عدد الأصوات التي نالها المرشحون، فكان الرقم الاعلى للحاج قبلان قبلان (10143 صوتاً)، بعدما تنافس مع حليفه في ذات اللائحة حسن مراد (9157 صوتاً).

والباب الثاني هو تمثيل «التيار الوطني الحر» لأول مرة في البقاع الغربي، من خلال مرشح تيار «العتمة»، كما يسميه أبناء المنطقة، شربل مارون. هذان المدخلان يضعان أحزاب السلطة أمام مهمة انمائية صعبة في منطقة عطشى لكل انواع المشاريع، هكذا يدخل الى دائرة التنافس على مرجعية البقاع الغربي وراشيا النائب وائل أبو فاعور، والذي رغم تراجعه في الشارع الدرزي بشكل ملحوظ، الا انه حافظ على المرتبة رقم واحد في اللائحة (9202 صوت)، ونيله من الشارع السني أكثر من الفي صوت.

بهذه النتائج يحاول قبلان وابو فاعور ان يرسما خطوط مرجعية البقاع الغربي، ومسار الانتخابات للدورة 2026 المقبلة بعد تفكك «الكتلة السنية الناخبة» والتي تعتبر الاكبر بين جميع الكتل، وتوزعها بين عدد من الاسماء، بعد تحديد الاوزان لباقي القوى والاحزاب.

فـ»القوات اللبنانية» بالمفهوم التكتيكي استطاعت ان تثبت حضورها وان تستنهض قاعدتها الحزبية وتحدد قدرتها التجييرية بـ(4761 صوتاً) نالها مرشحها داني خاطر، رغم المآخذ عليها من تشكيل لائحة خاسرة سلفاً خارج التحالف مع الحزب «التقدمي الاشتراكي» والنائب محمد القرعاوي والجماعة الاسلامية، وقد أتى تشكيل لائحتها بعدما رفض القرعاوي أن يكون في اللائحة نفسها مع أي مرشح من «القوات» وبعدما فضل أبو فاعور التحالف مع القرعاوي، على أساس أنه يؤمن عدداً أكبر من الأصوات الأمر الذي لم يحصل وكان أحد اسباب فوز مرشح «الوطني الحر» شربل مارون، (3576 صوتاً) من ضمنها 1200 صوت اعطاه اياها «الحزب» من سرايا المقاومة. مفضلاً دعمه على دعم الفرزلي الخارج من تكتل «لبنان القوي».

أما خسارة النائب محمد القرعاوي لمقعده امام مرشح «سهلنا والجبل» ياسين ياسين، من حيث المقاربة، ناجمة من سببين الاول تسميته مرشحاً عن الرئيس فؤاد السنيورة في البقاع الغربي، ما ادى الى احجام المستقبليين عن التصويت له، والثاني تفكك ماكينته الانتخابية، التي ادارها الدكتور احمد رباح احد ابرز قياديي تيار «المستقبل» سابقاً، بتوجيهات الوزير السابق جمال الجراح، ما انعكس استفزازاً للشارع السني وارتد سلباً على القرعاوي في صناديق الاقتراع لينال (4811 صوتاً)، كمرشح «القوات»، خلافاً للمتوقع له ( 8500 صوت).

أما مناورات الجماعة الاسلامية فلم تأتِ على قدر ارقامها، باعتبار ان قيادتها كانت تناور بأربعة وخمسة آلاف صوت فيما النتيجة اعطت 2825 صوتاً لمرشحها علي ابو ياسين، في ظل تعليق تيار «المستقبل» العمل السياسي، اما بوجود التيار وعمله السياسي والانتخابي تقول المؤشرات أن الجماعة لا تتخطى الـ(1500 صوت).

في ظل هذه المشهدية بقي فوز الدكتور غسان سكاف (776 صوتاً)، عن المقعد الارثوذكسي الذي كان يشغله الفرزلي، محط انظار التغييريين لمعرفة ما اذا كان سيذهب بإتجاه جبهة قوى 17 تشرين النيابية، او انه سينخرط بتكتل نيابي مستقل. خاصة انه كان من ابرز المرشحين على لوائح التغيير، الا انه اختار لائحة القرار الوطني المستقل، وبحسب تصريح له، اعلن انه ترشح كمستقل وسيبقى مستقلاً.

وبين هذه المشهدية في منطقة تعتبر «خزاناً جماهيرياً لتيار «المستقبل»، ظهرت حالة تشتت التيار وعدم التوازن أمام اتخاذ موقف يجاري القاعدة الشعبية ويمنع انقسامها بين القرعاوي، وياسين ياسين، والتزام الصمت والمقاطعة من دون ضجيج.

مصدر مستقبلي أكد لـ»نداء الوطن» أن بعد الانتخابات أصبح الكلام مختلفاً، «فمن التزم ولم يترشح يعتبر من صقور «المستقبل»، اما من ترشح وفاز فهذا شأنه ولم يعد حزبياً ملتزماً، انما من اراد العودة الى التيار عليه ان يعود ويلتزم بالقرارات الحزبية وغير ذلك يبقى صديقاً».

وأكد المصدر نفسه أن تعليق العمل السياسي لا ينسحب على تعليق العمل التنظيمي والحزبي للتيار، وقال «التوجه خلال الايام المقبلة الى تشكيل خطة عمل حزبية سياسية معارضة»، وبالتالي اصبحنا خارج السلطة، من هذا المنطلق بدأ التركيز على اقامة الورش التنظيمية والحزبية لتحديد عملها والتمهيد لحلقات توعوية وتثقيفية، لاعادة الدماء الى شرايين القاعدة الحزبية التركيز على هموم الناس».


أسامة القادري - نداء الوطن

يقرأون الآن