لبنان

لبنان إلى نفق تصريف الأعمال... و3 استحقاقات فاصلة

لبنان إلى نفق تصريف الأعمال... و3 استحقاقات فاصلة

دَخَلَ لبنان «رسمياً» مرحلةَ إكمالِ عملية إعادة تكوين السلطة، برلماناً وحكومةً جديديْن، انطلاقاً من النتائج التي أفرزتْها انتخابات 15 أيار وخلاصتها الرئيسية «توازُنٌ سلبي» بين غالبيةٍ غادرت مربّع ائتلاف «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» وحلفائهما، وبين خصومها مما يُسمى بـ «قوى سيادية»، و«قوى تغييرية» ومستقلين يصعب أن يستقلّوا «عربة واحدة» تشكل قاطرة أكثريةٍ... دائمة.

ومع تحوُّل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مستقيلة حُكْماً بعدما انتهت ولاية برلمان 2018 منتصف ليل السبت - الأحد، يكون لبنان محكوماً في الأسابيع المقبلة بأجندة دستورية بأولوياتٍ محدّدة، ولكن غير معلومة المآلات، تسابَق استحقاقاتُها الانهيار المالي الذي «يزحف» إلى مستويات أفقية أكثر «تَوَحُّشاً»، ليس أقلّها مناطحة سعر الدولار في السوق الموازية 32 ألف ليرة وهو أقسى انسحاق للعملة الوطنية منذ بدء السقوط الحر في آذار 2020.

وبدخول حكومة ميقاتي مرحلة تصريف الأعمال، هي التي كانت وُلدت في 10 أيلول 2021، تكون البلاد باتت على «رِجْلٍ ونصف» بمواجهة «الأعاصير» المالية - المعيشية المرشّحةِ لمزيدٍ من العصف الذي «يتغذّى» من أزمات سياسية، تبدأ من جلسة انتخاب رئيس برلمان 2022 ونائبه وهيئة مكتب المجلس، مروراً بتسمية رئيس للحكومة العتيدة ثم تشكيلها، ولا تنتهي باستحقاق انتخاب رئيس للجمهورية (تنتهي ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول).

وما زالت جلسةُ معاودةِ انتخابِ الرئيس نبيه بري لولايةٍ سابعةٍ متتالية على رأس البرلمان (منذ 1992 وقد رشحّته كتلته البرلمانية أمس) رَهْنَ اتصالاتٍ لسحْبِ فتائل سياسية وطائفية، في ظل مؤشراتٍ إلى أن هذه الجلسة (يتعيّن أن يدعو إليها رئيس السن، وهو بري نفسه هذه المَرّة، كحدٍّ أقصى في 5 حزيران المقبل) باتت أسيرةَ «السلّة الواحدة» بين انتخاب رئيس المجلس ونائبه، والمحكومةِ بمحاولاتِ مُقايَضَةٍ داخل الصف الواحد (بين بري والتيار الحر) على موقع نائب الرئيس (للنائب إلياس بوصعب)، في مقابل سعي من الغالبية «المعلَّقة» لأن تكون «الكتلة البيضاء» هي الأكبر بوجه بري وفي الوقت نفسه إيصال نائبٍ له من صفوفها ولو وفق تسوية بين مختلف تلاوينها (فتكون حظوظ نائب تغييري مثل ملحم خلف أعلى من نائب «القوات اللبنانية» غسان حاصباني).

وفي انتظار ما ستحمله الأيام المقبلة على هذا الصعيد وسط ردّ بري على ما أشيع عن عزمه العزوف عن الترشح لرئاسة المجلس «دا بُعدهم»، فإن المخاوف لم تهدأ من أن تؤدي خريطة البرلمان «المتشظّي» إلى تعطيلٍ مبكّر لكل «سبحة» الاستحقاقات المرتبطة باكتمال نصاب مجلس النواب المنتخَب، في حين لم يَبْدُ أحد قادراً على استشراف مسار تشكيل الحكومة الجديدة بدءاً من تكليف رئيسها، علماً أن هذا الملف مزنَّر بمهلة زمنية تتآكل كلما تأخّر إقلاع برلمان 2022.

