لبنان

مجلس النواب 2022: دموع المرفأ ورقص عين التينة

مجلس النواب 2022: دموع المرفأ ورقص عين التينة

صورتان تصدّرتا مشهد الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد، هما: وصول 13 نائبا يمثلون 17 تشرين الأول 2019 الى ساحة النجمة سيرا على الاقدام من مرفأ بيروت المدمّر. والثانية، حلقة الدبكة لعناصر أمنية أمام مقر رئيس مجلس النواب نبيه بري في منطقة عين التينة. في الصورة الأولى، كانت دموع أهالي ضحايا إنفجار المرفأ في 4 آب 2020 ، توصي النواب ألا ينسوا العدالة في قضيتهم. أما في الصورة الثانية، فقد ظهر ان هؤلاء العناصر الأمنية هم ميليشيا لزعيم حركة "أمل" ، ولا ينتمون لمؤسسة رسمية.

في موازاة ذلك ، كثيرة هي العناوين التي حملتها الجلسة الأولى لبرلمان 2022 ، وهي ان دلّت على شيء، فهي تدل على ان انتخابات 15 أيار الماضي، كانت مهمة في المسار الديموقراطي للبنان. فهذا البلد الذي يرزح تحت أثقال تجعل من قضية الانتخابات ترفا، أثبت انه عنيد في ممارسة دوره عند يطلب منه الاختيار.

لم تفت متابعي اليوم الأول من عمل البرلمان الجديد، ان 13 نائبا ، أطلق عليهم لقب "التغييريون"، كانوا أكثر حضورا من بقية النواب الذين يفترض انهم يشكلون الأكثرية الجديدة التي تضم ما جرى وصفهم ب"السياديين" و"المستقلين." فهؤلاء النواب ال 13، (نرجو ان يكون 13 رقم الحظ للتغيير)، فاجئوا مواكبي جلسة 31 أيار، بعد حضورهم مع مسيرة من المرفأ، بالطريقة التي إقترعوا فيها للمرشح للرئاسة الثانية بأوراق حملت عبارات "العدالة للقمان سليم( إقترع بها أيضا نوّاب حزب الكتائب الأربعة) ،ولضحايا تفجير المرفأ، ولضحايا شرطة المجلس، وللنساء المغتصبات." وجاهرت النائبة حليمة القعقور ، التي هي من بين هؤلاء النواب ال 13 ، أنها هي من إقترعت بعبارة "العدالة لضحايا شرطة المجلس،" وطالبت بمحاكمتهم على العنف الذي مارسوه ضد ناشطي 17 تشرين الأول. كما ان زميلها في المجموعة ، النائب فراس حمدان ، أطل من على درج مبنى ساحة النجمة مغطيا احد عينيّه ، في إشارة الى انه كان واحدا من ضحايا هذه الشرطة .

في المقابل، كانت ردة فعل رئيس السنّ، نبيه بري، على أوراق النواب ال 13 ، متعالية على عبارات العدالة الى حد انه تجاهل أولا قراءة هذه العبارات، لكنه رضخ بعد إعتراض أصحابها ، فعاد الى تلاوتها. لكن بري، الذي اصبح رئيسا للمرة السابعة للبرلمان منذ 30 عاما، جاهر بتبنيه لعنف شرطته ، عندما أصبح مطمئنا الى انه سيمضي 4 سنوات جديدة في منصبه ، قائلا:" شكراً للجيش والقوى الأمنيّة وشرطة المجلس." علما ان بري وبعد عقود من رئاسته للبرلمان، كوّن فريق أمنيا موالي له كرئيس لحركة "أمل"، وهو فريق سارع الى الدبك في عين التينة إحتفاء بفوز زعيمهم.

لو كانت القضية إقتصرت على دبكة عناصر بري لهان الامر. لكنها إنطوت على إطلاق رصاص الابتهاج الذي وصل أزيزه الى الجلسة. وهنا سأل النائب سامي الجميل الرئيس بري بعد انتخابه: "دولة الرئيس خبّروني انو ماشي القواص برا." فاجابه بري: "انا اصدرت بيان شو بعمل!"

وفي مكالمة تلقيتها من طبيب لبناني ، هو جرّاح في مستشفى جامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأميركية ، انه عندما كان في ال12 من عمره ، وخلال تلقيه حصة الرياضة في احدى مدارس رأس بيروت ، سقطت بالقرب منه رصاصة طائشة خلال إحتفال انصار بري بفوزه للمرة الأولى برئاسة البرلمان عام 1992. ويقول الطبيب لكاتب هذه السطور:" اعتقد انني نجوت بإعجوبة قبل 30 عاما. وقد إحتفظت بالرصاصة كذكرى لذلك اليوم المشؤوم."

وأيضا، يقول مواطن في بدنايل البقاعية، ان مليارات هي ثمن الطلقات النارية التي أطلقها مناصرو "حزب الله" وحركة "أمل" غداة الانتخابات النيابية الأخيرة ، إبتهاجا بفوزهما،وقال:" كم من العائلات المعوزة التي كانت ستبتهج بهذه المليارات لو جاءتها مساعدات؟"

ربما يجب إستثناء النائب جميل السيّد من مشهد الابتهاج الناري. فبعد فوز بري للمرة السابعة برئاسة البرلمان، تعرّض السيّد لمضايقات في منزله في منطقة الجناج ببيروت على أيدي عناصر من "أمل"، بعدما جاهر مسبقا بأنه لن يقترع لمصلحة بري في الجلسة الأخيرة.

من صورتيّ مسيرة المرفأ ودبكة عين التينة، الى الصورة الاشمل التي تتعلق بحقيقة الأكثرية في البرلمان الجديد. قراءة "حزب الله" لنتائج جلسة الامس، وحسب ما أوردته قناة "المنار" التابعة للحزب مساء 31 أيار فهي الاتية:"نبيه بري رئيسا لمجلس النواب لولاية سابعة، والياس بو صعب نائبا للرئيس، فهل من لزوم بعد للحسبة والعد على المقاعد النيابية وما بينها، وعن الاكثرية ومساراتها؟

أما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فغرّد قائلا": بعد هزيمة الامس للغالبية الجديدة في المجلس النيابي في انتخاب نائب رئيس نتيجة سوء التنسيق، قد يكون من الافضل صوغ برنامج مشترك يتجاوز التناقضات الثانوية من أجل مواجهة جبهة 8 آذار السورية الايرانية التي للتذكير ستنتقم لهزيمتها في الانتخابات بكل الوسائل ولن ترحم أحدا".

انها بداية، على ضفتيّ : ضفة 8 آذار الذي أعاد "حزب الله" شد عصبها وضم اليها "التيار الوطني الحر" بعد ممانعة مؤقتة، وضفة "السياديين" و"التغييرين." والاخيرون ، مع ابداء التقدير الكامل لأدائهم، بدا وكأنهم لم يصدّقوا بعد انهم صاروا فعلا في البرلمان .أما "السياديون" فهم، ما زالوا على ما يبدو في سلوك معظهم ، أنهم ما زالوا تحت وطأة الرعب من بطش الوصاية الإيرانية التي أمعنت فيهم إغتيالا منذ جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005.

الأنظار منذ الان الى الامتحان المقبل في تشكيل الحكومة الجديدة. وسيكون إسم الرئيس المكلف هو عنوان لحقيقة الأكثرية الجديدة في برلمان 2022.

أـحمد عياش - النهار

يقرأون الآن