في وقت يستعد أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت لإحياء الذكرى الثانية على أكبر جريمة في تاريخ الوطن وأكثرها وحشية وجدلا على المستويين القضائي والأمني، لفت حضور المحقق العدلي في الملف القاضي طارق البيطار إلى مكتبه في قصر العدل بعد انقطاع قسري دام أكثر من ستة أشهر وتحديداً منذ تجميد تحقيقاته في 23 كانون الأول إثر تبلغه دعوى رده عن القضية من النائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل.
فور وصوله تبلّغ البيطار مضمون دعوى كفّ اليد التي تقدم بها المدير العام للجمارك بدري ضاهر بحقه إضافة إلى دعوى مشتركة لنقل ملف من عهدته تقدم بها كل من رئيس مجلس إدارة استثمار مرفأ بيروت المدعى عليه الموقوف حسن قريطم ومسؤول أمن المرفأ المدعى عليه الموقوف محمد زياد العوف ودعوى نقل مشتركة تقدم بها كل من المدعى عليه الموقوف سليم شبلي وعماله ودعوى نقل مقدمة من رئيس الميناء في المرفأ المدعى عليه الموقوف محمد المولى.
في التفسير القانوني لموجب حضور القاضي البيطار، فإن حضوره جاء بناء على طلب محكمة التمييز. وفي سياق التحليل، تشير مصادر قضائية إلى أن الخطوة التي اتخذها البيطار بحضوره إلى مكتبه تؤكد على جرأته وعدم وجود نية لديه للتهرب من تبلغ مطلق أي دعوى التي وصل عددها إلى 35 بين دعاوى رد ونقل. في المحصلة كلها تصب في مسار عرقلة التحقيق وإن كان اختلاف بين الرد والنقل سواء في الجانب القانوني وكذلك في خلفيات الدعاوى.
المحامي من مكتب الإدعاء في نقابة المحامين يوسف لحود لفت عبر "المركزية" إلى ضرورة التمييز في خلفيات الدعاوى "إذ يمكن أن تكون تعسفية وعن سوء نية وقد تكون عن حسن نية ظنا من المدعي أنه يمكن من خلال التقدم بالدعوى إخلاء سبيله. لكن الثابت أن دعاوى الرد من قبل الوزراء ورؤساء الوزراء إنما تهدف إلى عرقلة التحقيق والتساوي برئيس الجمهورية الذي يحاكم بحسب المادتين 60 و70 في الدستور أمام المجلس الأعلى لعلّتي خرق الدستور والخيانة العظمى وحتى لإرتكابه الجرائم العادية، ومحاكمة رئيس الوزراء والوزراء لإرتكابهم الخيانة العظمى أو لإخلالهم بالموجبات المترتّبة عليهم يجعله ليس محكمة سياسية فحسب وإنما أيضًا محكمة جزائية إستثنائية، إذ إن مهماته الأساسية تكمن في محاكمة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء بالجرائم المسندة إليهم.
ينفي المحامي لحود علمه بالأسباب الموجبة التي دفعت القاضي البيطار للحضور إلى مكتبه وتبلغ الدعاوى، لكن وفق تحليله القانوني يرجح "أن يكون حضر إنطلاقا من شفافيته وعدم وجود نية لديه بالتهرب من تبلغ الدعاوى وليأخذ القضاء مجراه. وهذه جرأة تسجل لدى القاضي البيطار". إلا أن تبلغه دعاوى رد ونقل جديدة "لا تضيف إلى المسألة شيئا وهو مصمم على استكمال مهمته حتى اللحظة الأخيرة مهما كانت الصعوبات والعراقيل".
تراكمات الدعاوى والعراقيل التي توضع امام المحقق العدلي لتجميد التحقيق و"قبعه"، لا تعني "أن ملف التحقيق العدلي مقفل لكن مساره بطيء في انتظار فكفكة السلسلة التي تؤخر البت فيه" يقول المحامي لحود. والحلحلة في رأيه "تبدأ بتشكيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز برئاسة مجلس القضاء الأعلى وعضوية قضاة من محكمة التمييز. فأمام هذه الهيئة دعوى مخاصمة الدولة ضد رئيسها القاضي ناجي عيد على أعماله مقدمة من الوزيرين علي حسن خليل وغازي زعيتر". وإذ يشير لحود إلى أن دعوى المخاصمة تعسفية ولا ترتكز على ثوابت قانونية إلا أن الهدف منها تجميد دعاوى طلبات الرد التي يفترض أن ينظر فيها رئيس الغرفة القاضي عيد.
حتى اللحظة، يرفض وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل التوقيع على مرسوم استكمال تشكيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز تمهيدا للبت في دعاوى النقل والرد التي وصل عددها إلى 35 دعوى واغلبيتها لم تقبل، وعليه يصبح بإمكان القاضي البيطار استئناف تحقيقاته من حيث توقفت، "وهذه بداية الحلحلة إذ عند تشكيل اللجنة يتم البت بطلب دعوى مخاصمة القاضي ناجي عيد بغض النظر عن النتيجة سواء صدر القرار بإعادته إلى منصبه لترؤس الغرفة أو إبعاده عنها. في النهاية الحكم للقضاء وكلنا تحت سقف القانون المهم التوقيع على مرسوم تشكيل الهيئة العامة للبت بطلبات الرد ضد القاضي البيطار...والحل وارد علما أن خلفيات عدم التوقيع معروفة لكن نأمل أن يكون قريبا".
ما يميز طلبات النقل عن الرد "أن الأولى لا توقف يد القاضي بصورة آلية حيث أن قانون أصول المحاكمات الجزائية نص صراحة على أن هذا النوع الأخير من الدعاوى لا يعلق التحقيق إلا إذا قررت المحكمة الناظرة فيها صراحة ذلك. وهذا جيد نوعا ما مقارنة مع طلبات الرد التي ترفع يد القاضي بصورة آلية" يختم المحامي لحود.
عامان على التفجير وأهالي الضحايا واللبنانيون لا يعرفون عن الانفجار أكثر مما انتشر من نظريات في الأيام الأولى بعد حصوله.
قد تكون العدالة هي العزاء الوحيد لأهالي الضحايا والجرحى والمتضررين وإن بدرجات متفاوتة. لكنها أيضا طيف بعيد.. قلة فقط تؤمن انها ستتحقق يوما ما.
المركزية