ذلك أنه في 31 آب المقبل يتحوّل مجلس النواب هيئة ناخبة حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وإلا باتت حكومة ما بين الانتخابات النيابية والرئاسية، في حال «وحدة مصير ومسار» مع «رئاسية 2022» التي يُتوقَّع أن يتكرر فيها الشغور الذي سكن قصر بعبدا مرتين على التوالي في 2007 (حتى أيار 2008) و2014 (حتى تشرين الأول 2016)، مع فارق أنها قد تكون المرة الأولى في تاريخ لبنان تضع حكومة تصريف أعمال «القبّعة الرئاسية».

ولم يكن عابراً عشية انتقال حكومة ميقاتي إلى تصريف الأعمال أنها عمدت إلى تمرير سلسلة بنود مالية، جاءت في جانب منها للمضي في «شراء الوقت» وتعطيل «صواعق» معيشية، مثل توفير تمويل لأدوية الأمراض المستعصية والمزمنة التي ما زالت مدعومة (لأربعة أشهر)، فيما حَمَل بعضها الآخر طابع «التهريبة» وإن تحت عنوان تلافي انهيار وشيك لقطاعات حيوية مثل الاتصالات التي اتُخذ قرار رفع تعرفتها (لـ الخلوي) بمعدّل أكثر من 5 أضعاف (ابتداء من مطلع تموز) بحيث إن الفاتورة التي كانت تكلّف المشترك 100 دولار أي 150 ألف ليرة (على سعر 1500 ليرة) ستُقسم على 3 لتصبح نحو 33 دولاراً سيتم تقاضيها على سعر منصة «صيرفة»، وهو متحرّك، ويبلغ حالياً نحو 23 ألفاً و600 ليرة، فتصبح 778 ألفاً و700 ليرة، وهي «أغلى فاتورة اتصالات في العالم سيتكبدها أفقر شعب في العالم» وفق توصيف وزير الشباب والرياضة جورج كلاس.

وفي حين أرجئ بت موضوع رفْع سعر الصرف الذي يُعتمد للدولار الجمركي (ما زال يُحتسب على 1500 ليرة) تفادياً لتفجير «غضبة شعبية» يُخشى أن تخرج عن السيطرة، فإن قرار وزارة الاقتصاد حصْر استعمال القمح المدعوم بإنتاج الخبز العربي (بالتوازي مع طلبه فتح اعتماد بقيمة 21 مليوناً و500 ألف دولار لفترة شهرين لشراء القمح المدعوم لحين بدء تنفيذ قرض البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار) حلّ جزئياً ومرحلياً أزمة الرغيف ولكنه أَنْذَرَ بجعل أسعار المناقيش والخبز الفرنجي وخبز الهمبرغر والباغيت وسواها «تحلّق» وتصبح «حارقة» لجيوب عدد كبير من اللبنانيين الذين يكابدون واحدة من أسوأ 3 أزمات مالية عرفها التاريخ منذ 1850.

ولم يقلّ إثارة للجدل، إقرار الحكومة خطة التعافي المالي والاقتصادي التي شكّلت مرتكز الاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي على رزمة تمويل بنحو 3 مليارات دولار على 4 سنوات، حيث عرض نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي الخطة موضحاً أن خسارة القطاع المصرفي تقدر بـ 78 مليار دولار وخسائر مصرف لبنان بـ 63 ملياراً. وقد أوضح ميقاتي «أن الودائع حتى الـ 100 ألف دولار ستكون محمية بالكامل وفق الاتفاق ونسعى خلال المفاوضات إلى رفع هذا السقف. ولن تكون فرص الإنقاذ متوافرة دون البنك الدولي وعلى مصرف لبنان وضع المعايير اللازمة لضمان نمو الاقتصاد».


الراي الكويتية

يقرأون الآن