المركزية- صحّت مقولة "ما بعد أزمة أوكرانيا ليس كما قبله"ا. فالعالم منشغل اليوم باستحقاقين يؤرقان مضاجع أهم صناع السياسات الاقتصادية والمالية، الركود التضخمي وشحّ مصادر الغاز، وذلك تجنباً لازمات مستقبلية باتت قاب قوسين من تفجرها مشكلات متفرعة، يخشى معها مسؤولو الدول المتقدمة كما المتخلفة من دخول عصر الانكماش التضخمي، بعد ارتفاع منسوب مخاوف الركود التضخمي الذي يضرب الاقتصادات حالياً، وبلوغه أعلى مستوى منذ العام 2008، وفق تقرير لـ"بنك أوف أميركا".
في خضمّ الاضطراب الشديد في أسواق المال والاسهم قبل أسبوع ممجوج بالشكوك وعدم اليقين، ويُلفت أحد خبراء الاقتصاد الدولي لـ"المركزية"، إلى أن "قطاعات السياحة والترفيه وتصنيع السيارات والنفط والغاز ما زالت تقود "الخسائر الجماعية" بفعل قلق المستثمرين من استمرار التضخم لفترة اطول من المتوقع، واضطرار المصارف المركزية حول العالم لتشديد الإجراءات النقدية أكثر لاحتوائه. وقد انطلقت المسببات أولاً من تجدد ازمة تفشي "كورونا" في الصين بعد فترة لم تنجح خلالها للاقتصادات في التقاط انفاسها، وثانيا من اضطراب سلاسل التوريد العالمية مع استمرار الحرب العسكرية في اوكرانيا، والتي اصابت قنوات التجارة الدولية للحبوب والنفط مهددة بازمات غير مسبوقة.
ويٌضيف: هكذا، بات الجوع يدق ابواب الدول الفقيرة لتعصف بأكثر المجتمعات احتياجاً في أكثر الأماكن هشاشة، لكنه سيطول حتما الدول الغنية بارتفاعات هائلة في الاسعار مع شح المعروض، وخصوصا ان ازمة حصاد القمح في أوكرانيا تبدأ في تموز المقبل وصوامع الحبوب هناك مكتظة وتفتقر الى مساحات للتخزين، فيما يبقى نحو 20 مليون طن من الحبوب كانت مخصصة للسوق العالمي، عالقا بسبب الحرب. اما الكلام اخيرا عن "ممرات آمنة" بحريا لضمان توريد السلع مجددا، فدونه معوقات ابرزها الالغام التي زرعتها اوكرانيا وتحتاج اقله الى ستة اشهر لازالتها بمساعدة دولية، فيما يرتقب نشوب خلاف بين موسكو وكييف على تقاسم ايرادات اي عمليات تصدير قد تنطلق من مرافئ اوكرانيا، وخصوصا ان مرفأ اوديسا لا يزال تحت سيطرة اوكرانيا، فيما يقع ماريوبول وخيرسون تحت سيطرة روسيا.
ويُشير إلى أن "هذا المشهد الملتهب عسكريا واقتصاديا، دفع قبل ايام باكبر اقتصاد في العالم (الاقتصاد الاميركي) الى رفع معدل الفائدة بمقدار 75 نقطة لكبح جماح التضخم بعدما باتت مهمة الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الاميركي) صعبة جدا مع ارتفاعه الى نحو 8.6 في المئة، في قرار استهدف احداث صدمة للاسواق رغم المحاذير من انعكاسه الحتمي تباطؤا اكثر في الاقتصاد. القرار استوجب مبادرة مماثلة من نحو 50 مصرفا مركزيا في العالم لاحتواء تداعيات التضخم الذي بلغ نحو 7.4 في المئة في منطقة اليورو، وهو اعلى بكثير من هدف التضخم للبنك المركزي الاوروبي البالغ نحو 2 في المئة."
ويسأل: هل على العالم ان يخشى انكماشاً تضخمياً؟ وهذا يعني فترة طويلة من النمو الضعيف والتضخم المرتفع. يقول بعض الخبراء انه قد يبدأ هذا العام، لكن المخاطر ستكون حتما اكبر في العام 2023. أين لبنان من هذا المشهد وهو الغارق في تدوير زوايا استحقاقاته الدستورية؟ لا شك في ان وقوع 80 في المئة من اللبنانيين دون خط الفقر بكل اشكاله، هو نتيجة التضخم المفرط الذي وقع فيه الاقتصاد وفقدان الليرة اللبنانية نحو 90 في المئة من قيمتها، الا ان توسع حلقة "أزمة الجوع" التي يحذر منها المجتمع الدولي غير مؤكدة، بفعل ارتباط معظم اللبنانيين بحلقة تحويلات المغتربين التي حافظت على وتيرة مقبولة مقدرة بنحو 7 مليارات دولار سنويا.
ويخلص إلى القول إن "أزمات لبنان ستتوالى فصولاً إن لم تبادر السلطة السياسية الى احترام مواقيت الاستحقاقات الدستورية، تبدأ وتنتهي بتعيين حكومة انقاذ تتولى مهمة توقيع البرنامج الاصلاحي مع صندوق النقد، وتعيد ربط لبنان بحاضنته الغربية والعربية".